أن تستنشق هواء نقيا وتشحن رئتيك بجزيئات أوكسجين خال من تلوث حوَّل زُرْقَة السماء إلى كتلة رمادية قاتمة، أمرٌ صار صعب المنال بالعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء؛ وهو ما يجعل سؤال حق سكان أكبر وأهم مدينة بالمملكة في العيش داخل بيئة سليمة مطروحا بقوة في يوم احتفى فيه العالم بحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي خرج فيه بيضاويون مساء يوم السبت عاشر دجنبر، الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان، للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، ارتفعت أصوات من داخل المدينة التي تسابق الزمن لتضمن مكانها ضمن مدن العالم الذكية، للمطالبة بحقها في الحصول على بيئة نظيفة. نريد حقنا ينتقد المهدي لمينة، رئيس جمعية التحدي للبيئة، أسلوب تعاطي مجلس مدينة الدارالبيضاء مع حق سكانها الذين يتجاوز تعدادهم 5 ملايين نسمة في بيئة نظيفة واستنشاق هواء نقي صحي، معتبرا أن البيضاوي صار ضحية سياسات تحقنه جرعات من التلوث كل يوم، خاصة في ظل الارتفاع المهول لعدد الشركات المُلوِّثة بالمدين. وأوضح رئيس جمعية التحدي للبيئة، في تصريح لجريدة هسبريس، أنه "بالرغم من كون المغرب احتضن قمة كوب 22، فإن الجهات المعنية بالعاصمة الاقتصادية لم تعمل على تشجيع البيضاوي على الانخراط في مجموعة سلوكات من شأنها التخفيف من حدة التلوث"، وضرب على ذلك مثالا استعمال وسائل النقل الجماعي (الترامواي) عوض السيارات الخاصة. وأكد المتحدث نفسه أن مدينة من حجم الدارالبيضاء تعرف غيابا واضحا للمساحات الخضراء؛ ذلك أن "المجالس المنتخبة المتعاقبة لم تقدم على خلق مساحات وبدائل خضراء جديدة، إذ تعمد فقط على تأهيل الموجودة"، وفق تعبيره. وحمّل الناشط في المجال البيئي المجالس المنتخبة بتشجيع الزحف العمراني والقضاء على بعض المساحات الخضراء الموجودة في أحياء تتوفر على فيلات بها حدائق، إذ "عملت على تحويل هذه الفيلات إلى عمارات مثلما هو الحال بالنسبة إلى حي بوركون والمعاريف"، حسب متحدثنا. ولم يستثن المهدي لمينة الأحزاب السياسية النشيطة بالمدينة من انتقاده، لكونها لا تولي أي اهتمام للجانب البيئي ولا تتوفر على سياسة بيئية. حضور بالتصنيفات الدولية للتلوث! لا يكاد يصدر تصنيف عالمي متعلق بمدى نظافة المدن العالمية وتمتع ساكنتها ببيئة نظيفة يصدر، إلا أظهر احتلال العاصمة الاقتصادية للمملكة مراتب متقدمة من حيث التلوث. آخر هذه التصنيفات ما أورده الموقع الأمريكي "نامبيو"، الذي وضع مدينة الدارالبيضاء في المرتبة الخامسة من حيث التلوث عالميا، من بين 211 مدينة عالمية، بمؤشر تلوث بلغ 94.8 في المائة. وقبل هذا التصنيف الأمريكي، كانت منظمة الصحة العالمية اعتبرت مدينة الدارالبيضاء من أكثر المدن المغربية تلوثا متبوعة بمدينة مراكش، ثم آسفي وطنجة ومكناس. وأورد تقرير المنظمة العالمية أن سبب هذا التلوث بالمدينة يرجع إلى تركز الأنشطة الاقتصادية الكبرى بها، مشيرا إلى أن نسبة التلوث بالدارالبيضاء تقدر ب61 ميكروغراما للمتر المكعب من الجسيمات. تحرك لإنقاذ الوضع بالرغم من تأكيده على كون الحق في بيئة نظيفة بالعاصمة الاقتصادية يجب أن يكون حاضرا بقوة ضمن اهتمامات مجلس المدينة، فإن حسين نصر الله، عضو مجلس الدارالبيضاء، اعتبر أن هناك مجهودا يبذل في هذا المجال. عضو مجلس المدينة، الذي يشغل رئيسا للجنة التعمير وإعداد التراب، أكد أن المجلس يعمل حاليا على إعادة تهيئة الحدائق الموجودة من أجل بعث الروح فيها، في انتظار إنشاء مساحات خضراء تستجيب للمعايير الدولية وتمنح البيضاويين حقهم في استنشاق هواء نقي. وأوضح المتحدث نفسه، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المجلس، الذي يرأسه عبد العزيز العماري وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني في حكومة بنكيران المنتهية الولاية، يعمل على تفعيل برنامج شجرة لكل أسرة؛ وهو البرنامج الذي صادق عليه المجلس الجماعي في دورة سابقة، متمنيا أن يتمكن من تنزيله بشكل فعلي. ويعمل مجلس المدينة حالياً على القضاء على مطرح مديونة للنفايات، الذي يشكل وصمة في جبين مسؤولي العاصمة الاقتصادية، خاصة أنه يعد ضمن النقط البيئية السوداء. وسبق لمجلس جهة الدارالبيضاء- سطات، في خطوة تهدف إلى حماية الساكنة من المخاطر الصحية لتلوث الهواء بالمدينة، أن صادق على اتفاقية لإحداث جهاز المراقبة الإيكو وبائية، موقعة مع كل من وزارة الصحة، ووزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، والمديرية العامة للجماعات المحلية، وولاية جهة الدارالبيضاء، ومديرية الأرصاد، ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة.