تعمدت في إحدى حواراتي مع سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أن أثير موضوع المرجعية الإسلامية للحزب ومدى مساهمتها في تحقيق المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتقصدت كذلك أن أطرح السؤال بصيغ مختلفة بحثا عن رؤية واحد من قيادات الصف الأول للبيجيدي. وقد سار النقاش نحو طرح سؤال كبير: إذا كانت حقا المرجعية الإسلامية لحزب ابن كيران اجتذبت كتلة من الناخبين، لماذا لم يحصل السلفيون الذين تقدموا في الانتخابات على نتائج جيدة؟ أو لم يترشح بوخبزة في تطوان لمنافسة مرشح المصباح وبعدها مني بهزيمة قاسية وبفارق أصوات كبير جدا؟ اعتقدت الدولة في سياق البحث عن طي ملف السلفيين أن مشاركتهم في الانتخابات كافية لإدماجهم في الحياة السياسية، بل منحتنا الإحساس أنهم يتوفرون على قوة لا يستهان بها في الشارع قبل أن يتبدد هذا "الوهم"- وهنا أستعير الكلمة من العثماني- في الانتخابات التشريعية الماضية بيد أن الملفت في كل الحكاية أن أبا حفص وهو واحد من أبرز الوجوه السلفية قال إن بعض زملائه بالسجن قاموا بمراجعات كتكتيك للخروج من السجن. لم ينتبه أحد إلى التصريح رغم ما ينطوي عليه من خطورة. لنعيد قراءة ما قاله أبو حفص في سياقه"بعض السلفيين اتخذوا من المراجعات مطيّة لمعانقة الحرية، وليس اقتناعا، بعض الناس الذين يدّعون أنهم قاموا بمراجعات، وأنا أعرفهم، لم يقرؤوا كتابا واحدا في فترة الاعتقال ، فكيف حدثت هذه المراجعات؟"، وتابع: "كل ما في الأمر هو أنه كايبان لبنادم الحبس شوية صعيب، كيقول هاد الطريق ما خدامش أرا نديرو الطريق ديال الدولة". يحتمل التصريح قراءتين على الأقل: الأولى أن هؤلاء السلفيين الذين غادروا السجن ما يزالون يؤمنون بنفس الأفكار ويكفرون الدولة ولا يعترفون بإمارة المؤمنين، ويسعون إلى تأسيس دولة إسلامية جديدة بمعنى آخر، فإن السلفيين الذين وفروا البنية الفكرية لإرهابيي 16 ماي لم يغيروا أي شيء من قناعاتهم تجاه أنفسهم أولا ثم اتجاه الآخرين، وبالتالي فإنهم قادرون على التعبئة، وإن هامش في ضيق على اعتبار انحسار أفكارهم، وعلى توفير نفس التربة التي استنبتت أحداث الدارالبيضاء الإرهابية. أما القراءة الثانية التي قد ينهض عليها التصريح، فهي أن هؤلاء السلفيين نجحوا، بحس براغماتي، في إيهام الدولة بأن المراجعات ثابتة، وإذا كنا لا نعرف كيفية التثبت من هاته المراجعات، فإن الحقيقة التي لا غبار أن جزء من هؤلاء الذين تحدث عنهم أبو حفص يتواجدون خارج السجن ولديهم الحرية "الكاملة" في الاستقطاب ماداموا قد نجحوا في عملية الإيهام أو نهج تكتيك للحصول على العفو. قد تحمل القراءتان بعض التعسف، وقد يكون أبو حفص متجنيا في تصريحه، لكن مع ذلك، فإن علاقة الدولة بالسلفيين تمنحنا شرعية التساؤل: لماذا لا تستثمر الدولة هذا التهافت من قيادات العدالة والتنمية للتصالح معها؟ أليس تيارا معتدلا متفقا، تمام الاتفاق، مع قواعد اللعبة، ويؤمن بالربح والخسارة في السياسة ويحذوه الطموح في الوصول إلى السلطة؟ ثم ألم يقدم الحزب تنازلات كثيرة، وقد يمنح تنازلات أخرى في سعيه للتداول على السلطة؟ أم أن "العقل الأمني" للدولة كما شرح ذلك حسن أوريد طويلا في كتابه"الإسلام السياسي في الميزان" يتخوف من "زحفهم" في الشارع وداخل المؤسسات أيضا. في لحظة معينة، كان مفهوما أن تشجع الدولة التيار السلفي في مواجهة العدل والإحسان، وقد نجحت في إحداث شرخ كبير بينهما ساد لمدة طويلة، لكنه ليس مفهوما اليوم أن تراهن على تيار فقد جاذبيته في الشارع، ولم يعد خطابه يغري أحدا أمام تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلك اليوم "شرعة" تأطير الجماهير. نريد أن نقول كما قال الناصري صاحب الاستقصا حين كان يتحدث عن هزيمة "تيطاوين"- مع قليل من التحوير: إن أسلحة السلفيين والحطب سواء..