يبدو أن شهية الكتابة باتت تثير عددا من زعماء السياسة في المغرب، فبعد "مقالَي المصالحة" للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، جاء الدور على الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، الذي وقع مقالا باسمه الخاص، وهو يرد على رسالة نارية وجهها له القيادي في "حزب الجرار"، المصطفى المريزق. المريزق: شباط يدفعني إلى التطرف بادر المصطفى المريزق، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى التعقيب على ظهور حميد شباط في برنامج "ساعة للإقناع" على قناة "ميدي 1 تيفي"، بالقول إن الزعيم الاستقلالي وجه "اتهامات مجانية وهجمة انتحارية واستئصالية، من عنف لفظي وكذب وبهتان"، ما دفعه إلى الخروج بعبارات تحريضية من قبيل: "مثل هذا الكلام يحرضني ويدفعني إلى التطرف والراديكالية، والرجوع إلى المواجهة المباشرة معكم كما عرفتمونا سابقا، أو الهروب من جحيمكم وأرض الله واسعة، ومن هناك سنواصل كما تعرفون ذلك"، بتعبيره. وبادر المريزق إلى توجيه كلامه مباشرة إلى شباط بالقول في مطلع الرسالة: "لا يسعدني ولا يفرحني أن أبعث إليكم بهذه الرسالة القصيرة، ورغم ذلك تجدني مضطرا لأقول لكم ما يلي: لم يسبق لي أن تعرفت عليكم إلا مرة واحدة في حياتي، وكانت المرة الأولى والأخيرة، حين بقينا مع بعضنا أسبوعا كاملا نحضر لرئاسة جهة فاسمكناس، بعد أن سحبت ترشيحي لرئاسة الجهة لصالحكم بتوجيهات من قيادة حزبي". واستعمل القيادي في حزب "البام" عبارات ثقيلة وهو يخاطب شباط وحزب "الاستقلال"، حين قال إن الأخير "هو الحزب الذي اتهم أجدادنا بالخيانة لأنهم اعتبروا استقلال المغرب شكليا، وأن جيش التحرير يجب أن يستمر في معاركه من داخل خنادقه حتى تحرير كل مناطق المغرب المستعمرة"، معتبرا أن "حزب الاستقلال هو أيضا الذي قام بتصفية قياداتنا المناضلة في جبالة وفي كل شمال المغرب، كما يشهد على ذلك معتقل دار بريشة السري، الذي شنق وعذب فيه بالحديد والنار عشرات المناضلين من حزب الشورى والاستقلال"، وفق المريزق. وختم القيادي "البامي" رسالته المطولة، والتي توصلت بها هسبريس، بالقول: "لقد عانينا من تجاربكم وسياساتكم وحكوماتكم الأمرين؛ ولازلنا"، مردفا: "المغرب لكل المغاربة ومصلحة الوطن تاج فوق رؤوسنا جميعا، وإذا كنتم تريدون الاستفراد ب90 سنة .. فهي لكم، لكن لن تستطيعوا تضليلنا كما ضللتم من سبقنا، لقد ظلمتمونا ظلما تاريخيا أكثر من ظلم فرعون لقومه، والله لا يهدي القوم الظالمين". شباط: توهّم الحديث باسم اليسار ولم تمض سوى ساعات قلائل على تعميم المريزق لرسالته حتى بادر حميد شباط بالرد من خلال وثيقة تهم ما وصف ب"تصحيح مغالطات التحكم"، موردا، وهو يخاطب قيادي "البام": "تلك اللغة فقدت الكثير من 'بريقها'، وما عادت قادرة على فعل الشيطنة الذي استهدف حزب الاستقلال منذ إعلان الاستقلال إلى وقت متأخر"، ليتابع: "الذي يساهم اليوم في ذبح الديمقراطية لا يمكنه أن يحاضر في المبادئ، سواء قديما أو حديثا"، في إشارة إلى من الأمين العام لحزب الاستقلال إلى التنظيم السياسي للأصالة والمعاصرة. واعتبر شباط أن "حزب الاستقلال لم تكن له إشكالية في طبيعة النظام السياسي القائم على الملكية، بل كان الإشكال بالنسبة إليه هو طبيعة تلك الملكية التي ناضلنا من أجل أن تكون ملكية دستورية قائمة على فصل السلط"، مضيفا: "بينما كان جزء من المدرسة التي تنتمي إليها يقدم نفسه بديلا للنظام القائم، بل أكثر من ذلك كان يبشر الناس بنظام شمولي آخر على شاكلة ما كان سائدا في المعسكر الشرقي وفي عدد من دول العالم الثالث". رسالة حميد شباط، التي تتوفر هسبريس على نسخة منها، لم تخل من مشاكسات لفظية، إذ قال للمريزق: "لا أريد أن أكون قاسيا عليك، لكنني مضطر لكي أصارحك بالحقيقة، وهي أن جزءا من اليسار الذي كنت تنتمي إليه أصبح منذ قرابة عقد من الزمن ضحية لعقدة استكهولم"، ليتابعه بالقول: "إنك تتوهم القدرة على أن تحدثني باسم اليسار، في حين أنك مجرد ذكرى، فيما نعد وتعدون، وأنه جرت مياه كثيرة تحت الجسر". وفي دفاعه عن حزب الاستقلال، خاطب شباط عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة قائلا: "نحن من ظلوا وسط الجماهير رغم أقاويلكم وإشاعاتكم التي صنعها من هم أكثر منكم نفوذا وجاها وسلطة، لكن الواقع عنيد"، موردا أن حزب الاستقلال "ظل شامخا وصامدا على مدى عقود، لأنه حقيقة في ذاته، بينما رحل الأشخاص الذين ناصبوه العداء وهددوا بإعدام زعمائه في مجالس حكومية". وفي تلميح إلى حزب "الأصالة والمعاصرة"، قال حميد شباط أيضا إن "التشكيلات السياسية التي خلقت وأسست لتحجيم حضوره (حزب الاستقلال)، ووضعت في أفواهها ملاعق من ذهب، وتقاطر عليها أشباه المناضلين من اليسار ومن اليمين، انتهت إلى مجرد تنظيمات سياسية عادية استمر انفصالها عن المجتمع"، متابعا هجومه بالقول: "الحقيقة التي ترفضون أن تنظروا إليها هي استحالة قيام حزب يكون في الوقت ذاته حزبا للدولة وحزبا للمجتمع، والحالات الوحيدة التي "نجحت" فيها مثل هذه التركيبة هي تلك الدول التي تعاني اليوم من الحروب الأهلية والانهيار الكلي".