ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنازات النخب السياسية بالمغرب .. "رضى مخزني" وتعتيم رسمي
نشر في هسبريس يوم 11 - 12 - 2016

بالرغم من أن العادات المخزنية تمنع من الحضور الملكي في مراسيم للجنازات (1)، بما فيها جنازات قادة الدول الأجنبية، الشيء الذي كثيرا ما ولد عدة تشنجات دبلوماسية للمغرب (2)، فإن ذلك لا يمنع من الإشراف على جنازات أعضاء نخبه أو أصولها أو بعض فروعها، وذلك من خلال تلاوة رسائل وبرقيات التعزية الملكية، أو التمثيل المخزني في الجنازات:
1-تلاوة رسائل وبرقيات التعزية الملكية
عادة ما يحضر بعض مستشاري الملك لنقل تعازي الملك في وفاة أعضاء الطبقة السياسية أو ذويهم أو تلاوة برقية التعزية الملكية في حفل تأبين مواطنين في ظروف خاصة، سواء كانت عمليات إرهابية أو حوادث سير أو كوارث طبيعية
ففي حفل تأبين أحد أفراد النخبة السياسية، تسند عادة لأحد مستشاري الملك مهمة تلاوة برقية التعزية الملكية. فبعد وفاة الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية الراحل عبد الكريم الخطيب، وجه (جلالة الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى الأمين العام للحزب الأستاذ عبد الإله بنكيران، أعرب فيها جلالته عن "عميق الأسى وشديد التأثر بالنبأ المحزن لرحيل المشمول بعفو الله تعالى ورضاه المجاهد الكبير الدكتور عبد الخطيب، الذي لبى داعي ربه راضيا مرضيا في ليلة القدر المباركة".
وجاء في نص البرقية التي تلاها مستشار جلالة الملك السيد محمد المعتصم بعد مراسيم الدفن بمقبرة الشهداء بعد عصر يوم الأحد 27 رمضان 1429، "نعرب لك ومن خلالك إلى حزب العدالة والتنمية، قيادة وقواعد، عن تعازينا الحارة ومواساتنا الصادقة في فقدان هيأتكم السياسية الموقرة، رئيسها المؤسس، الذي أبلى البلاء الحسن سواء في تاريخ الحركة الوطنية، كأحد قادة المقاومة وجيش التحرير، أو في معركة الجهاد الأكبر، مناضلا سياسيا حكيما، متشبعا بقيم دينه السمح وهويته المغربية الأصيلة... بوفاته يكون المغرب وهيأتكم السياسية، قد فقدا نموذجا يحتذى في التشبث بإمارة المؤمنين، والتعلق بثوابت الأمة ومقدساتها والنهوض بأمانة وصدق ونكران ذات بالمسؤوليات الوازنة والمهام الجسيمة التي تقلدها..."، كما دعا له جلالته بالمغفرة والرضوان.
كما أنه على إثر وفاة والدة "رئيس الحكومة"، عبد الإله بنكيران التي حضرها بعض مستشاري الملك بمن فيهم المستشار أندريه أزولاي، بعث إليه الملك محمد السادس ببرقية تعزية خاطبه فيها قائلا: "نتضرع إلى الله جلت قدرته أن يمتعك برضاها جزاء على برك وإحسانك إليها، ويحفظك وذويك من كل مكروه"، معربا عن تأثره الذي حملته البرقية الملكية التي تضمنت العبارة التالية "تلقينا بتأثر بالغ وحزن عميق نعي المشمولة بعفو الله تعالى ورضاه، والدتك المبرورة الحاجة مفتاحة الشامي، التي اختارها الله إلى جواره في هذه الأيام المباركة من شهر ربيع الأول"، وأن "يتقبل الفقيدة العزيزة في عداد الصالحين من عباده الموعودين بالمغفرة والرضوان، وأن يمطر عليها شآبيب رحمته، ويجزيها خير الجزاء على ما قدمت بين يدي ربها من جليل الأعمال وخالص المبرات".
كما أنه خلال مراسيم تشييع جثمان المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، التي حضرها (صاحب السمو الملكي الأمير مولاي وأفراد أسرة الفقيد ومستشارو صاحب الجلالة السادة محمد معتصم وأندري أزولاي وعباس الجراري وعمر القباج، والسادة محمد رشدي الشرايبي عضو الديوان الملكي ومحمد الكتاني وفاضل بنيعيش مكلفان بمهمة بالديوان الملكي والحاجب الملكي ومؤرخ المملكة السيد حسن أوريد، وعدد من أعضاء الحكومة، وزعماء الأحزاب السياسية، وشخصيات مدنية وعسكرية وحشد كبير من ساكنة تاوريرت، تلا السيد محمد معتصم مستشار صاحب الجلالة برقية التعزية التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم مزيان بلفقيه التي جاء فيها ما يلي:
"بكل تأثر وتقدير، ما عهدناه في شخص الفقيد العزيز، كأحد مستشارينا الأوفياء، من خصال إنسانية نبيلة، شهامة وإباء، وتحملا للابتلاء، وتبصرا وأناة، واستقامة ورزانة، ومن المؤهلات الرفيعة لخدام العرش الأصفياء. إذ فقد المغرب برحيله أحد أبنائه البررة، ورجلا من رجالات الدولة الكبار، الذين قلما يجود الزمان بمثلهم، لما هو مشهود له به من كفاءة وتجرد وإخلاص في أدائه للواجب المهني، مكرسا حياته لقضايا الوطن بنظر حصيف، ومشورة صادقة، ووفاء مكين لمقدساته وثوابته. وسيظل الراحل الكبير خالدا في ذاكرة جلالتنا، في السجل الذهبي لتاريخ المغرب، بما أسداه لوطنه من أعمال مبرورة، وخدمات جليلة، في كل المسؤوليات السامية، التي أنيطت به، مستشارا نصوحا، لجلالتنا ولوالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، ووزيرا مخلصا في عدة حكومات وقطاعات، مؤديا بأمانة وحكمة وحنكة، وخبرة واسعة، وتفان ونكران ذات، وتواضع لله، ما أنيط به من مهام وطنية كبرى، فكان نموذجا لجيل جمع بين الغيرة الوطنية الصادقة والمواطنة الملتزمة".
2-الحضور المخزني في جنازات النخب السياسية
إن الحضور المخزني في مراسيم جنازات النخب السياسية، بالرغم من بعض مظاهره الإنسانية، يخضع مع ذلك لاعتبارات سياسية تقوم على مفهوم الرضا المخزني أو عدم الرضا المخزني:
- الرضا المخزني:
خلال الإعلان عن نبأ وفاة أحد أعضاء النخبة السياسية من سامي الشخصيات المدنية أو العسكرية، يتطلع الرأي العام، ووسائل الإعلام من صحف مكتوبة أو إلكترونية إلى نوعية الحضور المخزني المشارك في مراسيم الجنازات التي تقام لبعض كبار الشخصيات السياسية الوطنية، لكي يتم من خلال ذلك استخلاص المكانة الخاصة التي خلفتها الشخصية الراحلة لدى القصر، وما تتمتع به من درجة الرضا لدى المؤسسة الملكية. فحضور شقيق الملك مولاي رشيد أو أحد أقرباء الملك، أو مستشاري الملك، أو بعض أعضاء الحكومة... في هذه الجنازات، وتكفل القصر بمصاريف الجنازة خاصة فيما يتعلق بعشاء الفقيد، حيث يتم عادة إعداد وجبات الأكل من لدن شركة رحال التي تعتبر من أكبر ممونين حفلات مناسبات الأعراس والجنازات المخزنية في المملكة، والتغطية الإعلامية بنقل مراسيم الجنازة يعكس المرتبة التي يتمتع بها المتوفي داخل الهرمية المخزنية والرضا المخزني الذي يحظى به. وقد ظهر ذلك واضحا في المراسيم التي أحاطت بدفن رئيس الحكومة السابق مولاي عبد الله إبراهيم، أو جنازة المستشارين الملكيين الراحل عبد الهادي بوطالب وعبد العزيز مزيان بلفقيه، أو الدكتور عبد الكريم الخطيب بالموازاة مع مراسيم دفن وزير الداخلية الراحل إدريس البصري.
- الإشراف الرسمي على مراسيم جنازة رئيس الحكومة السابق مولاي عبد الله إبراهيم
اهتم الملك محمد السادس بمراسيم جنازة أول رئيس لحكومة جده الملك محمد الخامس، حيث كلف مستشاره الاقتصادي الخاص محمد منير الماجيدي بالتكفل بهذه المراسيم، منتشلا ذكرى شخصية سياسية كبيرة انقلب عليها والده الملك الراحل الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد، وحاول طيلة حكمه إحاطتها في دائرة النسيان خاصة بعدما رفض مولاي عبد الله ابراهيم الاندماج في مسلسل التناوب بدون ضمانات سياسية واضحة.
وبالتالي، فقد كان هذا الاهتمام المخزني بجنازة هذه الشخصية السياسية نوعا من رد الاعتبار من الملك محمد السادس لرئيس الحكومة السابق في عهد حكم جده الملك محمد الخامس، وإشارة سياسية مبكرة إلى إمكانية إحياء مؤسسة رئيس الحكومة في عهد الملك محمد السادس، الشيء الذي تجسد بعد ست سنوات في دستور فاتح يوليوز 2011، والذي وسع من صلاحيات رئيس الحكومة التي قلصها أول دستور للملك الراحل للحسن الثاني في سنة 1962 (3) وقد انعكس هذا الاهتمام المخزني بجنازة المرحوم، من خلال ترؤس شقيق الملك مولاي رشيد لمراسيم دفن هذا الزعيم، بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، ونوعية الشخصيات السياسية التي شاركت في الجنازة، والتغطية الإعلامية التي أحاطت بمراسيمها.
وقد عكست صحيفة "التجديد" أهمية هذه المراسيم من خلال ما يلي:
»ودع أحد رجالات الحركة الوطنية الأفذاذ الأستاذ المجاهد الكبير عبد الله إبراهيم في جو مهيب مفعم بشعور الحزن والأسى، ووسط حشود غفيرة من أبناء المغرب و أطياف المشهد السياسي ترأس الأمير مولاي رشيد مراسيم دفن جثمان الزعيم الكبير عبد الله إبراهيم، بمقبرة الشهداء أمس بالدار البيضاء. جنازة ضمت العديد من أبناء المغرب من سياسيين ومفكرين وفنانين وعموم أبناء مدينة الدار البيضاء المجاهدة ممن عرفوا الفقيد وخلف لديهم ذكرى طيبة. (4)
الإشراف على مراسيم جنازة المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب
يعتبر عبد الهادي بوطالب، المستشار الملكي السابق للملك الراحل الحسن الثاني، من الشخصيات السياسية التي كانت مقربة للقصر، منذ اختاره الملك الراحل محمد الخامس لتدريس ولي عهده آنذاك. كما كان بوطالب من بين شارك في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال كوزير للشغل والشؤون الاجتماعية، ليتقلد في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عدة مناصب وزارية منها وزارة الإعلام والشباب والرياضة، وزارة العدل، التربية والتعليم، والخارجية، بالإضافة إلى عمله سفيرا للمغرب بكل من بيروت، ودمشق، وواشنطن، والمكسيك وترأس البرلمان المغربي سنة 1970. ليتحول إلى مستشار للملك الحسن الثاني في فترة (1976-1978) و (1992 - 1996).
وبالتالي، فقد كان يحظى هذا المستشار بمكانة خاصة بين خدام القصر، بالرغم من الجفوة السياسية التي حدثت بينه وبين الملك الراحل الحسن الثاني في نهاية حكم هذا الأخير. وبالتالي، فقد اهتم الملك محمد السادس بمراسيم جنازته وكلف أحد أفراد العائلة الملكية بترؤس مراسيم دفنه بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء،(5) حيث وصف أحد الصحافيين هذه المراسيم كما يلي:
"وري جثمان عبد الهادي بوطالب، المفكر والسياسي والمستشار السابق للراحل الحسن، أول أمس الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء بحضور أبنائه الثلاثة ماجد وسعد وأمينة. وخصصت للراحل بوطالب جنازة رسمية ترأس مراسيمها الأمير مولاي عبد الله، نجل الأمير مولاي علي، بتعليمات من الملك محمد السادس. وحضر مراسيم تشييع الجنازة العديد من الوجوه السياسية والمدنية ورجال الأعمال وشخصيات رسمية بينها منير الشرايبي وفاضل بنيعيش من الديوان الملكي ونور الدين بنسودة، المدير العام للضرائب، ومحمد اليازغي، وزير الدولة وخالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير الأول السابق إدريس جطو. كما حرص جميع الوزراء الأولين السابقين على أن يحضروا إلى منزله بالبيضاء لتقديم العزاء إلى عائلته. وهكذا شوهد في بيت الراحل بعين الذياب كل من أحمد عصمان وعبد الرحمان اليوسفي وكريم العمراني". (6)
مراسيم جنازة المستشار عبد العزيز مزيان بلفقيه
بالإضافة إلى ترؤس أحد أفراد العائلة الملكية للحضور المخزني المشيع لجثمان الفقيد، فعادة ما تتم تلاوة رسائل التعزية الملكية من طرف أحد مستشاري الملك للتذكير بمزايا الشخصية المتوفاة ودرجة تفانيها في خدمة المخزن، والتي تختتم عادة بالدعاء للملك كأمير المؤمنين وعائلته بالصحة وطول العمر تكريسا للاستمرارية السياسية للحكم ودوام الأسرة الحاكمة. ولعل مراسيم تشييع جنازة عبد العزيز مزيان بلفقيه، المستشار السابق لكل من الملك الراحل الحسن الثاني، وخلفه الملك محمد السادس، لتعكس في تفاصيلها شكليات التعزية الملكية وما تستبطنه من خلفية سياسية، حيث يظهر ذلك من خلال ما ورد في المقالة الصحافية التالية:
" جرت، أمس الثلاثاء، بمدينة تاوريرت، مراسيم تشييع جثمان مستشار صاحب الجلالة، الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، الذي وافته المنية، مساء يوم الأحد المنصرم، بالرباط، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد . وبعد صلاتي الظهر والجنازة بمسجد الإمام نافع، نقل جثمان الراحل إلى مثواه الأخير بمقبرة الرحمة، حيث ووري الثرى، في موكب جنائزي مهيب، حضره أفراد أسرة الفقيد، ومستشارو صاحب الجلالة، محمد معتصم، وأندري أزولاي، وعباس الجراري، وعمر القباج، ومحمد رشدي الشرايبي، عضو الديوان الملكي، ومحمد الكتاني، وفاضل بنيعيش، مكلفان بمهمة بالديوان الملكي، والحاجب الملكي، ومؤرخ المملكة، حسن أوريد، وعدد من أعضاء الحكومة، وزعماء الأحزاب السياسية، وشخصيات مدنية وعسكرية، وحشد كبير من سكان تاوريرت وعقب مواراة جثمان الفقيد الثرى، تلا محمد معتصم، مستشار صاحب الجلالة، برقية التعزية التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة الراحل مزيان بلفقيه، والتي ضمنها جلالته أحر تعازيه وأصدق مواساته في هذا القدر المحتوم، ضارعا جلالته إلى الباري عز وجل أن يسكنه فسيح جنانه، مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ويحسن جزاءه على ما قدم لملكه ووطنه وأمته، من صالح الأعمال، وصادق الجهود، وسخي العطاء، ويقعده مقعد صدق في جنات النعيم، مع عباده المخلصين، الذين قال في حقهم أصدق القائلين: "أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاما، خالدين فيها، حسنت مستقرا ومقاما ". وأعرب جلالته "لكافة أفراد أسرة الراحل الموقرة، وأهله وأصدقائه، عن أحر تعازينا في هذا المصاب الجلل، وأصدق مواساتنا، في فقدانها لعميدها وسندها ونابغتها"، سائلا الله عز وجل أن يشمله برحمته وغفرانه، ويسكنه فسيح جنانه، ويحسن قبوله مع المصطفين الأخيار من عباده، ضارعا جلالته إلى الله جلت قدرته أن يعوضهم عنه جميل الصبر وحسن العزاء. واستحضر جلالة الملك في هذه البرقية "بكل تأثر وتقدير، ما عهدناه في شخص الفقيد العزيز، كأحد مستشارينا الأوفياء، من خصال إنسانية نبيلة، شهامة وإباء، وتحملا للابتلاء، وتبصرا وأناة، واستقامة ورزانة، ومن المؤهلات الرفيعة لخدام العرش الأصفياء"، مضيفا أن المغرب فقد برحيله "أحد أبنائه البررة، ورجلا من رجالات الدولة الكبار، الذين قلما يجود الزمان بمثلهم، لما هو مشهود له به من كفاءة وتجرد وإخلاص في أدائه للواجب المهني، مكرسا حياته لقضايا الوطن بنظر حصيف، ومشورة صادقة، ووفاء مكين لمقدساته وثوابته". سيظل الراحل الكبير، يضيف جلالة الملك، "خالدا في ذاكرة جلالتنا، وفي السجل الذهبي لتاريخ المغرب، بما أسداه لوطنه من أعمال مبرورة، وخدمات جليلة، في كل المسؤوليات السامية، التي أنيطت به، مستشارا نصوحا، لجلالتنا ولوالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، ووزيرا مخلصا في عدة حكومات وقطاعات، مؤديا بأمانة وحكمة وحنكة، وخبرة واسعة، وتفان ونكران ذات، وتواضع لله، ما أنيط به من مهام وطنية كبرى. فكان نموذجا لجيل جمع بين الغيرة الوطنية الصادقة والمواطنة الملتزمة". وتليت بهذه المناسبة الأليمة، آيات بينات من الذكر الحكيم على روح الفقيد، كما رفعت أكف الضراعة إلى الله العلي القدير، بأن يتغمد الراحل بواسع رحمته، وأن يشمله بمغفرته ورضوانه، وأن يجعل مثواه فسيح جنانه، ويتلقاه بفضله وإحسانه في عداد الأبرار من عباده المنعم عليهم بالنعيم المقيم.
وتوجه الحاضرون بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بأن يطيل سبحانه وتعالى عمر جلالته ويحفظه ويحيطه ويكلأه بعنايته الإلهية، وأن يقر عينه بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وبصاحبة السمو الملكي الأميرة للا خديجة، ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما رفعت أكف الضراعة إلى العلي القدير بأن يمطر شآبيب الرحمة والرضوان على روحي جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني" (7)
- عدم الرضا المخزني
مقابل الحرص المخزني على المشاركة في مراسيم جنازات خدام القصر (الأوفياء) من الطبقة السياسية من خلال ترؤس شقيق الملك أو أحد أفراد العائلة الملكية لهذه المراسيم، وتلاوة أحد مستشاري الملك لبرقية التعزية الملكية التي تذكر بمناقب الشخصية السياسية المتوفية، وإحاطة ذلك بتغطية إعلامية حيث يتم نقل هذه المراسيم على شاشة التلفزيون الرسمي بمختلف قنواته، فعادة ما يتم التجاهل الرسمي أو التعتيم على مراسيم دفن الشخصيات السياسية المعارضة، والعمل على حصر هذه المراسيم في أضيق الحدود. ولعل جنازة شيخ جماعة العدل والإحسان المعارض للسلطة لأحسن مثال على ذلك؛ فقد تم العمل على التضييق على أعضاء الجماعة حتى لا يحضر أغلبهم لتشييع جنازة شيخهم، وعدم الاهتمام بإيفاد أي ممثل عن المخزن لحضور مراسيم التشييع، بالإضافة إلى التعتيم الإعلامي الرسمي:
- التضييق الأمني على جنازة "معارض الملك"
اشتهر الشيخ ياسين مؤسس جماعة العدل والإحسان برسالة وجهها إلى العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني في 1974 بعنوان "الإسلام أو الطوفان" "نصح" فيها العاهل الراحل "بالتوبة إلى الله" وأن يختار الإسلام وإلا فسيكون الطوفان ويقصد التمرد والثورة؛ الأمر الذي دفع العاهل الراحل إلى إيداع الشيخ ياسين مستشفى الأمراض العقلية ثلاث سنوات وستة أشهر. ليتم بعد ذلك في ديسمبر 1983 بسبب مقال رد فيه على خطاب للملك الحسن الثاني فحكم عليه بثلاثة أشهر من الاعتقال الاحتياطي ثم سنتين بالحبس مع النفاذ. وفرضت على الشيخ ياسين في 30 ديسمبر 1989 الإقامة الجبرية في بيته بسلا إلى أن تم رفعها في سنة 2000 مع اعتلاء الملك محمد السادس. لكن هذا لم يمنع في استمرار شيخ الجماعة في معارضة حكم الملك محمد السادس، حيث كتب رسالة مفتوحة في 28 يناير 2000 بعنوان "مذكرة إلى من يهمه الأمر" وجهها إلى الملك محمد السادس دعاه فيها إلى "رد المظالم والحقوق التي انتهكت في فترة حكم والده" مجددا له "النصيحة" التي سبق أن وجهها إلى والده الحسن الثاني.
وبسبب هذا الموقف المعارض تعرض العديد من أعضاء الجماعة للاعتقال والملاحقات القضائية بسبب أنشطة الجماعة التي ترفض السلطات الترخيص لها، كما ترفض الجماعة المشاركة في الحياة السياسية بالرغم من نبذها للعنف السياسي.
وبالتالي، فقد انعكس هذا الموقف السياسي للنظام حتى بعدما تم الإعلان عن وفاة شيخ هذه الجماعة المعارضة ،(8) حيث تم اتخاذ كل التدابير والإجراءات الأمنية للتقليص من عدد أعضاء الجماعة الذين حجوا إلى العاصمة لتشييع شيخهم إلى مثواه الأخير. وهكذا أشار بعض القياديين من داخل الجماعة إلى أن عدد كبيرا من أتباع الجماعة واجهتهم صعوبات ولم يجدوا وسائل نقل كما حدث في أسفي والصويرة، في حين وصل البعض الآخر متأخرا عن موعد الجنازة. في حين عملت السلطات الأمنية على اتخاذ كل الترتيبات لتأطير جنازة هذا المعارض، حيث حددت الشوارع التي سيمر منها موكبه الجنائزي. فقد "سارت جنازة الشيخ ياسين في موكب مهيب بشوارع الرباط من مسجد السنة وسط العاصمة الرباط والمحاذي للقصر الملكي وسط حضور أمني مكثف يتبعها عشرات الآلاف من أتباع الجماعة بعد أن منعتهم السلطات من المرور بالشارع الرئيسي في العاصمة".
وفي إطار الصراع بين السلطة والجماعة، فقد دخل الطرفان في خلاف حول لغة الأرقام من خلال تحديد عدد مشيعي الجنازة؛ فقد حاولت الجماعة من خلال جنازة شيخها استعراض كثرة عددها، وقوة تنظيم صفوفها في حين عملت السلطة على التهوين من هذا الأمر، وإظهار الضعف العددي لهذه الجماعة. وهكذا قدر قياديون من الجماعة أن عدد الحاضرين في جنازة الشيخ ياسين تجاوز بكثير 300 ألف شخص، فيما قدرت جهات رسمية عدد الحاضرين بالعشرين ألف مشارك. لكن يبدو أن الجنازة، وبعيدا عن جدل الأرقام، كانت، إلى جنازة الملك الراحل الحسن الثاني، وجنازة الكاتب الأول السابق عبد الرحيم بوعبيد، من بين أضخم الجنازات التي عرفها المغرب. ومما يعكس ذلك، الترتيبات التي اتخذتها السلطة من أجل تأمين موكب الجنازة، والتعزيزات الأمنية التي اتخذت من أجل التحكم في مسارها. وبهذا كتب أحد المتتبعين ما يلي:
» تسببت جنازة الشيخ ياسين، الذي ووري جثمانه الثرى بعد صلاة الجمعة زوال أمس الجمعة بمقبرة الشهداء بالرباط، في اختناق مروري في أكبر شوارع الرباط، وكذا على الطريق السيار، التي أغلق جزء منها بسبب كثرة السيارات والراجلين. وقد جندت المديرية العامة للأمن الوطني مئات من رجالها، استقدموا من خارج العاصمة، للمساهمة في تنظيم المرور، بسبب الازدحام الكبير. واستعان رجال الأمن، منذ الساعات الأولى من صباح أمس (الجمعة)، بسيارات «الديباناج» من أجل إفراغ شارعي محمد الخامس والحسن الثاني اللذين كان مقررا أن يعبرهما الموكب الجنائزي الضخم، قبل أن تنزل تعليمات أمنية في آخر ساعة، لتغيير مسار الموكب، إلى شارع العلويين، مرورا بشارع ابن تومرت، المؤدي مباشرة إلى مقبرة الشهداء بحي المحيط... ومع اقتراب أذان صلاة الجمعة، سجل إنزال أمني كبير، مصحوب بحواجز لتنظيم المرور. «
- التغيب الرسمي عن مراسيم الدفن
عرفت مراسيم جنازة أكبر وأقدم معارض سياسي في المملكة حضور الآلاف من أتباع عبد السلام ياسين، ومشاركة شخصيات سياسية، من ممثلي الحركات الإسلامية خصوصا من الجزائر وموريتانيا وفرنسا وألمانيا... كما سجل حضور بعض شيوخ السلفية وأبرزهم الشيخ حسن الكتاني، بالإضافة إلى تواجد الفنان الساخر أحمد السنوسي بزيز، وعبد الله البقالي عن حزب الاستقلال، وعبد الرحمان بنعمرو عن حزب الطليعة، ومحمد الساسي وبنسعيد أيت يدر عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والمعتصم عن البديل الحضاري وشخصيات أخرى.
وبخلاف بعض التكهنات التي كانت تتوقع حضورا رسميا في مراسيم جنازة الشيخ الأصولي المعارض سجل غياب تام لأي ممثل رسمي عن القصر. كما سجل تغيب كل من عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية. فباستثناء وزير العدل مصطفى الرميد الذي حضر هذه المراسيم بشكل شخصي، فقد غاب باقي أعضاء الحكومة في هذه المراسيم خاصة وزراء العدالة والتنمية الذين تلقوا تعليمات صارمة، من قبل قيادة الحزب والحكومة، بعدم المشاركة في جنازة عبد السلام ياسين. وقد قرأ بعض المراقبين في التغيب الرسمي عن مراسيم دفن جثمان شيخ جماعة العدل والإحسان في مقبرة الشهداء إشارة سياسية عن عدم استعداد السلطات الرسمية للتخلي عن خلافاتها مع الجماعة أو فتح صفحة جديدة معها، وأنها ستواصل نفس سياسة التضييق والمحاصرة التي انتهجتها في السابق في حين لمحت قيادة الجماعة من خلال رسالة التأبين التي تلاها محمد العبادي بأن الجماعة لن تغير من نهجها السياسي بالرغم من رحيل مرشدها، حيث يستشف ذلك من عدة إشارات أثثت رسالة العبادي والتي كان من أهمها العبارات التالية:
(إذا كان هذا الرجل تحبونه وتلتقطون له صورا، فينبغي نقش الصور في قلوبنا وروحه ساكنة في أضلعنا وأن نجعله يحيى حياة أبدية بيننا... فالمعالم الربانية التي رصها الشيخ في صفوفنا ينبغي العض عليها بالنواجذ لأنها لب الدين... لقد عاش الشيخ للأمة وتحرك من أجلها)
أما فيما يخص علاقة الجماعة مع رئيس الحكومة، فيبدو أن تغيب عبد الإله بنكيران ووزراء حزبه عن مراسيم تشييع الراحل عبد السلام ياسين قد أثرت على العلاقة بين جماعة العدل والإحسان وبين العدالة والتنمية وزادت من حدة الخلاف بينهما. فالجماعة التي أحيت يوم 14 دجنبر الذكرى الأولى لرحيل مؤسسها، لم توجه الدعوة إلى رئيس الحكومة لمشاركتها احتفالها، على الرغم من أن ما ميز هذا الاحتفال هو الانفتاح على فعاليات سياسية وحزبية خاصة من أحزاب المعارضة كحزب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وغيرها من الفعاليات الحقوقية والصحفية والثقافية. كما أدى ذلك إلى مشاركة الجماعة في الإضراب العام التي دعت إليه بعض المركزيات النقابية في 29 أكتوبر 2014 للتعبير عن رفض السياسة المنتهجة من لدن حكومة بنكيران
- التعتيم الإعلامي الرسمي
تعكس التغطيات الإعلامية من لدن القنوات التلفزيونية لمراسيم جنازات النخب السياسية مدى الاهتمام الرسمي بالشخصية السياسية المتوفاة، والمكانة السياسية التي يتمتع بها داخل تراتبية النخب المخزنية. في حين يبطن التجاهل أو المرور باقتضاب على مراسيم بعض الشخصيات السياسية المتوفاة إشارة سياسية بعدم الرضا المخزني، وإرادة في التعميم وتهميش الحدث.
ولعل هذا ما تبين من خلال تعامل وسائل الإعلام الرسمية مع نبأ وفاة مرشد جماعة العدل والإحسان. وهكذا كانت ردة الفعل الرسمية مع الإعلان عن وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، وكما أشارت إلى صحيفة البايس الإسبانية "ارتباك وسائل الإعلام العمومية في المغرب" في التعاطي مع خبر وفاة مرشد جماعة العدل والإحسان حيث إن "نشرة الظهيرة في القناة الثانية لم تتضمن سوى دقيقتين للإعلان عن رحيل الشيخ ياسين" بشكل جد مقتضب. وهذا ما جعل بعض" نشطاء الجماعة الذين أدى بعضهم صلاة الجمعة وصلاة الجنازة على جنبات شوارع الرباط، يغضبون من طريقة تناول الإعلام العمومي لوفاة زعيمهم الروحي، حيث صرح ناشط في الجماعة ليومية «الصباح» بأن » الصحافي الذي قرأ القصاصة القصيرة التي تعلن وفاة شيخنا عبد السلام في نشرة أخبار القناة الثانية، لم يقل حتى رحمه الله «.
ولم يقتصر هذا التجاهل الرسمي للحدث على القنوات التلفزيونية، بل شمل أيضا وكالة أنباء المغرب العربي، التي لم تخصص إلا حيزا ضيقا لتشييع جنازة شيخ الجماعة مقارنة مع تشييع جنازة شخصيات أقل وزنا وتأثيرا. وبهذا الصدد كتب أحد المتتبعين ما يلي:
"لاحظ متتبعو قصاصات وكالة المغرب العربي للأنباء الفرق الكبير في تغطيتها لخبر تشييع رجل الأعمال الثري فريد برادة، الذي ووري الثرى يوم الثلاثاء 15 يناير، وخبر تغطيتها لجنازة عبد السلام ياسين، مؤسس ومرشد أكبر جماعة إسلامية في المغرب، الذي ووري الثرى يوم 14 ديسمبر الماضي. ففيما اقتصر خبر تشييع جنازة عبد السلام ياسين على أربعة أسطر فقط لا غير، أفردت الوكالة الرسمية المغربية خبرا مطولا عن تشييع جنازة الثري برادة، مرفقا بتصريحات لشخصيات الدولة التي حضرت مراسيم التشييع.
من هنا، يظهر أن مراسيم جنازة أقوى معارض سياسي للمملكة كانت تخفي في طياتها رهانا سياسيا بين المؤسسة الملكية والجماعة، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الرمزي:
- فعلى الصعيد السياسي، عملت الجماعة على استعراض قوتها التنظيمية من خلال تعبئة حشودها في شوارع العاصمة، في حين عملت السلطة على الحد من هذا (الاستعراض الجنائزي) من خلال التقليص من عدد المشيعين عبر إحداث نقص من وسائل النقل، والتحكم في عدد الممرات التي ستتحرك فيها المسيرة الجنائزية، والتقليل من أهمية عدد المشيعين.
- أما على الصعيد الرمزي، فقد حاولت الجماعة أن تذكر بأهمية ومكانة شيخها سواء داخل المغرب أو خارجه وتعداد مناقبه وخصاله الدعوية والتربوية، في حين عملت السلطة على التعتيم على نبأ وفاة هذا المعارض والتجاهل شبه التام لمراسيم جنازته.
هوامش:
1- ( طيلة مرحلة حكمه، لم يسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن انتقل إلى بيت أحد من رعاياه لتقديم التعازي لعائلته في وفاته... الاستثناء الوحيد حصل مع الزعيم علال الفاسي يوم 15 ماي 1974، عندما انتقل الملك الراحل إلى بيته بطريق زعير بالرباط ... حاملا معه إزارا يشبه غطاء الكعبة، حيث انحنى على التابوت وقبله وصلى على جنازة علال. في اليوم التالي نشرت جريدة لوماتان... صورة الملك جالسا قبالة تابوت علال وصورة أخرى للملك في الصف الأمامي للمصلين وإلى جانبه ولي العهد سيدي محمد والأمير عبد الله وعدد من الشخصيات الأجنبية والسفراء، وخبر حضور الملك للجنازة بعنوان كبير: في لحظة من التأثر العميق، صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني يحضر جنازة المقاوم الأكبر علال الفاسي ...)
2- أثار عدم حضور الملك محمد السادس لجنازة سمو الأمير زايد بن سلطان آل نهيان، الذي يعتبر من أهم أصدقاء المغرب وأحد مموليه الرئيسيين، تشنج الدبلوماسية الإمارتية، حيث بذلت السلطات العليا في المملكة جهدا كبيرا لشرح طبيعة العوائد المخزنية التي تمنع على الملك حضور الجنازات حتى ولو كانت جنازات كبار الرؤساء والملوك.
3- لقد رفض الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي كان مولاي عبد الله ابراهيم أحد قيادييه، هذا الدستور معتبرا أنه دستور ممنوح.
4-التجديد بتاريخ 14 - 09 - 2005
5- المساء بتاريخ دجنبر2009.
6- الأمير مولاي رشيد يحضر تشييع جثمان الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه بمسقط رأسه تاوريرت- الصحراء المغربية بتاريخ 12ماي 2010
8- أصدر مجلس ارشاد الجماعة، بلاغ نعي زعيمها جاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وصحبه
بقلوب يعصرها الحزن والأسى ويملأها السكون إلى قضاء الله والرضا بقدره تنعي جماعة العدل والإحسان إلى كافة الأعضاء والمتعاطفين وإلى الشعب المغربي وإلى أمة رسول الله صلى الله وسلم رجلا من رجالها العظام وعالما من علمائها الأفذاذ، فقد توفى الله إلى رحمته ومغفرته -إن شاء الله- الأستاذ الجليل المرشد عبد السلام ياسين صبيحة اليوم الخميس 28 محرم الحرام 1434 الموافق ل13 دجنبر 2012 عن سن يناهز 87 سنة. نسأل الله أن يرحم الفقيد العزيز وأن يرفع مقامه عاليا في قربه وأن يتقبله مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين. ونسأله تعالى أن يأجر أمتنا في مصابها هذا وأن يكون سبحانه لها وليا ونصيرا. وسيشيع الفقيد الكريم إلى مثواه الأخير غدا إن شاء الله من مسجد السنة بالرباط بعد صلاة الجمعة عن مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.