تعرف زراعة الأعضاء بكونها عملية نقل عضو من إنسان حي أو ميت إلى شخص آخر بهدف استبدال العضو التالف أو الغائب تمامًا في جسد المتلقي. وتتمثل الأعضاء التي يمكن زراعتها في القلب والكلي والكبد والرئتين والبنكرياس والأمعاء والغدة الزعترية. وتشمل كدلك الأنسجة القرنية والجلد وصمامات القلب والأوردة و العظام والأوتار. تعد زراعة الكلى هي أكثر عمليات زراعة الأعضاء شيوعًا على مستوى العالم. و تعد عمليات زرع الأعضاء البشرية بمثابة طوق نجاة لفئة كبيرة من ضحايا الأمراض المزمنة، و الدين يعيشون مُسلسلات طويلة من المعاناة، فمنهم من أجهدته عمليات تصفية الدم المؤلمة بسبب فشلهم الكلوي و آخرون يعانون من ضعف البصر نتيجة لتضرر قرنياتهم، و آخرون أنهكتهم مضاعفات تليف الكبد، دون أن ننسى ضحايا عوز النخاع العظمي . فقط هم قلائل من أسعفهم الحظ لينجوا من براثين الأمراض المزمنة و العلاجات الترقيعية من "دياليز" و طوابيره، و أدوية مسكنة و جراحات مهدئة. إد أن عمليات زراعة الكلي مكنت العديد من التخلص من جحيم تصفية الدم، في حين أعادت زراعة القرنية البصر من جديد لكثير من ضعاف البصر. و على هدا المنوال صارت جراحات لزراعة أعضاء أخرى. وتستمر معاناة المرضى المغاربة النفسية و الجسدية من الذين يحتاجون إلى عمليات زرع الأعضاء، ما دامت ثقافة التبرّع غائبة في المجتمع المغربي، بالرغم من التشجيع القانوني ومواعظ رجال الدين. فحسب الأرقام الرسمية، فإن المغرب يعرف «تأخرا» كبيرا على مستوى الأشخاص الذين يُسجلون أنفسهم على قائمة المتبرعين بأعضائهم عقب الوفاة بل إن بعض العائلات ترفض التصرف في جثت أفرادها بالرغم من أنهم قد عبروا قيد حياتهم عن رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة. و يعود سبب هدا العزوف إلى اعتقاد ديني بالحرمة و مرتكز ثقافي بقدسية الجسد و أنه ملك لله وكذا إيمانا منهم بالحياة الثانية بعد الموت، وأي تصرف في هذا الجسد فهو يعرض مستقبل صاحبه للخطر في الآخرة، وهو أمر مغلوط. أمام هدا العزوف وجب التطرق للموضوع من جوانب عدة شرعية و تشريعية قانونية لنتعرف عن رأي الدين في الموضوع و قول القانون في هدا الباب: فمن الجانب الديني: فإنه رغم اختلاف فقهاء الشريعة الإسلامية بين مؤيد و معارض لزراعة الأعضاء، إلا أنه بالرجوع إلى مجموعة من الأسانيد و الحجج ترجح كفة المؤيدين، فزراعة الأعضاء تأكيد لمبدأ التراحم و التضامن الإنساني الذي ينبني على البر و التقوى، إذ في التبرع بالعضو البشري تفريج عن كربات المضطر، و تأكيد على التكافل و التراحم بين أفراد المجتمع، و يستدل على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم: ''من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة'' و كذلك قوله صلى الله عليه و سلم: ''من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل'' و هكذا يمكن أن ندخل التبرع ببعض البدن لنفع الغير من باب الصدقة بل هو من أعلى أنواع الصدقة و أفضلها. وكذلك استند هذا الاتجاه في إجازة عملية زرع و نقل الأعضاء البشرية على مبدأ إنقاذ النفوس و إزالة الضرر، إذ يعتبر التبرع عملا يرجى منه التداوي الذي رغب فيه الشارع الحكيم و حث عليه، لأن فيه إنقاذ للنفوس من الهلاك، حيث قال الله تعالى (و من أحياها كأنما أحيا الناس جميعا) إذ لا يجوز لمسلم أن يرى ضررا يقدر على إزالته فلا يزيله. ولقد صدرت فتاوى تجيز الزرع من الموتى بشرط أن يكونوا قد أذنوا بذلك قبل موتهم ،كقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم أ د ع 8/8/88 في دورته الرابعة سنة 1988. أما لجنة الفتوى بالأردن فقد أقرت جواز النقل أيضا شأنها في ذلك شأن لجنة الإفتاء للمجلس الأعلى الجزائري بتاريخ 20 أبريل 1982 و الذي اشترط فقط رضا المنقول منه أو وليه. في حين ذهبت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية إلى الإقرار بجواز ذلك سواء كان المنقول منه مسلما أو لا. و فيما يخص المغرب فقد استفسرت وزارة الصحة برسالة مؤرخة في 20 مارس 1974 وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية التي أقرت جواز الزرع و التبرع انسجاما مع ضوابط الشرع الإسلامي، و ذلك من خلال الاجتماعات التي عقدت بالمجالس العلمية لكل من فاس و مراكش و طنجة. و جميع الفتاوى الفقهية المشار إليها الصادرة في البلدان الإسلامية إنما تتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية، أو تنفيذ وصايا المتبرعين بأعضائهم، أما بيع الأعضاء البشرية فهو محرم شرعا بالإجماع و ذلك صيانة لكرامة الإنسان. أما من الناحية القانونية: فبعد جدال طويل بين علماء الدين ورجال القانون والطب حول موضوع التبرع بالأعضاء البشرية، خرج إلى حيز الوجود سنة 1999 قانون رقم 98-16؛ الخاص بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها. لقي القانون استحسانا من قبل جميع المتتبعين، بحكم أنه سيفتح الباب أمام العديد من المتطوعين لإنقاذ أقاربهم عبر التبرع لهم بأعضاء، وبالتالي إنقاذ شريحة مهمة من المرضى من موت محقق، إلا أن الأمر -كما في سائر القوانين- لا يخلو من ثغرات، سعت الحكومات المتعاقبة إلى تصحيحها بمراسيم ومشاريع قوانين في ما بعد. وعلى الرغم من تعريفه لمفهوم العضو البشري، في فصله الثاني، على أنه «كل جزء من جسم الإنسان؛ سواء كان قابلا للخلفة أم لا، والأنسجة البشرية باستثناء تلك المتصلة بالتوالد»، إلا أن القانون لم يحدد ما المقصود بالأعضاء والأنسجة المتبرع بها، وانتظر المغاربة ثلاث سنوات إلى أن أصدرت حكومة عبد الرحمان اليوسفي المرسوم رقم 1643-01-2، الصادر في 2 شعبان 1423 (9 أكتوبر 2002) بتطبيق القانون رقم 98/16، الذي حدد في فصله الأول الأعضاء البشرية في الكلي و الكبد والقلب والرئة والبنكرياس. والأنسجة البشرية في العظام و الشرايين والأوردة وصمامات القلب والجلد و غيرها. وفي الفصل الثاني من المرسوم، حدد الأعضاء والأنسجة القابلة للخلفة بشكل طبيعي في الجلد والنخاع العظمي والعظام. من خلال قراءة فصول القانون، نجد أن المشرع وضع قيودا من أجل إجازة عملية التبرع بالأعضاء، وهي: أن يكون الغرض علاجيا أو علميا، أن يكون مجانيا، أن يتم التبرع في مستشفى عمومي معتمد، الموافقة الكتابية للمتبرع والموافقة الصريحة لأسرته بعد الوفاة الدماغية للمتبرع. كل هده الشروط مردها إضفاء نوع من الحماية القانونية لتفادي الوقوع في فخ مافيات المتاجرة في الأعضاء. و من جانبها فوزارة الصحة قامت بإنشاء وتشغيل بنك الأنسجة بمراكش والرباط كما فعلت مجموعة من الأجهزة من ضمنها المجلس الاستشاري لزرع الأعضاء والأنسجة البشرية، ولجان زرع الأعضاء بالمستشفيات الجامعية، ووحدات تنسيق عمليات نقل وزرع الأعضاء داخل شبكة المستشفيات. إلا أن المجهودات التي بذلتها وزارة الصحة لتعزيز وتطوير عملية زرع الأعضاء والأنسجة البشرية، تبقى غير كافية للرقي بالتبرع وزرع الأعضاء، كعلاج أخير ووحيد للعديد من الأمراض المستعصية. لذلك فإن تشجيع المغاربة على التبرع بأعضائهم بعد الوفاة يبقى رهينا بتكثيف برامج التوعية والتحسيس حول الموضوع وإبراز مدى أهميته وذلك بمساهمة الأطر التربوية والدينية والإعلاميين والمجتمع المدني. و أخيرا أخي أختي، أتوجه إليكم برسالة قلبية : أليس من الأجدر أن نسخر أعضائنا لانقاد حياة انسان و منح روح بشرية راحة جسدية و نفسية تزيل عنها المعاناة و الألم بدل أن تتغدى عليها الديدان، فكليتاك تبعدان شخصين من خطر الموت وعمليات تصفية الدم المؤلمة والمكلفة، والكبد يمكن أن يقسم إلى شطرين وبالتالي إنقاذ حياة شخصين اثنين، والرئتان تنقذ حياة شخصين اثنين أيضا من الموت، والقلب ينقذ حياة إنسان، والقرنيتان تعيدان البصر لشخصين، والبنكرياس يمكن من خلاله علاج مريض بالسكري، وحتى الجلد يمكن أن يعالج به ضحايا الحريق ،أي أن جثة شخص واحد يمكن لها أن تنقد حياة عشرة أشخاص و لنستحضر قوله تعالى " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً" صدق الله العظيم.