المجتمع المغربي مجتمع لا يقرأ، وعلاقةُ المغاربة ب"خيرِ جليس" فاترة إلى حدٍّ يكاد يقترب من القطيعةّ؛ ذاك ما خلُص إليه عدد من الدراسات والبحوث والتقارير المُنجزة خلال السنوات الأخيرة. تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2016، الصادر قبل أيام عن صندوق الأممالمتحدة للتنمية، حول واقع الشباب في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كشف أنَّ الشباب المغربي لا يُنفق من زمنه اليومي على فعْل القراءة سوى 13 دقيقة فقط. بحْث سابق أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، بين سنتي 2011 و2012، حوْل استعمال الزمن، وقُدمتْ نتائجه سنة 2014، كشف أنَّ المغاربة، بمختلف الشرائح العمرية، لا يُخصّصون من زمنهم الحرّ، الذي يبلغ في المتوسط 6 ساعات و40 دقيقة، سوى دقيقتيْن للقراءة. ثمّة أسبابٌ كثيرة يُبرَّر بها عزوف المغاربة عن القراءة، مثل عدم تربية الناشئة عليها، وعدم تحفيز المدرسة للتلاميذ والطلاب على تخصيص حيّز من وقتهم لمطالعة الكتب خارج المقرر الدراسي، وغيرها من الأسباب. لكنَّ الروائي المغربي رشيد الجلولي يرى أنَّ السبب الرئيسي لعزوف المغاربة عن القراءة حضاري، موضحا: "الموقف من الكتاب ليس موقفا بسيطا يمكن اختزالة في الفرد، أو في مؤسسة معيّنة، بلْ هو موقفُ حضارة برُمّتها". وأشار المتحدث، في تصريح لهسبريس، إلى أنَّ مستوى القراءة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانَ، في مرحلة من التاريخ المعاصر، عاليا، حينَ كانتْ حضارة المنطقة في أوْجها، وكانَ موقف هذه الحضارة من الكتاب إيجابيا، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على علاقة الأفراد بالكتاب. الجلولي يربط انحسارَ اهتمام الناس بالكتاب في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ب"أفول نجم الحضارة العربية؛ حيث أصبح موقف هذه الحضارة من الكتاب سلبيا؛ إذْ يُنظر إليه أنه مجرّد ترف أو شيء منفصل عن واقع الحياة العَمَلية". وإذا كانَ العزوف عن القراءة سائدا في المجتمع المغربي، فإنّ هذه الوضعية تبدو عامة في بلدان شمال إفريقيا والشرق والأوسط؛ إذ إنَّ المدة الزمنية التي يخصصها الشباب للقراءة في هذه الدول تبْدو جدَّ متقاربة، بحسب تقرير التنمية الإنسانية لصندوق الأممالمتحدة للتنمية. وإذا كانَ الشباب المغربي لا يخصص للقراءة سوى 13 دقيقة في اليوم، فإنّ الشباب اللبناني لا يخصص لها سوى 15 دقيقة، والمصري 18 دقيقة. ويرى الجلولي أنَّ هذه النظرة السلبية إلى القراءة نابعة من كون الشباب ينظرون إلى القراءة ك"ظاهرة منفصلة عن الواقع ولا تؤدّي إلى منافع حياتية". وتبْرُز حقيقة العزوف عن القراءة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يضيف الجلولي، حينَ مقارنتها بأوروبا، موضحا: "في أوروبا إذا طرحْتَ سؤال: هل فعْل القراءة شيء أساسي ومصيري؟ يكون الجواب نعم"، مستدلّا على ذلك بالإقبال الكبير على الكُتب هُناك بعد الأحداث الإرهابية التي هزّتْ دولا أوربية، وخاصّة فرنسا، للاستنارة بها في التعاطي مع الوضع الجديد. حينَ ضربَ الإرهاب فرنسا، تراجعتْ كلّ الخطابات، ولاذ السياسيون والمثقفون وعامّة الناس بالكتاب ومَا حمله من قيَّم عُظمى أسس لها رواد الفكر المتنوّر في الغرب، أمّا نحن فقيَّمُنا لا نستمدّها من كتابٍ معين؛ لأنّ الكتاب لم تُحدّدْ مكانتُه كظاهرة مرتبطة بأمّة بأكملها"، يقول الجلولي.