الذين يسمعون بالأمير الوليد بن طلال ولم تُتح لهم فرصة التعرف اليه، يكيلون له المديح لأنه في نظرهم المثال الأمثل على موهبة الطموح في عالم البيزنس وتفرعاته المنوعة. والذين يعرفون الأمير الوليد عن قرب وأنا واحد منهم يقولون انه يختصر النجاح في شخصه، ويطل عليه، أي على هذا النجاح، في تعدد شخصياته، بمعنى انه صلب عند الصلابة، عنيد عند العناد، مواجه عند المواجهة، مقتحم عند الاقتحام، مغامر عند المغامرة، حاسم عند الحسم، مساوم عند المساومة، مع انه لا يتراجع ولا يتردد. هذا من جهة، اما من جهة ثانية، فهو عاطفي من غير اظهار، حساس من غير اشهار، يحزن ويفرح من غير دلالة، او اعلان، ذو قلب يخفق على الدوام لابتسامة وحنان في داخله، وذو رقة، تتألق وتتأجج في مشاعره، وكأن حاله يشبه حال "من لا يُذاع له سر". "" ما يحملني على الاسهاب والتعليل والتشبيه في قول ذلك كله، هو ما كان عليه الأمير الوليد قبل أشهر في مأتم خالته علياء الصلح. فقد جاء الى بيروت من الرياض على عجل، والدمع محبوس في عينيه، والحزن يُغطي وجنتيه، والكلمات تخرج صامتة، من بين شفتيه، لا تقوى على مجاراة ارادة الله إلا بالايمان بها. هذا الأمير الذي جعل من البيزنس مملكة، لو كان ينظم الشعر، كما يغزل الملايين، لقال في ذلك اليوم امام الذين أمّوا قصر جده رياض الصلح في خلده مُعزّين حزانى بوفاة عميدة القصر. أهاجَ قَذَاء عَيني الإذكَارْ هُدوءاً فَالدُموعْ لَها إنهمَارُ وصَارَ الليلُ مُشْتَملاً علينا كأن الليل لَيسَ لَهُ نَهارُ نعم، غط الأمير وطار الأمير، وفي قلبه غصتان على خالته: غصة على رحيل من كانت شمسه في مشاريع النهار وملاعبه، وغصة، على غياب من كانت قمره في ليل القرار وتعرجاته. وفي التحقيق التالي "موضوع غلافنا هذا الاسبوع" اضواء على الوجوه المخفية، لتلك المشاريع والقرارات نسلطها من دافع محبتنا واحترامنا للأمير الوليد، رغم ان مرور الوقت عليها لم يطفئ آثارها حتى اليوم. • من حيث يريد أو لا يريد، أو من حيث يدري أو لا يدري، يبقى الأمير الوليد بن طلال، مالئ الاستثمارات، وشاغل المستثمرين بمشاريعه المنتشرة حيث الاستثمار زرعاً وحصاداً، وحيث المواسم بيعاً وشراء، وحيث الأرباح دونها الخسائر أرقاماً على أرقام. ومع كل هذه المشاريع، وخصوصاً مع كل جديد منها، تكثر الشائعات ومعها "الاتهامات": فمن قائل ان مصر "تتنكر" لافضال الوليد، وان "هوى" الوليد افريقي اسود لا عربي أسمر، وانه يرتاح الى القدس ولا يمل تل أبيب، الى قائل انه "الشخص المختار" في جذب الرأسمال اليهودي اليه، وفي مشاركة اليهود العالميين له، الى ما هنالك من "افتراءات" و"اختلاقات" و"فبركات" لا تخفف، من وطأتها وخطورتها، الأقلام التي يضّخ الوليد "حبره" فيها، فاذا الدفاع عنه يبدو وكأنه هجوم عليه، لأن تلك الأقلام، ذات الباع الطويلة في المدح، والاطراء، والثناء، وذات الشفاه، المدربة على كل انواع القبل والقبلات، من فوق الى تحت، او من تحت الى فوق... لا ترد عنه الأذى، بل تُسبّب له التنغيص، وتجلب له المنغصات، وفي ظنها انها تخدمه... من هنا فان، ما بيني وبين الوليد بن طلال قاسما مشتركا هو اننا كلانا "نجوهر" او "نتجوهر" في الأزمات، مع الفارق بأن ازماتي هي دائماً مادية بينما أزماته في معظمها "فنية"، لأنه والحمد لله لا يفتقر الى الموارد التي تحميه من الأزمات المادية، ومن نعم المولى انه ليست لأي منا ازمات سياسية تضطره الى التنكر بغير لباسه! وأراني أمام المآزق والمفترقات الصعبة احاول دائماً استبطان الوجعين اللذين يعرفهما الأمير الوليد معرفة الانسان المحتوم بالتطلع الدائم الى الصعود، وهما وجع الرأس ووجع القلب، وكلاهما له علاقة و ارتباط بهموم، ومشاعر الآخرين، او ربما بمشاعر الناس عموماً. أقول ذلك، وأنا أتأمل اهتمامات الوليد بن طلال المصرية والافريقية التي، لسبب من الأسباب، تفوق اهتماماته العربية والقومية. فلا يمر اسبوع، إلا وتجد الأمير يستقبل اكثر من سفير افريقي، وكأن في نفسه هوى متأصلاً وميلاً عارماً الى "الزنوجة" من السودان و كينية شرقاً الى بنين وغانة غرباً، ومن مالي شمالاً الى جمهورية نلسون مانديلا جنوباً. وفي تقديري ان ميلان الوليد بن طلال الى الأفارقة يدخل في باب "وجع القلب"، وكأنه أخذ على عاتقه ان يعمل على انتشال افريقية والأفارقة من حضىض الفقر والبؤس، وان يأخذ بيدهم الى فرص التقدم، وتحسين احوالهم المزرية! ولست اظن ان الوليد في استثماراته الافريقية يتوخى الكسب، والربح على حساب شقاء الأفارقة، كما فعلت وتفعل الرساميل، والاستثمارات الاستعمارية، التي امتصت خيرات افريقية وتركتها قاعاً صفصفاً! وان يتوجع قلب الأمير الوليد على أفريقية والأفارقة هو في نظري ارقى مراتب الشعو ر الانساني، بعدما تعامل معهم العالم طويلاً، ومنه بعض العرب الذين يعرفهم الوليد جيداً، على انهم "عبيد" او سلع في أسواق النخاسة التي تغيرت طبيعتها في العصور الحديثة، وهذا ايضاً يعرفه الأمير جيداً! لكنني أرى ان مصر وحدها من دون سائر الدول الافريقية لا تأتي الأمير بوجع القلب بقدر ما تأتيه بوجع الرأس. ومن ذلك في الآونة الأخيرة "الأزمة" التي أثارتها مقدمة البرامج المصرية هالة سرحان في تلفزيون "روتانا" الذي يملكه الوليد بن طلال مما اضطره الى "تهريبها" بطائرته الخاصة الى العاصمة البريطانية لندن، بسبب استفزازها لمشاعر الاسلاميين ولمشاغل الرئيس حسني مبارك مما أدى الى ملاحقتها وتهديدها بعدما طَفَحَ كيل تطرقها للمواضيع البالغة الحساسية من الناحية الدينية الاجتماعية. وأنا شخصياً، لم اشاهد البرنامج الأخير، الذي أثار ازمة هالة سرحان مع بلدها مصر، وهو على ما سمعت بعنوان "بنات الهوى"، لكنني اقدر ان الوليد بن طلال عندما قرر اقتحام الفضاء بتلفزيون "روتانا"، ما كان يتوخى ان يقيم مشروعاً عادياً او تقليدياً، وان كنت لا أظن انه أراد ايضاً ان يخض المياه الراكدة او يعكر صفوها. ويبدو لي ان اختياره لمقدمة البرامج هالة سرحان كان في البداية اختياراً موفقاً لأنها أعطت الانطباع الذي أراده الوليد بأن تلفزيونه هذا له توجهات فنية، ومنها توجهات يطلق عليها المصريون اسم "الطفش والفقش" او "هز يا وز" الذي يستهوي السعوديين والخليجيين بصورة عامة! وبين "الطقش والفقش"، و"هز يا وز"... نَسيت هالة سرحان، او اخذتها النشوة والعز في كنف الأمير الطموح، انها تعيش في مصر حسني مبارك والاسلاميين المتطرفين، وربما تصورت انها تعيش في عصر الملك فاروق، وهو العصر الذهبي للفن في مصر، حيث كان الفنانون المصريون يعتبرون ان فنهم في أيام فاروق وصل الى سدرة المنتهى. بل تراءى لهم انه لا أحد في العالم يعرف ما هو الفن سوى المصريين، على ما تقوله الأغنية المشهورة "الفن مين يعرفو...". وقد يكون فات مقدمة البرامج المصرية هالة سرحان ان مركز الثقل في "الفن الحديث" قد انتقل من مصر "ولبنان ايضاً بصفته الشقيق التوأم للفن المصري" الى ديار الخليج العابقة برائحة الدراهم والمغانم. وربما كان انه اختلط على بعض العالمين في القطاع الفني والاعلامي من المصريين، ومنهم هالة سرحان وزوجها السابق الصحافي عماد الدين أديب: ما اذا كانت مهمتهم "مصرنة" الخليج او "خلجنة" مصر والعرب. وهذا بحد ذاته هو مصدر دائم للالتباس وتوليد سوء الفهم والتفاهم، وبالتالي نشوء وجع الرأس، وربما الأزمات ذات الطابع الفني، حسب اللغة اللبنانية الدارجة بالنسبة الى المحكمة ذات الطابع الدولي، بشأن اغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، الذي التبس عليه هو الآخر، رحمه الله وجعل الجنة مأواه، التخالط بين "سعوديته" و"لبنانيته"! وفي ظني ان هالة سرحان، عندما تعاقدت مع الوليد بن طلال في تلفزيون "روتانا" كانت تدرك انها لم تعد مصرية تماماً، بالمعنى الفني طبعاً، بل هي اصبحت "مصرية ذات طابع سعودي". وكذلك الأمر بالنسبة الى "عمادها" الذي بلغت به السعودة درجة الوصول الى مرتبة الصحافيين جهاد الخازن، وعرفان نظام الدين، في رئاسة تحرير جريدة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن عن "المجموعة العربية للأبحاث والتسويق"، التي يرأسها حالياً الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، ويسهم فيها بنسبة الربع "25٪" الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز ضمن مملكته الاعلامية التي تشمل "روتانا"! وقد قيل لي ان البرنامج الأخير الذي قدمته هالة سرحان في "روتانا" عن بنات الهوى، مما أدى الى هروبها بطائرة الوليد بن طلال، لم يكن الأول من نوعه بالنسبة الى امارة الحساسيات الاسلامية، إذ سبق لها ان قدمت برنامجين آخرين احدهما عن "طلاق البائنة" والثاني عن "رضاعة الكبير". وفي تقديري ان هذين البرنامجين السابقين لم يحدثا لي ضجة لكونهما يتعلقان بموضوعات غير مثيرة للجدل من الناحية الاجتماعية ذات الطابع السياسي، خلافاً للبرنامج الأخير المؤدي الى الهروب الكبير! وكما في كل قضية ذات طابع سياسي، او في كل قضية تفتح مجالاً للاستغلال السياسي، او لتحقيق مصالح معينة من خلال التغليف بغلاف السياسي، يستثير هذا النوع من القضايا او المعالجات حاسة الشم المرهفة لدى اصحاب الغايات الذي يتربع الرئيس المصري حسني مبارك على عرش نقابتهم. فهو بهذا المعيار نقيب اصحاب الغايات البعيدة المدى، الى درجة انه عكف على تغيير الدستور المصري رغم انف غالبية شعبه، لغايات ليست خافية على أحد. ولست استغرب ابداً ان يلجأ حسني مبارك الى استغلال الضجة التي أثارها برنامج هالة سرحان في تلفزيون "روتانا" للضغط على الأمير الوليد بن طلال لحمله على استمرار "الضخ" في القرية المصرية المفخوتة! ويبدو لي ان الرئيس المصري، بحكم تجربته الطويلة وتقلباته الشقلبازية بين الفلسطينيين والعبرانيين، وبين السوريين والسعوديين، وبين العراقيين والكويتيين، والى ما هنالك من هذا القبيل... يعمل بموجب المعادلات الفيزيائية وأهمها بالنسبة اليه المعادلة القائلة بأنه "لا ضخ من دون ضغط"! وقد أبلغني بعض رجال الأعمال العرب، الذين يتمتعون ايضاً بحاسة شم مرهفة التي لا نجاح من دونها لأي رجل اعمال، ان الوليد بن طلال، كان يفكر في الآونة الأخيرة بالانسحاب من مشروع قناة "توشكي" الذي يعتبره حسني مبارك ابنه المدلل مثل ابنه جمال المرشح لخلافته! وفي رأيي، انه اذا صح ان الوليد بن طلال كان فكر بالانسحاب من "مشروع توشكي"، فان ذلك يلقي ظلالاً من الشك على الجدوى الاقتصادية للمشروع المذكور، على الأقل بالنسبة الى المستثمرين الجديين مثل الأمير الوليد. لكن مما لا شك فيه ان لمشروع "توشكي" جدوى سياسية بالنسبة الى الرئيس حسني مبارك. فالرئيس مبارك، كما يبدو، يريد اقامة شيء يعتبر من المعالم المشهودة في التاريخ المصري الكفيلة بتخليد ذكر اصحابها على طريقة الفراعنة القدماء امثال "خوفو" و"رمسيس"، او على الأقل لمحاكاة مشروع السد العالي الذي خلّد اسم جمال عبد الناصر، ومن هذه الناحية فان "مشروع توشكي" هو جنة الخلد بالنسبة الى حسني مبارك، لكنه قد لا يكون كذلك بالنسبة الى المستثمرين. وقد قيل لي ان الأمير الوليد بن طلال ضخ حتى الان ما لا يقل عن عشرة مليارات جنيه مصري في استثماراته المصرية، منها مليار في "مشروع توشكي" في مرحلته الأولى، وفي مرحلته التجريبية الابتدائية، لكنه لم يحصل على تعريفة او مليم واحد من الربح في مقابل تلك الاستثمارات الضخمة. ولهذا جاءت الضجة التي أثارتها هالة سرحان في تلفزيون "روتانا"، ثم هروبها من مصر بطائرة الأمير الوليد، بمثابة نعمة هابطة من السماء بالنسبة الى الرئيس مبارك لأنها أتاحت له فرصة لتحريك مضخة الوليد من جديد، بعدما توقفت تلك المضخة عن الضخ او كادت! ومن مزايا، الأمير الوليد، ايضاً بسبب تجاربه وخبراته انه "يفهم الاشارات على الطاير" كما يقولون. ولذلك شدّ رحاله الى القاهرة حيث توجه فوراً الى مقابلة وزير الزراعة المصري، امين اباظة ليؤكد له علناً امام الصحافيين التزامه وايمانه التام بمشروع توشكي الذي وصفه الأمير بأنه "مشروع عملاق"! وغني عن القول ان المشروع العملاق تلزمه استثمارات عملاقة لا يقوى عليها إلا الراسخون في المليارات! وعندما قرأت بعض ما ورد على لسان الأمير الوليد في مؤتمره الصحافي بعد لقائه وزير الزراعة المصري، وقبل لقائه رئيس الحكومة احمد نظيف، ايقنت ان ما سمعته عن تفكير الوليد بالانسحاب من مشروع توشكي ليس بعيداً عن الصحة، حيث اكد انه ليس من الوارد اطلاقاً الانسحاب من المشروع، فهو، في رأيي، ما كان مضطراً لنفي عزمه على الانسحاب، لولا انتشار معلومات، او اخبار او اشاعات تشير الى اتجاه نحو الانسحاب من المشروع. وقال لي رجل اعمال مصري معروف، ان الظروف التي أدت الى اقدام الوليد بن طلال على تأكيد التزامه ب"مشروع توشكي"، كانت بمثابة "طاقة فرج" بالنسبة الى الرئيس حسني مبارك، على حد قوله. وهذا التأكيد من قبل الأمير الوليد له وجهان مهمان لتفريج كربة الرئيس مبارك. وجه التفريج الأول ان الوليد سوف يدخل حكماً في تمويل المرحلة الثالثة والأخيرة من المشروع، وهي المرحلة التي قد تكون الأكثر كلفة وربما الأقل مردوداً، او على الأصح الأقل ضماناً للمستثمرين لأنها تتعلق بتصنيع المواد الغذائية، بهدف تصديرها الى الخارج حيث ستنافس منتوجات مصنعة في مناطق اكثر تقدماً ومهارة في هذا المجال. اما وجه التفريج الثاني، فان اعلان الأمير الوليد تأكيد التزامه بالمشروع وبالاستثمار في مصر عموماً، يشكل رسالة مهمة الى المستثمرين الأجانب الذين كانوا قد بدأوا يضيقون ذرعاً من المناخ السائد في مصر المباركية حيث كلفة الاستثمار عالية، والمردود ضئيل، والعوائق البيروقراطية والسياسية سميكة وكثيفة. ويبدو لي من بيان شركة المملكة القابضة التي يدير الوليد بن طلال استثماراته من خلالها، انه يحمل وسائل الاعلام مسؤولية موجة الضجيج والاشاعات الأخيرة، لأنه حث وسائل الاعلام على دعم رؤية وأهداف مشروع توشكي الذي يعتبر خدمة المواطن المصري من اولوياته، لأن وضع هذا المشروع في قالب سلبي من قبل بعض وسائل اعلام يخلق مناخاً غير ايجابي، ويضع المستثمر والحكومة في وضع حرج لارضاء الرأي العام، ومن الطبيعي ان ذلك التوجه لا يخدم المصلحة العامة، ويشكل عائقاً على المستثمرين الأجانب الذين من المفترض تحفيزهم للاستثمار في مصر "الحبيبة"! او بكلام آخر، اذا خرج الوليد من مصر خرج معه معظم المستثمرين الأجانب، ولا حول ولا قوة إلا بالله. على ان استثمارات الأمير الوليد في "مصر الحبيبة" ليست ذات طابع اقتصادي تماماً، بل هي في تقديري تدخل في باب "التنوع والتنويع" على الأقل ضمن استثماراته الافريقية التي تكاد تجعل من الأمير رئيساً فخرياً للاتحاد الافريقي، كما سبق القول في معرض الحديث عن ميله الى "الزنوجة"! او هي، ربما، تمثل نوعاً من التوازن ضمن ما يسمونه في المواسم الديبلوماسية الاميركانية "عملية السلام" في المنطقة. ومن ذلك، مثلاً، ما تردد عن عزم الأمير الوليد ومن ضمن استثماراته السياحية العالمية النطاق على اقامة فندق فخم على البحر المتوسط في فلسطينالمحتلة منذ العام ثمانية وأربعين، عام النكبة. ولهذا الخبر قصة، كانت بطلتها صحيفة "يديعوت احرونوت" المفضلة عند مصانع المعلومات في الدولة اليهودية، والمحسوبة على الوسط السياسي بين "العمل" اليساري و"الليكود" اليميني، والمناهضة، للتطرف الديني. فقد كشفت هذه الصحيفة ان الوليد بن طلال "يحتل المرتبة الثامنة في قائمة اغنى اغنياء العالم لهذا العالم" يجري اتصالات مع جهات اسرائيلية تهدف الى بناء فندق على شاطئ تل ابيب. وقالت في تقرير لمندوبها الاقتصادي عوفر بيترسبورغ ان الحديث يدور حول مشروع تشارك فيه عائلة ابو العافية، وهي من مدينة يافا، وتملك عقاراً في شارع هربرت صموئيل على شاطئ تل أبيب. وبحسب المخطط المرسوم سيقام فندق مكون من ثمانية طوابق، ويحتوي على مئة وخمسين غرفة وستة عشر جناحاً. وأضافت الصحيفة ان مهندسين، احدهما عربي يلازم الوليد بن طلال في جميع مشاريعه ويدعى باسل البيطي، والثاني مهندس سابق في بلدية تل ابيب يدعى عزرا غودوفيتش، تقدما من لجنة التخطيط في البلدية بملف يحتوي على جميع الخرائط العائدة لهذا المشروع، مع مجسم للفندق المذكور بكل تفاصيله. من جهتها رفضت عائلة ابو العافية الحديث عن هذا المشروع، لكن واحداً من ابنائها ويدعى خميس قال في وقت لاحق للقسم العربي في الاذاعة الاسرائيلية انه بعد ان تتم المصادقة النهائية على المشروع، فانه سيقوم بالافصاح عن العديد من جوانبه. وقالت "يديعوت احرونوت" انه على الرغم من ان اسم الوليد بن طلال لا يُذكر في وسائل الاعلام، الا انه وفق مصادر مطلعة، شارك في بناء فندق "الفور سيزونس" في القدس، وها هو يستعد ل"فور سيزونس" آخر في تل أبيب. وتجدر الاشارة هنا الى ان الوليد بن طلال يملك حصة الاسد في السلسلة العالمية لفنادق "الفور سيزونس" وملحقاتها الاستجمامية والسياحية في القارات الخمس. بعد اربعة أيام من قصة "يديعوت احرونوت" تحرك مكتب الوليد بن طلال في الرياض، وأصدر هذا البيان، الذي وزع على الصحف العربية، ولم تبرزه الا "النهار" في بيروت. يقول البيان: "ان الخبر المنشور في جريدة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية هو خبر مغلوط و لا أساس له من الصحة ونود ان نشكر جميع الجهات الاعلامية على متابعتها لأخبار شركة "المملكة" القابضة ورئيس مجلس ادارتها صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال، ونأمل التحري عن صحة أي خبر ذي طبيعة حساسة قبل نشره للحفاظ على الصدقية الاعلامية وذلك عن طريق التواصل مع المكتب الاعلامي لشركة "المملكة" القابضة عن طريق ارسال فاكس على هاتف رقم: 0096612111205 أو البريد الالكتروني: [email protected]. وبهذا نؤكد ان شركة "المملكة" القابضة التي من اهتماماتها دعم خطة السلام في الشرق الأوسط تعني في قراراتها الاستثمارية ان تتوافق مع سياسة المجتمع الدولي للتوصل الى السلام الشامل في المنطقة الذي ينشده العالم بأسره والوطن العربي خصوصاً". انتهى البيان الذي ذُيل بخاتم "المملكة" من دون توقيع! واعترف انني ذهلت بالخبر القصة، اكثر مما ذهلت بالنفي، لأنه ربما كان اول مشاركة عربية مباشرة في استثمار داخل الأرض التي اغتصبها العبرانيون قبل ستين سنة. ذلك انني اعرف ان هناك استثمارات كثيرة غير مباشرة بالشراكة بين رجال اعمال من العرب وأقرانهم من اليهود في الغرب او من العبرانيين في الشرق. فهناك متمولون من العرب يشترون ويبيعون اسهم وسندات شركات عبرانية مسجلة في فلسطينالمحتلة ومدرجة اسهمها في بورصة نيويورك وغيرها من البروصات الغربية. وهناك ايضاً متمولون من العرب يستثمرون في مشاريع مع متمولين من اليهود الغربيين، كما فعل الوليد بن طلال نفسه بشراكته مع الشقيقين الكنديين رايخمان في مشاريع الدوكلاندز في "جزيرة الكلاب" في شرق لندن، على مرمى حجر من مكاتبنا في "سوراقيا"، حيث حقق الأمير الوليد من ذلك الاستثمار أرباحاً قياسية. او كما فعل بعض رجال الأعمال المشرقيين ايضاً الشراكة مع المستثمر اليهودي العراقي المعروف جاك دلاّل خلال فترة الثمانينات، او مع المصرفي اليهودي اللبناني ادمون صفرا الذي قضى نحبه محترقاً في شقته المحصنة في مونتي كارلو، على الرغم من حراسة مكثفة كان يتولاها رجال من الكوماندوس او الموساد المدربين في الدولة اليهودية! لكن هذا النوع من العلاقات او المشاركات بين رجال الأعمال والمتمولين العرب وبين نظرائهم من العبرانيين واليهود، داخل فلسطينالمحتلة و خارجها، وهو توجه قادته "مصر الحبيبة" في صلحها التطبيعي مع العدو العبراني قبل اربعة عقود، وانخرط فيه كثيرون من وزير خارجية خالع ابيه في قطر، الى محمد علي العبّار في امارة محمد بن راشد المكتوم في دبي، لم يعد يثير استغراب او استهجان احد من العرب الذين تطبعوا بطوابع العبرانيين من غير ان يرف لهم جفن، وبعضهم من غير ان يدري! ولست أقصد بذلك ان الأمير الوليد هو من رواد التطبيع مع العدو، لكنني قصدت ان المناخ السائد في عالم المال والاستثمار والأعمال ضاعت فيه الفوارق وغابت عنه السدود والقيود، وهو المناخ المعروف باسم "العولمة"، تشكلت فيه قواعد جديدة للعبة لا تسمح بما كنا نسميه في السابق "المقاطعة العربية" التي ما زالت مكاتبها قائمة في دمشق، لكنها عاطلة عن العمل تقريباً! هذه العولمة المانعة للمقاطعة، لم يكن الوليد بن طلال فارسها الوحيد، حيث ارتفعت به المراتب على درجات سلمها الى المراتب الأولى. ومع ذلك، فان هناك من تفوق عليه فيها وسبقه الى مراتبها المتقدمة مثل رجل الأعمال اللبناني الأصل كارلوس سليم الحلو الذي يكاد يحتل المرتبة الأولى بين اكبر أغنياء العالم! ومع ذلك تبقى للأمير الوليد نكهة خاصة لأن سليم الحلو من بلدة بعبدا ليس جده رياض الصلح، وليس جده الآخر عبد العزيز آل سعود. ومما يزيد على هذه النكهة، نكهة اخرى، ما تضمنته مقابلة مطولة اجرتها مجلة "فوربس" الأميركية مع نجل الوليد بن طلال الوحيد، الأمير خالد بن الوليد "ثمانية وعشرون عاماً". قال لتلك المجلة، ذات السمعة العالمية، والتي لا همّ لها سوى هموم اصحاب المليارات، "انه يقوم بتطوير العلاقات بين والده وبين الدولة العبرية". من جانبنا: لا تعليق،لأن الأمور كلها معلقة على الوليد بن طلال، بطموحاتها وآمالها وأحلامها وآلامها... لا على ما تكتبه عنه تلك الاقلام المحسوبة عليه، وهي أقلام كما اسلفنا لا تجيد الا التقبيل على الوجه كما على القفا، تنطق باسمه وتعمل من اجله، وتعمم صوره التماساً لرضاه! نجّنا يا الله من تلك القبلات رأفة بمبادئنا وسلوكنا حتى نبقى على صداقتنا له... وله وحده. نحن نكشف بصدق وصراحة ما نرى ان لا فائدة من التعتيم عليه، وننتقد من موقع الرغبة في تقويم الاعوجاج، حتى عند الأقربين الينا والى "سوراقيا". ونوالي موالاة الاحرار الملتزمين بالحرية، لا بغيرها كما حال غيرنا... ونعارض معارضة الحق للباطل، ولا نقول كلمتنا ونمشي على ما هو دارج بل نقول كلمتنا ونكررها مثنى وثلاث ورباع، حتى تفعل فعلها، ويقع وقعها وتُعطي دفعها... فهلا سمعت يا أمير؟