بلغت درجة الاحتقان السياسي بين التنظيمات الحزبية المغربية ذروتها، خاصة ما بين حزبي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، اللذين دخلا في "معركة تكسير العظام" من أجل الدخول إلى الحكومة التي تعسر تشكيلها، ولو اقتضى الأمر إقحام قضايا مرتبطة بالسياسات الخارجية للمملكة. فبعد أن ربط حزب الاستقلال البلاغ الصادر عن وزارة الخارجية بحزب التجمع الوطني للأحرار، بحكم أن صلاح الدين مزوار، الوزير الوصي على القطاع، هو الأمين العام السابق للتجمعين، لم يجد "حزب الحمامة" حلا سوى إصدار بلاغ يرد من خلاله على بلاغ "الميزان"، بعد أن سبق ذلك خروج عزيز أخنوش، الزعيم الجديد للتجمع الوطني للأحرار، بتصريح مباشرة بعد لقائه التشاوري مع عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، يؤكد فيه رفض حزبه الدخول في حكومة تتضمن أحزابا بزعماء يساهمون في إحداث أزمات، "وخصوصا مع بلد جار"، في إشارة إلى شباط. أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، شدد على ضرورة التمييز بين سلوك وموقف أمين عام حزب ورد الدولة عليه، مضيفا: "بالنسبة لي هو رد للدولة وموقع باسم الخارجية التي تحركت بعد إشارات الجهات العليا، ولا دخل للتجمع الوطني للأحرار فيه". وعاد البوز إلى ما قاله حميد شباط حول موريتانيا، مؤكدا أنها "تصريحات ليست في محلها وستجلب للمغرب متاعب في ظروف حساسة تمر بها الصحراء"، مردفا بأن "رد الفعل العنيف، وبالطريقة غير المسبوقة التي تضمنها البلاغ، يأتي كمحاولة لرد الاعتبار للدولة الموريتانية، وليس من الضرورة أن المقصود بها هو حزب الاستقلال؛ اللهم بعد المصطلحات التي عادة لا تستعمل في مثل هذه البلاغات". "أما الصراعات البينية الحزبية فتبقى عادية وتعكس تمرينا سياسيا يجب أن يكون داخل المشهد السياسي المغربي"، يؤكد الباحث السياسي ذاته، مضيفا: "تدهور العلاقات بين حزبي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار تحصيل حاصل؛ أما السؤال الجوهري فهو السبب الذي منع بنكيران من تشكيل حكومة بأغلبية تضم أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، مفضلا التشبث بالتجمع الوطني للأحرار". فيما اعتبر بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، أن ما أثار الضجة بخصوص تصريحات حميد شباط هي الظرفية السياسية التي تمر منها العلاقات المغربية الموريتانية، وزاد: "يجب على الأحزاب السياسية أن تلعب دور الدبلوماسية الموازية؛ لكن تصريحات شباط سارت ضد هذا المنحى، ما جر عليه العديد من الانتقادات، خاصة أن الظرفية كانت حبلى بالمواضيع المرتبطة بالحدود المغربية الجنوبية". واعتبر الباحث السياسي ذاته أن "تصريحات زعيم الاستقلاليين صبت الزيت على النار"، وأن "الظرفية السياسية الداخلية المتسمة بالبلوكاج الحكومي دفعت بعض الأحزاب "لاستغلال" هذا الظرف"، مستطردا بأن "ما يقع سيكون له فعل إيجابي على الأحزاب لتكون أكثر حذرا مستقبلا في تعاملها مع القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية للمغرب، إذ إن الاحتقان السياسي ينقل صراعها نحو العلاقات الخارجية للمملكة"، على حد قوله.