ينطلق الفيلم بهذا التحدي: هناك، من جهة، ضعف كبير في الوعي لدى الجمهور العالمي بأزمة المناخ ومن جهة أخرى تشاؤم كبير لدى سفير الأممالمتحدة للسلام "ليوناردو دي كابريو" في إمكانية ايجاد حلٍّ للأزمة. ينضاف إلى ذلك تهجّم الإعلام الذي وصف "دي كابريو" بالساذج ونعت ازمة المناخ بأكبر خدعة انطلت على الشعب الأمريكي. يقول مذيع على قناة: "ليس هناك أفضل من نجمٍ هوليوودي دون أي تدريب علمي لكي يُثقف قادة العالم حول أزمة المناخ المتخيلة ". يجبرنا هذا التحدي على التحرك عبر ثلاث مستويات: أولا، رفع الوعي لدى الشعوب لكي يضغطوا على القادة لاتخاذ قرارات بشأن أزمة الاحتباس الحراري قبل فوات الأوان. ثانيا، اقناع السفير المتشائم "دي كابريو" عبر مراحل وحوارات مع شخصيات عبر العالم بإمكانية إيجاد حلّ للأزمة. ثالثا، محاربة اللوبي المستفيد من الوقود الأحفوري واستمالة وسائل الإعلام. يُسهّل علينا "دي كابريو" المهمة ويُذكرنا أن وعيه بالمشكلة قديم وليس حديثا إذ سبق له ان شارك في فيلم "ديريفنانت (العائد)" وهو فيلم تجري أحداثه في الحدود الغربية للولايات المتحدةالأمريكية في عام 1800، عام فجر الثورة الصناعية، ويفضح سلوك الرجال الذين نهبوا الطبيعة وقضوا على المخلوقات الحية ودمروا حضارات الشعوب الأصلية. الفرق بين زماننا وزمن أولئك الرجال المستكشفون هو أنهم كانوا لا يَعون خطورة ما كانوا يقومون به. أما نحن فإننا نقوم منذ ما يزيد عن 50 سنة بنفس الشيء لكن عن وعي كامل بتدمير المناخ على نطاق واسع وبوتيرة فظيعة. يتساءل "دي كابريو" عن أهم أسباب أزمة المناخ؟ يجيبه أحد الخبراء: " الوقود الأحفوري، أي الفحم والنفط والغاز الطبيعي." يتوجه إلى كندا ليرى تداعيات نشاط شركة لتقطير الرمال النفطية. يري أنها قد حطمت قمم الجبال ودمرت الغابات وسممت الأنهار وقضت على الحياة البرية وهجَّرت المجتمعات المحلية. فيتذكر أول لقاء له ب "آل غور"، نائب الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون"، الذي نبهه إلى أن الاحتباس الحراري هو أهم قضية في عصرنا الحالي، إذ سيؤدي ازدياد مستوى ثاني أوكسيد الكربون في الجو إلى ذوبان الغطاء الجليدي القطبي وارتفاع مستوى البحار واختلالات خطيرة في الطقس: فيضانات مهولة، جفاف وحرائق في الغابات. كان كل ما قاله "آل غور" حقيقي ويحدث الآن. يبقى فقط أن نعرف إلى أي مرحلة وصلنا وما مدى الخراب الذي قمنا به، وماذا يمكننا القيام به لإيقاف تدهور الوضع. للجواب على هذا السؤال ينتقل "دي كابريو" إلى المنطقة القطبية الشمالية ويلتقي بأحد أبناء الشعب الأصلي الذي يعيش في تلك المنطقة. أخبره ذلك الشخص بأن الجليد يتناقص بشكل خطير ويذوب بشكل أسرع من ذي قبل. أكد له ذلك عالِمٌ جغرافي الذي أضاف قائلا بأنه في سنة 2040 سيكون بالإمكان الإبحار في القطب المتجمد، إذ سينقرض الجليد وسيحدث تحول بيئي دراماتيكي. ثم نرى "دي كابريو" في واشنطن كرئيسٍ ليوم الأرض لعام 2000. يقابل بتلك الصفة رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية "بيل كلنتون". يسأل عن سبب التجاهل الذي يلف باستمرار قضية أزمة المناخ فيجيبه "كلينتون": "أعتقد ان تغير المناخ يستغرق وقت طويل حتى يشعر به الناس، والحديث عنه الآن يبدو أشبه بالثرثرة". لكن لم تلبث أن بدأت الأمور تتدهور نحو الأسوأ بشكل دراماتيكي. بدأت "جرين لاند" تختفي، وأصبح جنوب ولاية فلوريدا بكامله مهددا بالغرق نتيجة ارتفاع مستوى البحر في الوقت الذي مُنِع مسؤولو تلك الولاية من استعمال عبارة "التغير المناخي". لم يقتصر المنع على السياسيين فقط وإنما تجاوزهم ليطال العلماء. فها هو عالم المناخ "ميشيل أي مان" يؤكد ان نشاط الإنسان هو السبب الرئيسي في التغير المناخي. صرح بأنه أعد مع مجموعة من زملائه دراسة على تغير المناخ تهُمُّ ملايين السنين فلاحظ أنه في العقود الأخيرة حصل ارتفاع مباغت، لا سابق له، في درجة الحرارة وسمَّى ذلك الارتفاع ب "عصا الهوكي". أضاف أنه بمجرد نشره تلك النتيجة تمت مهاجمته بحيث وصفه الاعلام بالدجال الإحصائي، بل وصل الأمر إلى تهديده بالقتل. إنه خوف وكراهية منظمان من طرف بعض اللاعبين المستفيدين من الوقود الأحفوري وهم الآن بصدد تمويل حُجرة تتردد فيها اصوات تُنكر التغير المناخي، إنها أصوات تقود إلى الضلال باسم أرباح الوقود الأحفوري القصيرة المدى لنحصل في اخر المطاف على كوكب فاسد. هذا بالنسبة لأمريكاوكندا. ماذا عن باقي العالم؟ الواقع هو ان مسألة تغير المناخ كانت معروفة منذ 50 سنة. ماذا لو تم الأخذ بعين الاعتبار "عِلم تغير المناخ" منذ ذلك الوقت؟ لم يتم القيام بشيء في الوقت الذي ازداد فيه عدد البشر ب 5 مليارات نسمة واستفحلت أزمة المناخ على المستوى العالمي. لقد أصبحت الصين أكبر مُصنع وأول ملوث في العالم. في هذا البلد الأسيوي العملاق يوجد لدى الشعب مخاوف من الاستهلاك الكبير للوقود الأحفوري الذي يُسبب نتائج مباشرة ويومية كالضباب الدخاني. أصبح استعمال الكمامات سلوكا تلقائيا. يريد الصينيون حلا عاجلا للمشكلة. أصبحت الآن القضايا البيئية أكبر سبب للتظاهرات الحاشدة وتُطالب بوضع خارطة بيانات وطنية بخصوص معدلات التلوث ومحاسبة الصناعات المسؤولة عنه بكل شفافية. لقد أدى الوعي الشعبي إلى سياسة حكومية داعمة لتنمية النباتات ولتطوير الطاقات المتجددة. الأمر مختلف في الهند، في ثالث أكبر باعث للتلوث في العالم، إذ هدف التنمية في هذا البلد هو بالأساس إخراج الناس من الفقر. التحدي هو إذن أن يَلج كل مواطن الى الطاقة الكهربائية وهو تحدٍّ يساوي في أهميته تحدي تغيّر المناخ بحيث أن أكثر من 300 مليون مواطن هندي محروم من الكهرباء وهو عدد يساوي عدد سكان أمريكا. في القرى الهندية نجد رَوْث البقر هو المصدر الوحيد لطاقة الطهي. لتزويد الجميع بالكهرباء، يشترط الخبراء أن يكون المصدر رخيصا، أي يجب الاعتماد على الفحم الحجري. لكن يحلو للبعض أن يقول: لا يجب على الهند ان تُكرر نفس المشكل، لا ينبغي أن يتحول الفقراء من الطاقة البيولوجية إلى الطاقة الأحفورية، يجب ان يمروا مباشرة إلى الطاقات المتجددة. اعتراض في غير محله، إذ لو كان الأمر بهذه السهولة لماذا إذن ترفض أمريكا التحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة الشمسية؟ على الأمريكيين أن يكفوا عن إعطاء الدروس وعليهم أن يطبقوا ما يدعُون إليه، عليهم تنفيذ ذلك التحول وإلا سوف يؤدي مستوي استهلاكهم للوقود الأحفوري إلى إحداث ثقب في الكوكب. الحل ليس في تغيير نمط العيش الحديث لكن في الاستثمار في الطاقات المتجددة. مراكمة الاستثمار في تلك الطاقات سيؤدي إلى انخفاض ثمنها. هذا الاستثمار، الصعب والعالي التكلفة، لابد ان تكون أمريكا سبّاقة إليه لكي تثبت للعالم انها لم تبقى مُدمنة على الوقود الأحفوري. لهذا لا يجب ان ننتظر من حكومة الهند ان تحارب الفقر اعتمادا على الطاقات المتجددة لسبب بسيط هو ان سعر الكهرباء سيزداد ارتفاعا، وعوض ادماج مزيد من الفقراء في الشبكة الكهربائية سيتم اقصاء عدد كبير من المشاركين فيها. البعض غني بما يكفي لتحمل الصدمة الأولى من التغير المناخي لكن فقراء الهند وفقراء افريقيا وفقراء بنغلاديش هم من يتأثرون الآن بما يمكن ان نسميه العلامات الأولى لذلك التغير. الهطول الغير الطبيعي للأمطار يؤدي الى اتلاف محاصيل الفقراء الذي بدلو جهدا كبيرا لزراعتها، فتصبح، بالتالي، عملية التنمية معقدة أكثر. نحن بحاجة إلى دُول تؤمن بأن التغير المناخي حقيقة ساطعة، بأنه حالة طارئة سبَبُها الإنسان وليس من نسج الخيال. السؤال المطروح هو هل هناك أداة فعالة نستطيع بها إنقاذ كوكبنا في الوقت المناسب؟ الجواب بسيط وهو فرض ضريبة الكربون على كل نشاط ينشر الكربون في الغلاف الجوي. التغير المناخي ظاهرة مكلفة للغاية وتتطلب أموالا ضخمة لمعالجة اثارها السلبية. ضريبة الكربون ستموّل تلك المعالجة وفي نفس الوقت ستدفع الملوثين الكبار إلى خفض معدل الانبعاثات. المشكل هو أن الحكومات لا تؤيد تلك الضريبة. لكن يمكن فرضها إذا أقنعنا الشعوب بجدواها. عادة نعتبر السياسيين قادتنا المنتخبون لكنهم في الحقيقة هُمْ ليسوا سوى أتباعنا المنتخبون. عندما تقتنع الشعوب حينها سيلبي السياسيون رغبتهم بسرعة. قمة باريس حول المناخ أظهرت مدى وعي البشرية بالخطر المحدق بمصير كوكب الأرض. لقد التقت 195 دولة خلال تلك القمة ووافقت على اتفاقية طموحة بشأن التغير المناخي وهي خطوة كبيرة إلى الأمام، لكن هل هي كبيرة بما فيه الكفاية؟ تعهُّد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائه "دون درجتين مئويتين"، و"بمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية"، هو بالفعل خطوة مهمة. لكن غياب التنصيص فيها على الضريبة على الكربون وعلى عقوبات في حق "جرائم المناخ" يجعل الاتفاقية مفتقرة لأدوات التنفيذ الفعالة. ينتهي الفيلم بالخطاب الجريء الذي وجهه "دي كابريو" الى أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة المصادقة على "اتفاقية باريس" ومِمّا جاء فيه: " نحن بحاجة ماسة إلى تغيير كبير على الفور يؤدي إلى وعي جماعي جديد وتطور جماعي جديد للجنس البشري. نستطيع ان نُهنأ بعضنا البعض اليوم لكن ذلك لن يعني شيئا على الإطلاق إذا عدتم الي بلدانكم وفشلتم في الوفاء بوعدكم لهذه الاتفاقية التاريخية التي توصلنا إليها بعد 21 عاما من المناقشات والمؤتمرات والتفكير. لقد حان الوقت للعمل بدون أي عذر. لا مزيد من الدراسات ولن نسمح لشركات الوقود الأحفوري من التلاعب وإملاء السياسات التي تؤثر في مستقبلنا. إن العالم يشهد الآن، إمّا ستُشيد بكم الأجيال القادمة أو إمّا ستذمّكم. أنتم الأمل الأكبر والأخير للأرض. ندعوكم لحمايتها أو سنكون وجميع الكائنات الحية التي نحبها من الماضي." نتمنى لكوكبنا الأرض حظا سعيدا في "كوب 22" الذي تحتضنه مراكش حاليا.