هل كان غضبا إلهيا وعقابا سماويا جماعيا لليهود؟ هل الله يتبع سياسة الأرض المحروقة مع المغضوب عليهم؟ هل الله هو نيرون الحقيقي؟ نحن العرب نرى في كوارثنا ابتلاء وفي كوارث الآخرين انتقاما ربانيا .. لماذا لم نتحدث عن رافعة مكة ولا حريقها الشهير في عام 97 ؟ ولماذا لم نتحدث عن زلزال أزمير 99 ولا زلزال بام بإيران ولا زلزال الحسيمة بالمغرب ؟ ولماذا لم نتحدث عن سيولجدة ؟ ما الذي سيدفع الله إلى حرق أشجار الزيتون والغلل الأخرى في أرض مباركة؟ إذا كانت الكوارث الطبيعية تعد غضبا إلهيا فالله بالتأكيد غاضب منا أكثر من غضبه على باقي الأمم الأخرى .. خباز بسيط أشعل النار في لندن في عام 1666، وسيجارة تافهة أضرمت النار في شيكاغو في عام 1871، ووجبة محترقة نسيها صاحبها أشعلت النار في طوكيو 1963. إن أعظم الأحداث في هذا العالم وراءها أشخاص مغمورون، ومعظم النار من مستصغر الشرر. هل كان يدرك طالب صربي اسمه Gavrilo Princip لم يتجاوز التاسعة عشرة وهو واحد من تسعة أطفال توفي ستة منهم في الطفولة، هل كان يدرك أن رصاصاته التي استهدفت ولي عهد النمسا كانت كفيلة بإزهاق أرواح تسعة ملايين شخص وجرح الملايين في حرب عالمية؟ بل وهل كان بائع متجول من تونس عمره ست وعشرون سنة يدرك أن خصامه مع شرطية وإضرامه النار في جسده سيقلب عروشا رأسا على عقب ويؤجج النار من المحيط إلى الخليج ويزهق أرواح أكثر من 180 ألفا؟ من أشعل حرائق إسرائيل إذن؟ وهل من الحمق التعويل على انتشارها والتهامها الأخضر واليابس؟ قد يكون عربي فعلها وقد يكون إسرائيلي فعلها ..لكن ما الجدوى فالجريمة جريمة حتى وإن أخفيت معالمها لأنها طالت الكائنات الحية بمختلف مسمياتها. فمجرد سيجارة من يد مستهتر مغمور غير مبال بما يدور من حوله وبطريقة ما قد ينثر بقايا ها بطريقة لا إرادية ويتسبب في هلاك البشر والشجر والطير وغيره...ما يثير حقا الغرابة كذلك في النيران التي التهمت آلاف الهكتارات هو الطبيعة التي ربما أصيبت بخيبة الأمل من أطراف الصراع وربما من جمود مفاوضات السلام . فلربما تكون الكارثة محفزا لأبناء العمومة ليستأنفوا مفاوضاتهم بشأن إرساء سلام عادل ومستدام يعود على شعوب منطقة الشرق الأوسط عموما بالنفع العميم . إن المرء ليصدم اليوم وهو يرى ويقرأ على شبكات التواصل الاجتماعي أشخاصا يتشفون بدون وازع أخلاقي في النار وهي تحرق أشجار الزيتون وتأتي على الأخضر واليابس بل وتهدد حياة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء ودون تمييز. وهذا يظهر بجلاء الانفصام الذي مازالت تعيشه بعض الشعوب العربية الإسلامية مع أنظمتها التي سارعت إلى تقديم الدعم اللوجستي إلى إسرائيل لإطفاء الحرائق، همها في ذلك على ما يبدو الحفاظ على أرواح البشر أيا كان جنسه . إن العالم يتغير، ولا توجد عداوات دائمة في السياسة ولا صداقات دائمة في السياسة وإن لم يحسن الجميع استغلال الفرص الضائعة فسيبقى الوضع الحالي على ما هو عليه .ربما تكون هذه النيران الصديقة حافزا للجميع من أجل تقييدها ضد مجهول والالتفات إلى عدوها الماء الذي ستؤرق قضيته الجميع في العقود القادمة..