لا ينقصُ الأرملة نادية الإصرار ولا والمثابرة لكي تجعل مشروعها الصغير الخاصّ ببيع الملابس الجاهزة ينجحُ ويكسب المزيد من الزبائن، فرصيدُها من الصّفتين يبدو مُشبعاً رغم قسوة المجتمع الذي تصفه بأنه "لا يرحم". تبلغ نادية العبيسي من العمر 34 سنة، وتقطن بحيّ سيدي ادريس بطنجة، وهي أمّ مسؤولة عن أربعة أبناءٍ، تركهم زوجها دون مُقدّمات، بعد أن صعدت روحه إلى بارئها ذاتَ حادثة سير بتاريخ 3 يوليوز من سنة 2014، بمنطقة سوق الأربعاء، أدخلتها في صدمة لم تستفق منها إلا بفضل إيمانها وإدراكها حاجة أبنائها إليها. تقول نادية، واصفةً الوضعَ بعد وفاة زوجها: "بدا لي وكأنني في بحرٍ متلاطم الأمواج، وأنا وسَطه أمسك قشّةً محاولةً الاستيعاب ثمّ النجاة.. الأيام التي تلت وفاته عرفت وجودا مكثفا لأسرتي الصغيرة وعائلتي، وكذا لمجموعة من أصدقائه الذين كان يعدُّهم إخوانَه". ومع مضي الوقت، تضيف نادية: "وبعد مرحلة الصدمة، بدأت أشعرُ بحاجة أبنائي إليّ أكثر فأكثر، بعد أن بدأ الفراغ الذي تركه والدهم يتجلّى لي بشكل واضح، فأدركت أنه سيكون عليّ القيام بدور الأم والأب المُعيل في آن واحد، فاقترحت عليَّ إحدى صديقاتي أن أفتتح محلاّ للخياطة أسفل منزلي، وهو ما عارضته بشدّة بحكم قلّة خبرتي، قبل أن أستسلم وأتوكّل على الله". واجهت نادية صعوبات كبيرة بسبب رأسمالها المتواضع، فكان المشروع ينهار بمجرّد ما يبدأ في تحقيق أرباحه البسيطة، نظرا لكثرة احتياجات أبنائها، وعلى رأسهم ابنتها الكبرى البالغة من العمر 17 سنة، والتي تعاني من مرض السّكري وتحتاج مصاريف لا تنقطع. في هذه المرحلة، ستتعرّف نادية على صديقةٍ أخبرتها بأن هناك جمعية اسمها "العون والإغاثة" تقدّم معونات ومساعدات لمن هنّ في مثل وضعها. لم تصدّق نادية الخبر وتوجّهت مباشرة نحو الجمعية لترى ما قد تقدّمه لها نافذة الأمل الجديدة هاته. تقول نادية: "كنت واضحة جدّا معهم منذ البدء.. أخبرتهم بأنني لا أريد شيئا سوى مساعدتي في توفير أدوية ابنتي المريضة بالسكري، ولا حاجة لي في أي معونات أخرى". عزّةُ نفسِ نادية دفعت الجمعية إلى التعامل معها بكرمٍ خاصّ، فبدأت تفرض عليها أخذ المعونات أكثر من مرّة رغم تعفّفها عن ذلك، قبل أن تقترح عليها إحدى المشرفات أن تتقدّم بفكرة لتنمية مشروعها في إطار حملة "مشروعي كرامتي". لم تكن نادية لتضيع فرصة كهذه، فتقدّمت بمشروعها لبيع الملابس الجاهزة بالمحلّ نفسه الذي تمارس به الخياطة، طالبةً رأس مالٍ يقدّر ب3 ملايين سنتيم، وهو ما قوبل بالموافقة، ليدخل مشروع فاطمة ضمن 158 مشروعا ستدعمهم جمعية العون والإغاثة في إطار حملتها "مشروعي كرامتي" لدعم أسر اليتامى، باعتماد مبدأ مختلف عن العطاء السلبي، متجاوزةً مرحلة "منح السمكة" إلى "تعليم الصّيد". لا تأمل نادية من مشروعها سوى أن يمنحها المزيد من الكفاف والعفاف والغنى عن الناس الذين يراها بعضٌ منهم للأسف لقمة سائغة بحكم وضعها كأرملة، وهو الأمر الذي يمزّق نياط قلبها، إذْ تقول وهي تُكفْكِفُ دموعها: "مجتمعنا لا يرحم للأسف .. البعض يحاول أن ينتهز فرصة كوني أرملة ليأخذ ما ليس له. بالنسبة لي، كلّ أملي أن أزاحم رسول الله ﷺ على باب الجنّة، بعد أن أكون ربّيت هؤلاء اليتامى أفضل تربية، وأن ألقى زوجي هناك وهو رفقة الصديقين والشهداء والصالحين".