قال حسن اوريد الناطق السابق باسم القصر الملكي إن الدولة كعقد اجتماعي لا توجد في المغرب والموجود هو النظام لأن المغرب مؤسسات لا دولة، فهناك مشكلة بين الأعضاء ووظائف الأعضاء. وقال حسن أوريد، المتخصص في العلوم السياسية في محاضرة بمركز «مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني»، تناولت كتابه الأخير "الإسلام السياسي في الميزان حالة المغرب»، بعد ترجمته إلى العربية، "ليست كل حركة تنطلق من الإسلام منافية للحداثة، بل يمكن أن تكون محاولة لبناء حداثة نصوغها نحن"، و»أن الكثير من المثقفين قدموا الحداثة كلباس بمقياس واحد، بينما هي شيء يفهمه ويفصله المفكرون على مقاسات المجتمعات». واوضح أوريد ان الفرنسي فرانسوا بيرغا في كتابه الاخير المُعنون ب»فهم الإسلام السياسي» قال "إن الحركات الإسلامية هي الطابق الثالث للصاروخ، الأول هو الحركات الوطنية التي حققت الاستقلال السياسي، ثم الحركات التي حاولت تحقيق الاستقلال الاقتصادي، والحركات الإسلامية تريد تحقيق استقلال أعمق هو الاستقلال الثقافي". ووصف أوريد المجتمع المغربي والمجتمعات العربية الإسلامية، بأنها مجتمعات بدون فكر وبنيات تنتج فكراً أصيلاً وبناء، فلا يمكن تصور مجتمع بدون معتقدات، «لكن الفكر شيء آخر. ولا يمكن لمجتمع ما أن يفكر عوض مجتمع آخر» وأن مقاربته للحركة الإسلامية وضعت الإسلام بعيدا، فهي تصور للإسلام، حيث درسها كما تتفاعل في الواقع، وتناول الحركات الإسلامية كجزء من ثقافته رغم أنه لم ينتم يوما لأي حركة إسلامية "علينا فتح الجسور فيما بيننا، والتشرذم الثقافي الذي نعيشه، هذا هو الحل للقضاء عليه". واكد أوريد إنَّ الحركة الإسلامية ليست منافية للحداثة؛ بل لربّما قد تكون وسيلة من أجل استعادتها واستيعابها، وإنْ اختلفت المقاربات بين من يريد تحديث الإسلام وبين من يريد أسلمة الحداثة وأنَّ الحداثة ليست غائبة عن الحركة الإسلامية، «الذي يختلف هو طريقة استيعابها أو تبْيئتها». وشبّهَ أوريد واقعَ المجتمعات العربية والإسلامية اليوم بما وقع لحضارات واجهت تأثير الغرب خلال القرن التاسع عشر، وحاولت تجاوزه؛ وهو مما أفضى إلى كثير من الاهتزازات، كما هو حال الحالة الألمانية والروسية ودافَع عن صياغة حداثة موائمة للمجتمعات العربية والإسلامية، وعن الدّور الذي يُمكن أن تلعبه الحركات الإسلامية في تحقيق هذا المبتغى، لانّ هذه الحركات «من الأدوات الأساسية لتحقيق حداثة نصوغها نحن وليس حداثة مستوردة». وأكّد الباحث المغربي على ضرورة ربط الجسور مع الآخر وعدم الانغلاق على الذات، «فمهما كانت المشارب والمنطلقات، سنكسب جميعاً من خلال الإنصات للآخر» وأنّ «واقع التمزق الفكري لا يقل خطورة عن التمزق عن السياسي، و»الحروب الأهلية الفكرية» ليست أقل ضرراً عن الحروب الأهلية». و اعتبر في رصْده لصيرورة التحوّل الذي تشهده المجتمعات العربية والإسلامية في علاقتها بالحداثة، أنَّ هذه المجتمعات «لربّما تعيش مرحلة ثالثة، بعد مرحلة الليبرالية المستوردة، والتي أرسى دعاتها لمبدأ أنّ الدين لله والوطن للجميع، ثم المرحلة الثانية التي أعقبتْ هزيمة 1967 والتي رُفع فيها شعار «الإسلام هو الحل» ثم جاءَت مرحلة الحَراك الذي شهدتْه المنطقة، الذي برزتْ إثره أحزاب ذات مرجعية إسلامية، خاصة في مصر وتونس والمغرب، ووازى بُروزَها تغيُّر في خطاب «الإسلاميين». وأشار اوريد إلى تأكيد كثير من ممارسي السياسة من حزب العدالة والتنمية أنّ الحزبَ له مرجعية إسلامية وليس حزبا إسلاميا، أنّ هذا الموقف ينطوي على توجهات حداثية وإن هذا الحزب أكثر حداثة من العديد من الأحزاب الليبرالية واليسارية، وأكثر ديمقراطية منها على مستوى الديمقراطية الداخلية، والشفافية المالية. وأضاف إن عبد الاله بن كيران زعيم الحزب سبق أن صرح بأن حزبه ليس حزباً إسلامياً، كما أنه قام بمجهود للفصل بين الدعوي والسياسي، وتضم قيادته عناصر متنورة مثل سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق للحزب وإن إخوان بن كيران انتموا فكرياً إلى «الاخوان المسلمين» ونهلوا من أفكار حسن البنّا وسيد قطب «الفاشية»، لكنهم لم ينتموا، تنظيميا، إلى جماعة الإخوان المسلمين وأن بنكيران اعترف بأن كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، غير حياته كما المؤتمر الأخير لحزب النهضة التونسي، ودعوته إلى التمييز بين الدعوي وابين لسياسي وتأكيده أنه حزب ديمقراطي. وهذه التحولات في الخطاب لدى الإسلاميين تؤشر الى «اننا على مشارف مرحلة جديدة». وقال أوريد أنّ الحداثة لا يُمكن التعامُل معها مثل قطعة ثوبٍ بقياس واحد يجب على الجميع أن يرتديها، بغضّ النظر عمّا إنْ كانتْ مناسبة له أم لا، «كلّ مجتمع له خصوصياته، ولديه تاريخ معيّن، وفهْم مُغاير للإنسان، لذلك يجب على المفكّرين أنْ يكونوا مثل خيّاطين، وأنْ «يفصّلوا» الحداثة على المقاس المناسب لمجتمعاتهم». وناقش الكتاب مجموعة من الفاعلين السياسيين والثقافيين وقال عبد السلام الطويل «إن منطلق حسن أوريد في هذا الكتاب هو أن توظيف الدين في السياسة يفضي لمأزق أياً كان من يقوم به وأن للكتاب نفساً تاريخياً يرى أن حتمية التاريخ تسير نحو التحديث والعلمنة. ولا تستثنى من هذا الحركات الإسلامية، وفي هذا السياق تأتي كتابات (راشد) الغنوشي العميقة في مجال العلمنة، وكتابات (محمد) يتيم والريسوني والعثماني. وتحدث المتخصص في الحركات الإسلامية، عن وثيقة المدينة التي "ميزت بين الأمة العقدية والأمة السياسية، وجعلت الرسول زعيماً دينياً على قومه فقط وزعيماً سياسياً على المدينة وكل ما ينتمي إليها"، ليستنتج الطويل، أنها جعلت الدين رأسمالاً جماعياً، وعنصر لحمة لا انقسام. وأبعدته عن مختلف الاستغلالات، مضيفاً أن شكل الاجتماع السياسي والنظرية السياسية راجعة للناس وزمنهم، فالإسلام لم يبلور نظرية في الدولة لا في القرآن أو السنة. وذكر الطويل بمفهوم الحداثة كتكريس للعقل والمصلحة والاجتهاد، وإعطائها الأولوية، والتنبيه لأن جميع الحركات التغييرية، جاءت نتيجة لصدمة الحداثة مما أدى لتجمعها في شكل للاجتماع السياسي متأثرة بصدمة الدولة الوطنية. واستشهد مصطفى المعتصم رئيس حزب «البديل الحضاري» المنحل بقول لرجل الدين اللبناني محمد حسين فضل الله، يرى فيه أنه "إذا تعارض الدين والحقيقة العلمية تُقدم الحقيقة العلمية ونعيد فهمنا للدين"، وقدمه على أنه معاكس للتصور الذي بلوره سيد قطب، وقدم فيه الدين على العلم القلق والمتغير. وقال الشيخ السلفي عبد الوهاب رفيقي، إنه لا يمكن الحديث عن سلفيين يفصلون بين السياسي والدعوي، فهذا متناف مع السلفية في مفهومها الحديث لأن "شعار السلفية الوطنية، ليس مسألة تسمية بل قضية اختيارات، فتساؤلات الحركة السلفية الوطنية كانت نهضوية. ومنطقاتها وأفكارها غير أفكار سلفية اليوم تماماً، فبلعربي العلوي أنكر أحاديث في البخاري، وكانت تساؤلات أبي شعيب الدكالي وعلال الفاسي نهضوية" فهو لم يختر البيئة التي نشأ فيها وقناعاته الأولى قبل المراجعات مصدرها التنشئة وليس اختيارات مبنية، فمحاسبته يجب أن تكون على اختياراته هو. وكشف رفيقي، المعروف بأبو حفص، النقاب عن المخاض الذي أفرز إعلانه مراجعات للأفكار التي كان يتبنّاها قبل دخوله السجن، عقب التفجيرات الانتحارية التي هزّت مدينة الدارالبيضاء سنة 2003، وقال إنّ النقطة المفصلية في حياته، والتي جعلته يعيد مراجعة أفكاره، تتعلّق بمسألة فصل الدّين عن السياسة ونّ الخلوة التي دخلها ودامت عشر سنوات، منها سبعُ سنوات قضّاها في السجن، جعلته يتحوّل من «شاب يقرأ الأدبيات والتاريخ الإسلامي بكل براءة، ويعتقد أن الأحداث على حقيقتها، ليكتشف في لحظة معينة أن كل تلك الأحداث وأن كثيراً من تلك المواقف تمّ توظيفها توظيفاً سياسياً، ولُبّست لبوس الدين لإعطائها الشرعية». وقال ان «مسألة فصل الدين عن السياسة كانت نقطة مفصلية، وواحدة من الصدمات الكبيرة في حياتي، إذ خلخلت عندي كثيراً من المفاهيم، وكانت السبب في كثير من التحولات التي انخرطت فيها، اذ ليس من السهل لشخص نشأ في بيئة سلفية أن يكون على غير ما كنت». وقال أبو حفص «حين أبلغ 16 سنة من العمر، ويُطلب مني أن آخذ الطائرة من الدارالبيضاء لوحدي إلى جدّة، ومنها إلى إسلام أباد، ثم إلى بيشاور، ومنها إلى داخل أفغانستان...فهذا ليس اختياراً، بل ساهمت فيه الأسرة والبيئة والدولة التي كانت تساعد وتشجع على ذهاب الناس إلى الجهاد، والولايات المتحدةالأمريكية التي تدفعهم إلى هناك». ونفى رفيقي أن تكون المراجعات التي قام بها «تكتيكاً»، وقال «لما أكون، مثلاً، مؤمناً بالعنف، وفي لحظة أقول أنا مع الدولة، دون أنّ تتغيّر أفكاري وقناعاتي، فهذا تكتيك، ولكن لما تتغير البنية الفكرية وأخرج من نظرية احتكار الحق والحقيقة وأتخلص من طرح «نحن الطائفة المنصورة والطائفة الناجية»، والانتقال إلى منطق النسبية وأكون مؤمنا بحرية الاعتقاد والتعايش، وأنتقد كثيرا مما في التراث، ولا أؤمن بدولة الخلافة بل بالدولة المدنية، فهذا لم يعد تكتيكاً، بل تغيراً جذرياً في القناعات الفكرية». واكد ان هذا ليس حال جميع السلفيين المغاربة الذي أعلنوا مراجعات وغادروا بفضلها السجن بعد حصولهم على العفو، إذ «بعض السلفيين اتخذوا من المراجعات مطيّة لمعانقة الحرية، وليس اقتناعاً وبعض الناس الذين يدّعون أنهم قاموا بمراجعات، وأنا أعرفهم، لم يقرأوا كتاباً واحداً في فترة الاعتقال، فكيف حدثت هذه المراجعات؟»، و»كل ما في الأمر هو أنه كايبان لبنادم الحبس شوية صعيب، كيقول هاد الطريق ما خدامش أرا نديرو الطريق ديال الدولة». وندد عبد السلام بلاجي، أحد مؤسسي حركة «التوحيد والإصلاح» الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بالتغرير المنهجي الذي يعرفه تناول موضوع الحركات الإسلامية بالحديث دائماً عن مشاكله أو أزمته، ودعا تقييم تجربة الحركات الإسلامية بالنظر لما أنتجته وما قامت به في الميدان بعيداً عن التسطيح. وأوضح بلاجي أن رابطة علماء المغرب كانت أول حركة إسلامية مغربية، وقدمت كتاباتها كأرضية لتصور إسلامي لما يجب أن تكون عليه الدولة، وان «المسلمين يقبلون التحديث لكن يرفضون التغريب».