وأنا أفكر في كتابة هذه الكلمات تبادر إلى ذهني أن أكتب عن معمل الغاز بجوار الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية الذي تنبعث منه الغازات التي يصل مداها إلى قاعات الدرس بالكلية فتلوث الفصل. وذلك انسجاما مع المناسبة العالمية أي اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحروب والصراعات المسلحة(6نونبر) واليوم العالمي للطالب(17نونبر). خاصة والمغرب مقبل على انطلاق الدورة22 لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ(كوب22) بمراكش، مابين7و18نونبر2016. لكن ألح علي موضوع آخر، وأثار لدي سؤال: لماذا تفزع الإنسانية اليوم للخلاص من الأزمات التي تهدد الأنفس والأبدان، ولاتفزع لصد المشكلات التي تهدد الأرواح والأديان؟ فكان المقال الآتي: تخبرك وسائل الإعلام الورقية والرقمية، بما يجري في الواقع من حوادث تتعلق بالأفراد والجماعات والمؤسسات، ومن الأخبار مايأتيك من أفراد محيطك، عن ظواهر اجتماعية، وأوضاع ثقافية، وتصرفات سلوكية غير مرضية، وكثير منها يتطلب التأمل لمعرفة الأسباب والخلفيات،بقصد المساعدة على الحل، ومن هذه الظواهر الاجتماعية السلوك الجنسي خارج نطاق الزوجية بأنواعه المنحرفة والشاذة. هذا السلوك المنتشر في العالم كله غربيه وشرقيه،شماله وجنوبه، يجعلنا نتساءل هل كل بقاع العالم تشترك في الدوافع التي تفضي إلى هذا السلوك؟أم أن لكل مجتمع خصوصياته وعوامله الخاصة لوقوع هذا المشكل أوذاك؟وماهو الحل؟ هناك في الغرب تسمع وتقرأ عن أثرياء يسود بينهم السلوك الجنسي بشكل طبيعي فلا مجال للحديث عن دافع الفقر؛ومؤخرا طلعت علينا الممثلة تيبي هيدرن في مذكراتها بخبر تعرضها للاعتداء والتحرش الجنسي من قبل المخرج البريطاني المشهور بأفلام الإثارة والرعب ألفريد هيتشكوك1،في الغرب ينتشر الشذوذ الجنسي ويتم نقل عدواه الى بلاد العرب من سائحين شاذين مثل قضية راي كون بمراكش. وهنا في بلاد العرب تسمع وتقرأ عن سيدات أعمال ورجال أعمال سقطوا في الخيانة الزوجية. وعن فنانين مشاهير تحرشوا أو اغتصبوا. ومن هذه الملفات ماوصل إلى المحاكم. بل تسمع عن مسؤولين في إدارات ومدراء شركات يتحرشون بالعاملات معهم ويمارسون السلوك الجنسي مع المستخدمات، وقد يستعملون وسيطات ووسطاء للإيقاع بفتيات المدارس والجامعات. زد على ذلك وقائع هتك أعراض أطفال قاصرين من ذكورمنهم من يبلغ العقد الخامس من عمره.وبلغ الحال ببعض من اغتصبوا أن وضعوا حدا لحياتهم مثل فتاة ابن جرير،ومنهم من حاول كفتاة العيون مؤخرا2. ومن مظاهرالسلوك الجنسي الدعارة السرية أو المعلنة. وعندما نتحدث عن الاغتصاب فإنه يشمل اغتصاب الرجل للمرأة واغتصاب المرأة للرجل عندما تقتحم بعنف مجاله السيكولوجي بعريها وتغنجها وألوانها الفاتنة،وفي بلاد العرب ينتشر الشذوذ الجنسي أيضا والغريب أن تتدخل جهات حقوقية وإعلامية وطنية ودولية للتضامن مع المنكر كحالات المثلية التي ضبطت بمراكش،أما زنا المحارم فحدث عن قصصه ولاحرج. الجنس هناك: من بين الأفكار التي روجت في بيئتنا وفي مدارسنا وفي بعض العيادات الطبية النفسية، أن الجنس باعتباره طاقة مادية إذا كبت تحول إلى طاقة مدمرة تورث الأمراض، وإن صرف بهذه الطريقة أو تلك ورث حالة نفسية سوية. ولذلك تجد بعض الأطباء النفسيين يوجهون مرضاهم من الشباب المراهق لممارسة الجنس بحسبانه تجربة علاجية ناجعة. لكن الأستاذ المصري3 عندما رحل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في السبعينيات وجد عكس المعادلة السابقة، فهناك في الغرب الجنس مشاع عندهم ، مما أدى به إلى وصف الظاهرة ب(ديمقراطية اللذة)؛ إذ يكفي أن يحصل التراضي بين طرفين ليمارسا رغبتهما، لكن الذي يحير أن في هذه البيئة ينتشر أيضا الاغتصاب! وعجب لهذا السعار الجنسي الذي تفوقت فيه أمريكا على فرنسا رغم أن فرنسا هي أيضا من أمهات حواضرالحرية الجنسية. هناك في الغرب الإنسان مدمن على الجنس لكن بغير متعة حقيقية، تماما مثل مدمن الخمر الذي يمقت ما يتعاطاه. وخلص البروفسور بعد تأمل فلسفي في الظاهرة إلى أن الإنسان الغربي لم يدرك أن الجنس مسألة إنسانية مركبة خاصة وفردية وأنها مرتبطة برؤية الإنسان للكون وهويته الفردية، وهذا الجهل حرمه من الارتواء الجنسي، وجعله يتصور الجنس تصورا ماديا. إن الرؤية المادية للكون القاصرة على الحياة الدوابية بغير استحضار أو بغير إيمان بغيب وحياة أخرى، يزيد من سعار الجنس لكونه في هذه الحالة تعبير عن الغيب الحاضر، وجنة الدنيا التي تعوض للكافر الجنة الحقيقية المفقودة في وعيه وقلبه. إنه الشعور بالقلق وعدم الطمأنينة يدفعه للانتشاء ببعض لحظات الغيب عن الواقع، وبما أن الإنسان الغربي ألف عدم الثبات فإنه يفر من أي التزامات قد يحملها السلوك الجنسي على عاتقه، لذلك تجده وإن بحث عن الأنس في علاقة حميمية مع إنسان آخر، فإنه لايلتزم معه بتعاقد يرتب عليه واجبات وحقوقا، لأنه يخاف من الارتباط الدائم بالآخر وتبعات ذلك الارتباط،من هنا كان الإجهاز على بنية الأسرة، وبتحطم الأسرة يشتعل أكثر السعار الجنسي، لأن مؤسسة الأسرة هي المجال المثالي لتنظيم صرف الغريزة الجنسية دون كبت أو قمع. أما فيما يتعلق بالشذوذ الجنسي بالغرب فهو التعبير الحقيقي عن مبدإ اللذة النفعي، وهو تعبير عن تزايد الانشغال بالجسد والجنس نتيجة تساقط الأيديولوجيا وانتشار فكر مابعد الحداثة4. إن المرأة الشاذة في الغرب هي الأكثر تحررا في تصورهم لأنها استغنت عن الرجال وحققت بمثليتها الاكتفاء الذاتي، ممايفسر أن الحركة النسوية هي حركة التمركز حول الأنثى. الجنس هنا: بحكم وضع المغلوبية الحضاري، وبناء على المقولة الخلدونية؛ فإن المغلوب مولع أبدا باتباع الغالب، ففي القضية نصيب من التبعية للغرب على المستوى الفلسفي وعلى مستوى التأثير والتأثر الإعلامي، كما أن هناك جذور للمشكلة نصوغها في صورة أسئلة عسانا نعثر على أجوبة؟ هل انتشار السلوك الجنسي في المجتمع العربي ناتج عن الظلم الاجتماعي بسبب الاستكبار الذي يشغل الناس بشهواتهم لإسكاتهم؟ هل انتشار السلوك الجنسي في المجتمع العربي ناتج عن الاستبداد؟ إذ أن مشكلة المستبد أنه يرغب في تأكيد ذاته ضد ذوات الآخرين،عوض تأكيدها بقيم التوصل الإنساني والتضامن؛فتجد الإداري يماطل المواطن أياما لأنه لم ينل منه رشوة، وقد يعرقل قضاء حاجته،وتجده يجتمع بمرؤوسيه ليصب عليهم جام غضبه باستخفاف وتحقير ولايقبل النقد. هل الانشغال بالجنس هو تعبير عن ثقافة استهلاكية تحول الرأسمال المالي إلى جيوب الأثرياء والمترفين؟وانظر إن شئت إلى تجارة الموضة في الألبسة والماكياج تجد الرواج المذهل. خاصة إذا علمنا أن من معايير التشغيل لدى بعض المشغلين في شركاتهم؛(الجمال)،فكيف لاتركض المسكينة وراء مساحيق التلوين لتحضى بالقبول في هذا الشغل أو ذاك. هل الدافع هو لقمة العيش؟ التي تدفع الأنثى لاستغلال أنوثتها من طرف الراغبين بالطريقة التي تسلبها إنسانيتها،وخاصة في واقع البطالة،حيث تخرج الجامعة عندنا أفواجا من البطاليين. وقبل ذلك تستغرق مدة الدراسة سنين من الابتدائي حتى الجامعة،زد على ذلك التقاليد المتخلفة التي تعسر من فرص الزواج، بغلاء المهور، والطمع في الثروة والمال. هل فشو الجنس بسبب ترويج المخدرات من طرف مافيات تجارة المخدرات؟ وهل انتشار الجنس بسبب عدم الاستقرار الأسري؟وهل انتشار الجنس بسبب الانتقام؟وهل انتشار الجنس سياسة؟ لكم الكلمة! أما أنا فقد أثرت الإشكال، ووضعت الأسئلة ليتفاعل القارئ اللبيب مع ما سطر من كلمات لإنضاج الموضوع أكثر، وسأختم بسؤال موجه إليكم! أين يكمن الحل؟؟؟ هوامش: 1 -جريدة العلم عدد23672ص:14. 2 -الأخبار: عدد 1220ص:5. 3 -د عبد الوهاب المسيري،رحلتي الفكرية:233. 4 -رحلتي الفكرية:249. [email protected]