عثر علماء الفلك على مجرة قزمية على بُعد سحيق في الكون، يعتقدون أنها مصدر الصواعق الراديوية التي تمثل لغزا حيّر العلماء. وفاجأ هذا الكشف الباحثين تحت إشراف شامي شاترجي من جامعة كورنيل الأمريكية، إذ لم يكونوا قادرين على تصديق أن مجرة صغيرة بهذا الشكل يمكن ترسل زخات إشعاعية بهذه القوة. وأعلن فريق الباحثين عن اكتشافهم في مجلة "نيتشر" البريطانية، الصادرة أمس الأربعاء. كما أعلنوا عنه خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للفلك، الذي انعقد في مدينة جرابيفين بولاية تكساس الأمريكية. واكتشف العلماء ظاهرة الانفجارات الراديوية السريعة FRB قبل نحو عشر سنوات والتي تحدث في جزء من الثانية، وتتوهج في السماء بشكل غير منتظم على ما يبدو. وهناك العديد من الأفكار عن طبيعة مصدر هذه التوهجات، حيث يرجح بعض الباحثين أنها ناتجة عن انصهار نجمين نيترونيين أو عن ثقبين أسودين لهما كتلة هائلة. ومن الصعب معرفة مصدر هذا البرق على وجه الدقة، بسبب شدة قصر فترته. وفحص الباحثون، تحت إشراف شاتيرجي وبدقة غير مسبوقة، المنطقة الوحيدة في السماء التي تكرر فيها رؤية هذا البرق؛ فقد وجهوا هوائيات مصفوف المراصد العظيم كارل جي جانسكي المتخصص في رصد الأشعة الراديوية القادمة من الكون ناحية جهة السماء التي كشف فيها فريق من الباحثين في بورتو ريكو في الثاني من نوفمبر 2012 برقا راديويا باستخدام مرصد أرسيبو العظيم؛ وهو المكان نفسه الذي ومض مجددا بعد ذلك بعامين. وبالفعل، استطاعت هوائيات المرصد الأمريكي ال27 التي وجهت جميعها نحو جهة الإشعاع رصد هذه الأشعة؛ بل ورصدت تسعة توهجات منها. وبذلك، نجح الباحثون في تحديد موضع المكان FRB 121102 ، حسبما سماه الباحثون بعد أول تسجيل للوميض وبدقة تزيد 200 مرة عما كان يحدث حتى الآن. ثم زادت عمليات رصد أخرى بالتعاون مع تلسكوبات دولية أخرى للأشعة الراديوية من نسبة دقة رصد هذه الأشعة مرة ثانية بواقع عشرة أمثال. وقد أظهرت هذه الأبحاث أنه لا يوجد في المكان الذي تنبعث منه هذه الأشعة إلا مجرة قزمية تصدر عنها موجات راديوية ضعيفة ومستمرة. وتقع المجرة مصدر هذه الأشعة على بعد ثلاثة مليارات سنة ضوئية من الأرض. والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة؛ وهو ما يعني أن هذه التوهجات الإشعاعية قوية للغاية، بشكل يجعل من الممكن قياسها بشكل واضح، بالرغم من هذا البعد. ولا يزال العلماء يتكهنون بشأن العملية التي تحدث على هذه المجرة وتتسبب في هذه الانفجارات الهائلة. وأوضح ياسون هيسلس من جامعة أمستردام، في بيان نشره معهد ماكس بلانك للعلوم الفلكية في مدينة بون الألمانية والذي شارك في الدراسة، أن "الظروف الحالية في هذه المجرة القزمية تسمح بإمكانية نشأة نجوم أكبر كتلة عن نجوم مجرة درب اللبانة التي تتبعها شمسنا، وربما كان انهيار بقايا أحد هذه النجوم هو مصدر هذه التوهجات الإشعاعية". ومن النظريات المطروحة أيضا أن هذه الومضات الراديوية ناشئة عن ثقب أسود ذي كتلة هائلة يبتلع جميع المادة السدمية المحيطة به؛ ولكن الباحثين تعودوا حتى الآن ألا توجد مثل هذه الثقوب السوداء هائلة الحجم في مجرات قزمية. وكان باحثون قد أكدوا بالفعل أثناء دراستهم مصدر أحد الومضات الراديوية عام 2015 أن مجرة إهليلجية الشكل على بعد نحو ستة مليارات سنة ضوئية هي مصدر هذا الوميض. وتمتلك مثل هذه المجرات عادة في مركزها ثقوبا سوداء هائلة الحجم. وقال البروفيسور ميشائيل كرامر، أحد العلماء الذين شاركوا في دراسة عام 2015 ومدير قسم بمعهد ماكس بلانك في بون، إن "هناك دلائل على أن لكل من الانفجارين FRB 121102 و FRB 150418 مصدرا مختلفا تماما عن الآخر". ويأمل الباحثون من وراء المزيد من الأبحاث وعمليات الرصد في العثور على المزيد من الإجابات بشأن هذه التوهجات، مؤكدين أن الطاقة التي تنطلق في جزء من الثانية، خلال إحدى هذه التوهجات، تعادل طاقة الشمس خلال عشرات الآلاف من السنين، حسبما أكد بعض العلماء.