إذا كان المغرب - كما هو معلوم- قد تقدّم رسميا بطلب العودة إلى الاتحاد الإفريقي، من أجل استرداد عضويته في هذا المنتدى القاري؛ فإن هذا التوجه أصبح يثير غبار المخاوف في عدد من الدول، خاصة دول الجوار. ومبعث الخوف لدى لهذه الدول هو أن المغرب أصبح يعطي إشارات واضحة توحي بأنه شرع في السير نحو آفاق رحبة ومستقبل يعد بقارة إفريقية أكثر ازدهارا ونموا من أجل رفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة وفي سبيل خدمة القضايا الإفريقية، خاصة بالنسبة إلى البلدان التي تشهد تباطؤ مؤشرات التنمية المرتبطة بنقص الاستثمار الأجنبي وتباطؤ حركة التجارة فيها. ونظرا للزيارات الملكية الناجحة لعدد من البلدان الإفريقية، والتي تندرج في إطار تحضير عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والتي امتدت إلى دول كانت إلى أمد قريب تعد من بين القلاع العتيدة للبوليساريو كان آخرها الزيارة التاريخية الحالية للجمهورية النيجيرية أحد أكبر معاقل البوليساريو بهدف إعادة الروح مجددا للعلاقات الثنائية معها، خاصة أن هذه العلاقات اتسمت بنوع من الجمود منذ انسحاب المغرب من الاتحاد الإفريقي. إذن، فالجولات الملكية تنبئ بعودة قوية للمغرب إلى الساحة الإفريقية. كما أنها أصبحت تثير مكامن الخوف لدى بعض الدول، خاصة الأنظمة المنغلقة على نفسها، وتحبس أنفاس بعض الجهات المناوئة للمغرب؛ وفي مقدمتها الجزائر التي أصبحت تبدي بعض التوجس كون هذه العودة سوف تعصف بتحالفاتها القائمة، ومن شأنها أن تعيد تشكيل الخريطة الجيوستراتيجية الإقليمية والقارية وأن تبوئ المغرب مكانة مرموقة بين دول القارة وسيكون لها بالغ الأثر في خلخلة المشهد الإفريقي الحالي وتفكيك بنيته نظرا لما أصبح يمثله المغرب من أهمية ووزن اقتصادي وسياسي وروحي في إفريقيا. غير أن هذه العودة لا تعد مكسبا في حد ذاته أو انتصارا ذا أهمية إذا لم يتبعه طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي؛ فالمسألة، إذن، تتطلب مزيدا من العمل وتسخير كل الإمكانات والطاقات في سبيل تعديل القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي والذي يظل الحل الوحيد المتاح لتحقيق الغاية الأولى والتي ينبغي أن تكون على رأس الأولويات، وهي طرد البوليساريو من الاتحاد. فالمسألة، إذن، لا تقبل أنصاف الحلول، كما أن الأمر لن يكون سهلا؛ لكنه في الآن نفسه ليس مستحيلا إذا علمنا أن مراجعة الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي لا يتطلب سوى أصوات 36 دولة، أي ثلثي الدول الأعضاء ليتم تعديل مقتضياته. وإذا علمنا أيضا بأن المغرب ضمن، إلى حد الآن، تأييد 28 دولة قدمت في وقت سابق ملتمسا لتعليق أية مشاركة للبوليساريو في أنشطة أجهزة الاتحاد الإفريقي يبقى على المغرب أن يضمن تأييد 8 دول إفريقية أخرى من أجل استكمال النصاب القانوني اللازم لتعديل القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي. لهذه الغاية يجب التركيز على الدول التي سوف يسهل استقطابها وجلبها إلى دائرة الدول المؤيدة. يشار إلى أن الاتحاد الإفريقي لا يتملك النفوذ لطرد أي بلد عضو أو تجميد العلاقات الدبلوماسية معه، نظرا لأن ميثاقه التأسيسي لا يتضمن أية مادة تتيح طرد أي عضو من الأعضاء. لذا، فطرد البوليساريو لن يتم إلا عن طريق تعديل هذا الميثاق في أقرب الآجال. وإذا كانت غالبية الدول الأعضاء قد أبدت موافقتها على طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، فماذا عن الدول الأخرى التي لم تساند هذا الطرح؟ وكيف السبيل إلى حشد دعم تلك الدول لتحقيق النصاب القانوني؟ يمكن، إذن، تقسيم مجموع الدول الإفريقية ال53 المعترف بها من قبل الأممالمتحدة إلى ثلاث مجموعات كما يلي: أولا- الدول المؤيدة لطرد البوليساريو: (28 دولة)، وهي الدول الموقعة على ملتمس طرد البوليساريو. ونجد في هذه المجموعة كلا من الغابون، بنين، بوركينا فاسو، بوروندي، الرأس الأخضر، جزر القمر، الكونغو، كوت ديفوار، جيبوتي، إريتيريا، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، ليبيريا، ليبيا، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساوتومي، السنيغال، السيشل، سيراليون، الصومال، السودان، سوازيلاند، الطوغو وزامبيا. ثانيا- الدول المحايدة: (14 دولة)، وهي الدول التي سحبت اعترافها بالبوليساريو؛ ولكنها لا تنتمي إلى المجموعة الأولى، أي أنها لم تبد رغبتها في طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي. ونجد في هذه المجموعة كلا من تانزانيا، مدغشقر، تشاد، مالاوي، كينيا، تونس، موريتانيا، مصر، مالي، النيجير، الموزمبيق، الكامرون، جزر موريس، السودان الجنوبية. وهذه الدول وإن كانت لا تعترف بالبوليساريو إلا أنها تبدي نوعا من التعاطف مع هذا التنظيم؛ بالرغم أن عددا من هذه الدول قد أبدت مؤخرا بعض الإشارات الإيجابية نحو الاعتراف بحق المغرب في أرضه، خاصة بعد الزيارات الملكية الناجحة لبعض من هذه البلدان. ثالثا- الدول التي تعارض طرد البوليساريو: (11 دولة)، وهي الدول التي لا تزال تعترف بالبوليساريو. ونجد في هذه المجموعة: الجزائر، جنوب إفريقيا، نيجيريا، زيمبابوي، أنغولا، بتسوانا، إيثيوبيا، ليسوتو، ناميبيا، رواندا، أوغاندا. وهذه المجموعة تعتبر الجناح المتشدد في إفريقيا، إذ تضم أشرس وأعتى المدافعين عن البوليساريو؛ وفي مقدمتهم الجزائر وجنوب إفريقيا. ووفقا لهذا التقسيم ثلاثي الأبعاد فإن العمل يجب أن ينصب على البلدان المصنفة في المجموعة الثانية والتي لها موقف محايد ولديها قابلية أيضا لتغيير موقفها من أجل اكتسابها إلى صف المغرب كتانزانيا، مدغشقر، كينيا، الكامرون، النيجر، جزر موريس والموزمبيق....؛ وذلك عن طريق فتح قنوات الحوار والتواصل وتعزيز سبل الشراكة معها في إطار لجن للتنسيق والعمل المشترك هدفها تقريب وجهات النظر وبلورة موقف موحد يخدم المساعي المغربية ويدفع بالمصالح المشتركة بين هذه الدول إلى الأمام. كما أن بعض هذه البلدان، خاصة الفرنكفونية منها كمدغشقر وتشاد والكامرون والنيجير وجزر موريس، من المفروض أن تكون ضمن المجموعة الأولى بالنظر إلى قربها من المغرب لغويا وثقافيا؛ لكن الأمر لم يكن على النحو الأمثل، فهذه الدول لم تؤت ما كان مأمولا منها نظرا لأن العلاقات الدبلوماسية معها لا ترقى إلى المستوى المطلوب. أما بالنسبة إلى الدول العربية المغاربية التي تنتمي إلى هذه المجموعة (تونس، موريتانيا وكذلك مصر) والتي كعادتها تبدي موقفا مترددا يتراوح ما بين الدعم المعلن والضغينة المبطنة فإن علاقات المغرب مع هذه الدول تطبعها موجات المد والجزر؛ الشيء الذي ينم عن حدة الصراع الجيوستراتيجي غير المعلن حول الزعامة الإقليمية الذي يميز هذه العلاقات. ونظرا للطابع التنافسي الذي يطبع علاقات المغرب مع هذه البلدان فإن السبيل الوحيد لكسب تأييد هذه الدول في مقبل الأيام يبقى هو العمل على فرض هيمنة المغرب على المنطقة عبر الرفع من مستوى الناتج الداخلي الإجمالي الوطني لجعل بلادنا قوة اقتصادية ومالية وازنة وترسيخ الدور الريادي للمغرب في مجال استقطاب رؤوس الأموال المنتجة. عندئذ سيقول المغرب كلمته في المعادلة الإستراتيجية في المنطقة، وسيكون بمقدوره تطويق وبسط هيمنته على المواقع الجيوستراتيجية المتعلقة بالمداخل الاقتصادية والاستثمارات. أما الدول المعارضة التي لا تزال تعترف بالبوليساريو فهذه الفئة تتطلب مجهودا خاصا وعملا جاد؛ وذلك عن طريق فرض مزيد من الضغوط عليها من أجل استمالتها، وكذا عبر بلورة إستراتيجيات محكمة متعددة الأبعاد وذات أهداف جيوستراتيجية وأجندات محددة على المدى المتوسط تروم التغلغل الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي في هذه البلدان بغية دفعها إلى مراجعة موقفها؛ غير أن هذا العمل قد يأخذ وقتا أطول، ويرتبط ذلك بمدى قابلية هذه البلدان للانخراط في النموذج التنموي الذي يقترحه المغرب. كما أنه من الممكن، في إطار هذه المجموعة وبهدف الحصول على نتائج آنية وملموسة، اختيار البلدان الصغيرة التي سيكون من السهل استقطابها وكسب تأييدها في أقرب الآجال كمثلا: رواندا، أوغندا، ليسوتو.. وفي الأخير، يبقى الهدف المنشود هو الدفع بالعلاقات المغربية مع كافة الدول الإفريقية إلى آفاق رحبة؛ لأن هذه البلدان أصبحت اليوم بعكس الماضي مستعدة للانفتاح على محيطها نظرا: لأنها أصبحت تساير المتغيرات الجيوستراتيجية على الصعيدين الدولي والإقليمي والتي تفرض تحديات كبيرة على اقتصاديات هذه البلدان؛ لأنها كذلك باتت تعتقد أكثر من أي وقت مضى بل أصبحت لها قناعة راسخة بأن المغرب أصبح قوة اقتصادية إقليمية وقارية وازنة ومؤثرة ورقما فاعلا لا يمكن تجاهله في الساحة الإقليمية والدولية ونموذجا جاذبا يحتذى به في ظل الصراعات التي تعرفها المنطقة؛ ولأنها، وفي إطار لعبة المصالح العالمية الحالية، تبدو، وعلى نحو متزايد، في حاجة ماسة إلى شريك قوي من أجل تعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية.