عرف المغرب مشاريع عديدة لإصلاح منظومة التربية والتكوين على المستوى الهيكلي لأسلاك التعليم وعلى مستوى البرامج والمناهج. وقد حصل ذلك وفق الخطابات الرسمية والاستراتيجيات الهيكلية، والتي تجسدت في رؤية ميثاق التربية والتكوين وكذلك من خلال المخطط الاستعجالي، بالإضافة إلى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين ( 2015 – 2030). بحيث يلمس المتتبع للشأن التربوي ما تتضمنه هذه الخطابات من أهداف ومشاريع مؤسساتية وتربوية تستهدف إصلاحا شموليا للمنظومة. بدء من الأكاديميات والمديريات الإقليمية وصولا إلى الإدارة والمدرس، تتعلق بجوانب متعددة من إعادة هيكلة الإدارة إلى تقديم تصورات بيداغوجية تستجيب لرهانات المجتمع المغربي حتى يتمكن من الانخراط في التحولات المعرفية والاقتصادية العالمية. لكن الملاحظ للمتتبع للشأن التربوي أو للمواطن العادي أن واقع التعليم يزداد سوء عن السابق، بمعنى أن الخطابات والرؤى الاستراتيجية ما هي إلا در للرماد في العيون. فالسنة الدراسية 2016/2017 حسب كل المؤشرات عرفت أسوء دخول مدرسي على مستوى الموارد اللوجيستيكية والبشرية، مما أدى إلى احتجاجات غير مسبوقة على المنظومة التعلمية ، بالإضافة إلى تنديد عدة فاعلين ومهتمين بالقطاع على هذه الوضعية الكارثية، نقابات وجمعيات. وذلك في ظل شهور عديدة على موافقة المجلس الأعلى للتعليم على الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التعليم، وما كلّف خزينة الدولة مثل سابقتها من الإصلاحات ( المخطط الاستعجالي) من ميزانية ضخمة لتمويله. وقصد تحليل وضعية التعليم يقتضي تحليلا للوضعية السياسية الساهرة على قطاع التعليم. فإذا كان بعض المسؤليين، سواء في شخص رئيس الحكومة أو في شخص وزير التربية الوطنية، وبعض القابعين في المكاتب الإدارية والبعيدين كل البعد عن قضايا التربية والتعليم، قد أرجعوا في عدة استجوابات أن أزمة التعليم مقتصرة في المدرس، فإن الوقائع الحالية أظهرت بالملموس أنها أزمة سياسية بالدرجة الأولى تتحملها الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة المنتهية ولايتها، لكونها لم تعر قضية التعليم الحق اللازم، بل إن غياب الحوار مع الفاعلين وفرض الأمر الواقع على رجل التعليم، من تعنت مع الأساتذة المتدربين أنتهت إلى تدخلات وحشية في حقهم إلى الإجراءات اللاجتماعية بداعي " إصلاح أنظمة التقاعد" أدت بعدد من العاملين بهذا القطاع إلى التقاعد النسبي، وكذلك بسبب الأوضاع اللاتربوية التى أضحت المدرسة العمومية تعيشها من قبيل الاكتظاظ والإجراءات الوزارية التي حدت من سلطة الإدارة و المدرس في اتخاذ التدابير اللازمة لفرض النظام بالمؤسسات التعليمية. هذه العوامل وأخرى أدت إلى ردود أفعال شخصية للعاملين بالقطاع إلى البحث عن مخارج فردية وفي بعض الحالات لاتربوية زادت بدورها من استفحال أزمة التعليم . إن غياب القرار السياسي الحقيقي الذي يراعي المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية هو المهيمن على أغلب الحكومات التي تعاقبت على مجال التعليم، مع بعض الاستثناءات والتي لم يكتب لها الاستمرارية لأسباب يجهلها الرأي العام (تجربة الاستاذ عبد الله ساعف). حيث أن الغالب هو إغفال البعد الاجتماعي والتربوي للمنظومة و التركيز على ما هو اقتصادي وتقني ، أي في إطار مايعرف بالحكامة، التي تغيب مبادئ تعد رافعات في قطاع حساس كالاعتراف والتقدير والتحفيز للمدرس وكل الفاعلين . فإشكالات التعليم لا تقتصر فيما هو ميكروتعليمي، بل بالأساس إلى ماهو ماكروتعليمي، يتجلى في ضرورة اعتماد مقاربة سياسية تراعي التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والابتعاد عن القرارات الشخصية أو القرارات الخاضعة لإملاءات خارجية تتمثل في الخضوع لقرارات المنظمات الدولية مما يزيد من التبعية ومن تم تأزيم الوضعية الاجتماعية بشكل عام. إن ما يحصل في مجال التعليم لهو مؤشر لرجل السياسة كمسؤول لإعمال العقل والمصلحة الوطنية لاتخاذ قرارات فعلية تراعي الصالح العام، وتقتضي التشاور في جل التدابير المزمع اتخاذها سواء على المستوى التربوي أو التقني حتى يتمكن قطاع التعليم من استعادة بريقه ودوره الفعّال في تقدم المجتمع. ولابد من التنبيه إلى خطورة خوصصة مجال التعليم كمجال حيوي يسهم في تنشئة مواطن يحمل قيم المسؤلية والتضحية، فحتى التقارير الدولية (كتقرير الاممالمتحدة) حدرت المغرب من تنامي ظاهرة خوصصة التعليم . إنها ظاهرة تلغي مبدأ دمقرطة التعليم كرهان لتحقيق الديموقراطية الحقيقية التي تطال كل مجالات الحياة اليومية ولا تقتصر على ديموقراطية الاقتراع . فقد أضحى ظاهرا للعيان نتائج هذا النموذج من التعليم على مستوى القيمي، من نزوح نحو الفردانية المطلقة واللامبالاة للمواطن للشأن المجتمعي والسياسي. وهكذا، يتبن أن الإصلاحات المزعومة لا تتعدى أن تكون مجرد خطابات يتجاوز مضمونها ما يمكن تحقيقه واقعيا، بالإضافة إلى غياب رجل السياسة القادر على اتخاذ القرار بمسؤلية تعيد الاعتبار للمدرسة المغربية وللمواطن المغربي.