ليس فقط تحدي تشكيل الحكومة الجديدة بأغلبية مريحة ما يقف في وجه عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف، ضمن مشاوراته التي تتجه إلى استغراق زهاء شهرين، ولكن أيضا تحديات الهندسة الحكومية وتوزيع الحقائب الوزارية بعد الإعلان عن فريقه الحكومي المرتقب. وعلى الرغم من تحذير الملك محمد السادس في "خطاب داكار" من تحويل الحكومة إلى غنيمة انتخابية تقسم وفق المنطق العددي، فإن الأحزاب المشاركة في الحكومة، والتي يرتقب أن تكون بخمسة أو ستة أحزاب، ستحاول التفاوض باستخدام كافة الأوراق السياسية للظفر بحقائب وزارية هامة كمّاً وكيفاً. ويستعد رئيس الحكومة المكلف لإجراء لقاء جديد مع عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، بعد عودته إلى أرض الوطن قبيل الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يوم الاثنين المقبل؛ وذلك عقب جولته في بعض الدول الإفريقية ضمن الوفد المرافق للملك. وأفاد الدكتور محمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، بأن الحكومة المقبلة تواجه مجموعة من التحديات الأساسية، منها ما يتعلق بهندسة الحكومة؛ حيث تطرح مجموعة من الأسئلة المتعلقة بعدد القطاعات الحكومية، ومعايير تصنيفها واعتمادها، والشروط الواجب توفرها في من سيتولى تدبيرها. ولفت مفيد، في تصريح لهسبريس، إلى أن نجاح الحكومة المقبلة لا يرتبط فقط بمجرد إخراجها إلى حيز الوجود، بقدر ما يتعلق أساسا بنوعية النخب التي ستشارك فيها، ومدى توفر الانسجام بين مكوناتها، وطبيعة السياسات العمومية التي ستتولى إعدادها وتنفيذها، ونوعية المقاربات التي ستعتمدها في علاقاتها مع مختلف المؤسسات الدستورية. وبالنظر إلى طبيعة المشاورات التي يجريها حاليا رئيس الحكومة المكلف مع مختلف الأحزاب السياسية، يرى الأستاذ الجامعي أن هاجس "الاستوزار"، والحصول على أكبر عدد ممكن من الحقائب الوزارية، مطروحان بحدة لدى مجموعة من الأحزاب السياسية التي ستشارك في الحكومة. مفيد توقع أن يؤدي هذا الوضع إلى "تعدد الوزارات والوزراء، رغم أن المغرب خصوصا في الظروف الحالية لا يحتاج إلى عدد كبير من الوزراء، بقدر ما هو محتاج إلى كفاءات حقيقية تسند لها إدارة وتدبير قطاعات حكومية مكتملة"، مردفا أن "منطق الترضيات سيكون حاضرا بشكل كبير". وذهب المحلل إلى أنه "من مسؤولية رئيس الحكومة المكلف العمل على تقليص عدد الوزراء، والقطاعات الحكومية؛ وذلك بغية ضمان الحكامة والعقلانية في التركيبة الحكومية، وأيضا بهدف ضمان الانسجام بين مكوناتها والفعالية والنجاعة في حصيلتها"، على حد تعبيره. بدوره سجل الدكتور محمد نشطاوي، أستاذ بجامعة مراكش، تأخر تشكيل الحكومة الجديدة، في ظل تباعد الرؤى بين الحزب الفائز، ومعه حزبا التقدم والاشتراكية (12 مقعدا) والاستقلال (46 مقعدا) من جهة، وحزبا الأحرار (37 مقعدا) والاتحاد الدستوري (17 مقعدا) من جهة أخرى، ثم الاتحاد الاشتراكي (20 مقعدا). وأورد نشطاوي، في تصريح لهسبريس، أن حزب العدالة والتنمية حصل على المرتبة الأولى، لكنه غير قادر على تشكيل الحكومة إلا إذا شاركه إياها حزب التجمع الوطني للأحرار، ومعه حزب الاتحاد الدستوري أو حزب الاتحاد الاشتراكي؛ لذلك فهما يعيان جيدا أنه بدونهما لا يمكن تشكيل الحكومة. ورجح المحلل ذاته "تدخل الملك محمد السادس لتسهيل المشاورات دون التدخل في تفاصيلها"، مبرزا أن "كل طرف يعي جيدا ما يريده الطرف الآخر، لاسيما طبيعة وعدد الوزارات التي يتفاوض بشأنها"، قبل أن يؤكد أن هذه المشاورات ستؤدي لا محالة إلى التراضي حول "وْزيعة المناصب".