تبين المدة الزمنية الممتدة بين تاريخ الإعلان عن نتائج انتخابات السابع من أكتوبر إلى حدود اليوم، الذي لازال فيه عبد الإله بنكيران غير قادر على تشكيل حكومته، مجموعة خروقات دستورية خطيرة لوثيقة 2011 بطريقة متعمدة من طرف الأحزاب السياسية المتفاوضة والبرلمان بمجلسيه وحكومة تصريف الأمور الجارية، وتتجلى هذه الخروقات الدستورية الخطيرة في حالتين على الأقل: الحالة الأولى، إدخالهما معا، البرلمان بمجلسيه وحكومة تصريف الأعمال، المؤسسة التشريعية والحكومية في حالة عطالة غير مبررة، فإدارة مجلس النواب والتشكيلة الجديدة لمجلس النواب خرقت مقتضيات الفصل 62 من الدستور الذي ينص على انتخاب رئاسة مجلس النواب وأعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها في مستهل الفترة النيابية. واليوم، بعد مرور ما يقارب الشهرين على افتتاح البرلمان، خرق مجلس النواب هذا المقتضى الدستوري وخرق معه مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب في تحديده لما المقصود من مصطلح "مستهل الفترة النيابية"، ويسود نوع من الغموض هنا حول مسألة تطبيق الكاتب العام لمجلس النواب المسطرة بينه وبين العضو الأقدم أو الأكبر سنا، وفي حالة تطبيقها من طرف الكاتب العام لمجلس النواب، لماذا لم يباشر النائب البرلماني الأقدم أو الأكبر سنا مسطرة الشروع في انتخاب رئيس مجلس النواب؟ وماهي علاقة هذا التوقف بتشكيل الحكومة، والواضح أن هناك أحزابا تتفاوض على تشكيل الحكومة قد تكون وراء عرقلة مسطرة انتخاب الرئيس لتخرق بذلك مقتضيات دستور 2011 وتُحول البرلمان الى قطاع "وزاري" ملحق بالحكومة. الحالة الثانية تتمثل في عطالة حكومة تصريف الأمور الجارية في علاقتها بالبرلمان، وخاصة مجلس المستشارين؛ إذ ليس هناك ما يمنع دستوريا حضور حكومة تصريف الأمور الجارية أمام البرلمان، فحكومة تصريف الأمور الجارية خرقت الدستور وعملت على القيام بتأويل خاطئ في مجال لا يحق لها فيه التأويل، فهي لم تطبق قرار المجلس الدستوري رقم 955 الصادر بتاريخ 4 مارس 2015 بخصوص مراقبته لدرجة دستورية القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وسير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، والذي يشير في عبارة دالة على حكومة تصريف الأمور الجارية إلى مايلي: "(…) إلا أنه يتعين في أعمالها مراعاة ما قد تستلزمه حالة الضرورة من اتخاذ تدابير تشريعية أو تنظيمية لمواجهتها". وهو الوضع الذي كان يجب الانتباه إليه في العلاقة بين البرلمان والحكومة بدل إدخال المؤسسات في حالة عطالة؛ فمجلس النواب كان من المفترض أن يكون قد انتخب رئيسه وبدأ في الاشتغال بمراقبة حكومة تصريف الأمور الجارية وفق المساطر العادية في الدستور والنظام الداخلي، وكذلك الشأن بالنسبة لمجلس المستشارين. وبذلك، فنحن أمام حالة خرق خطير لمقتضيات دستور 2011 تتحمل مسؤوليتها الأحزاب السياسية المتفاوضة حول تشكيل الحكومة بتنسيق مع مكوناتها في البرلمان بمجلسيه، والخطير هو ضعف المعارضة مجددا التي يمثلها حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يستطع الانتباه الى هذا الخرق. فهذا الحزب يملك 102 من النواب وأغلبية كبيرة داخل مجلس المستشارين ورئاسة مجلس المستشارين، فلماذا لم يبادر رئيس مجلس المستشارين إلى مراسلة رئيس حكومة تصريف الأمور الجارية للحضور للجلسات الشهرية؟ ولماذا لم يبرمج أسئلة أسبوعية لوزراء تصريف الأعمال؟ وماذا منع نواب ونائبات الأصالة والمعاصرة من مراسلة الكاتب العام لمجلس النواب والعضو الأقدم أو الأكبر سنا لتحريك مسطرة انتخاب رئيس مجلس النواب؟ الأصالة والمعاصرة لم يوظف هذه الفرصة المتاحة أمامه للتأثير في تشكيل الحكومة والتحالفات الموجودة في طور الإعداد، فما الذي منعه من ممارسة حق قانوني له داخل مجلس النواب وإمكانية سياسية للتأثير في شكل الحكومة المقبلة مادامت الأحزاب المتفاوضة قد أدخلت رئاسة مجلس النواب ضمن الحقائب الوزارية؟ واليوم، أمام حالة استعصاء تشكيل حكومة بنكيران، هل سيظل البرلمان في حالة عطالة؟ وهل سيظل الفهم الحزبي الدستوري الخاطئ والمقصود لتوقيت انتخاب رئيس مجلس النواب سائدا؟ وهل سيظل الفهم الدستوري الخاطئ لعلاقة البرلمان بحكومة تصريف الأمور سائدا؟ فماذا لو استمرت المفاوضات الحكومية شهرين أخريين؟ وهل يمكن للبرلمان، وهو في حالة عطالة، أن يتلقى تعويضاته المالية رغم أن الأمر يتعلق بانتداب وليس وظيفة ورغم أن القاعدة العامة في الوظيفة هي الأجر مقابل العمل؟ وهل ستطبق هذه القاعدة على البرلمانيين نتيجة خطأ ارتكب من طرف أحزابهم وهي تربط عمل البرلمان بتشكيل الحكومة؟ بنكيران والمتفاوضون معه مسؤولون عن هذه العطالة البرلمانية، ولا يعقل أن يتم توقيف مؤسسة برلمانية في انتظار توافق بنكيران ومفاوضيه. والخطير هو أن نكون بعد خمس سنوات على وثيقة 2011 بصدد تغيير قواعدها من طرف الأحزاب السياسية التي لم تكن هي الفاعل الوحيد في وضعها، والخطر الأكبر هو أن تتمكن الأحزاب السياسية من التأسيس ل"عرف فاسد" يوقف عمل المؤسستين التشريعية والحكومية، ويجر أنظار المغاربة لمدة خمسة أو ستة أشهر لمتابعة صراعات حول مقاعد وزارية، فعمل المؤسسة التشريعية والحكومية لا يتوقف على توافق بنكيران ومفاوضيه. *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات