ناقش مفكرون وحقوقيون العلاقة بين المواطن المغربي والمؤسسات، مؤكدين أن الوقت حان لإعادة النظر في هذه العلاقة وبنائها على أسس تضمن كرامة المواطنين. وفي هذا الإطار قال حسن أوريد، المؤرخ السابق للمملكة، إن "الغضب المجتمعي الذي يعرفه المغرب اليوم مشروع"، وزاد: "آن الأوان من أجل التفكير .. ورش حقوق الإنسان الذي بدأته المملكة غير مكتمل، وإتمامه مرتبط بتوفر اليقظة". أوريد، الذي تحدث في ندوة نظمتها كل من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، حول موضوع: "المؤسسة والمواطن: أي تفاعل ممكن؟"، قال إن "الغائب الأكبر في العالم العربي هو الدولة"، مضيفا أن "هناك أنظمة قوية، لكن دون الدولة التي تقوم على مفهوم العقد الاجتماعي". وشدد أوريد، في هذا الإطار، على أن الدولة لا يجب أن تختزل في أدوات فقط، كما يجب أن تتجاوز الأفراد والحديث عن مفهوم "العضو الوظيفة"، مضيفا: "هناك اختلال بين الوظيفة والعضو، وهو ما أدى إلى غياب مفهوم الدولة". واعتبر أوريد أن المملكة المغربية تعد "حالة خاصة في محيطها الإقليمي"، قائلا: "وضع المغرب أحسن بكثير.. هو أفضل من جل دول المحيط". ورغم تقدم المغرب، إلا أن ذلك يظل غير كاف حسب المتحدث نفسه، الذي زاد معلقا: "ما تم إنجازه هش في محيط متقلب..التقدم لا يختزل في إنجازات مادية فقط، بل يجب أن يكون مرفوقا بقيم، وأهمها الكرامة"، مبرزا أن "من غير المعقول إقامة المهرجانات دون توفر وسائل لدراسة وجس نبض المجتمع". وشدد أوريد على ضرورة "بناء العلاقات على التكامل والثقة لا الخداع"، مردفا: "القانون يمكن أن يكون أساسا للظلم، وبالتالي لا بد من الذكاء الاجتماعي والاجتهاد وعدم تطبيق القوانين بطريقة آلية". وأكد أوريد أن "المجتمعات لا تتطور من تلقاء نفسها وكذلك الدولة، بل لا بد من ضغط من طرف المثقف والمجتمع المدني لإبراز مكامن الخلل". ويواصل المؤرخ السابق للمملكة قائلا: "لا يكفي أن نشجب ونندد دون أن نضع الميكانزمات"، وزاد: "جوهر المشكل هو أنه لا بد من وضع تصور مجتمعي، وأن نجيب عن سؤال "ماذا نريد؟".. كما لا بد من تحديد مفهوم الدولة وبلورة تصور عنها". من جانبه قال أحمد مفيد، عضو المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إن "التفاعل الممكن بين المؤسسات والمواطنين يجب أن يكون وفق سيادة القانون، الذي يجب أن يطبق على الجميع، ويجب احترامه واتباع المساطر المنصوص عليها تفاديا لخلق الإشكالات الممكنة". مفيد، وخلال كلمة له في الندوة المنظمة تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، قال إنه "كلما كثرت إشكالات الفساد كلما كانت هناك انتهاكات للحقوق والحريات؛ وبالتالي خلق الأزمات". ونادى المتحدث ذاته بضرورة ربط علاقة شراكة بين المواطنين والدولة انطلاقا من منطلق الاختيار الديمقراطي، الذي "يجب تحصينه واحترام حرية الأفراد في التظاهر والتعبير عن الرأي والتنظيم"، بحسبه. ونادى مفيد بضرورة ضمان مشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام انطلاقا مما نص عليه دستور 2011، ومأسسة الحوار لتجاوز كل الخلافات التي من الممكن أن تحدث، والتدخل الاستباقي لتجاوز الأزمات؛ كما أكد على وجوب احترام التعددية والحكامة واحترام أسس العيش الكريم، إضافة إلى ضمان الأمن القانوني والأمن القضائي والأمن الاجتماعي. ونبه المتحدث ذاته إلى أن غياب المعلومة قد يزكي مجموعة من الاحتجاجات والمظاهرات، مؤكدا أن ضمان الحق فيها يعد مدخلا أساسيا لضمان دولة الحق والقانون. من جانبه شدد محمد خطاب، الأستاذ المحامي بهيئة القنيطرة، على ضرورة "الرجوع إلى الواقع المؤلم الذي عاشه الوطن، وما نتج عنه من تراكمات للبحث عن الإجابة عن العلاقة المتردية بين المواطن والدولة"، على حد قوله. وقال خطاب في الندوة ذاتها إن "على الدولة أن تجيب على كل التساؤلات التاريخية، وهو ما لم يتم، إذ ليست هناك أي محاولات جادة للقيام بذلك"، مفيدا بأن "الدستور الأخير وما جاء به من قواعد متقدمة لا تجد بصمتها على ممارسة الدولة والقضاء"، معتبرا أن المغرب أنجز فقط الخطوة الأولى، وزاد: "مصداقية السلطات ستبقى رهينة بالخطوات التي يمكن أن تتم من أجل تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة". وفي هذا الإطار شدد حسن أسويق، عضو مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، على أن "الإحساس بالظلم يمكن أن يتحول إلى طاقة تنفجر في أي لحظة".