جاء الخطاب الملكي المؤرخ في 14-10-2016، ليعلن الملك من خلاله عن افتتاح الدورة التشريعية . وهو خطاب يتضمن مجموعة من الرسائل في شكل توجهات عامة لتوجيه العمل البرلماني والعمل الحكومي . ويأتي هذا الخطاب ، من حيث سياقه العام ، بعد ثاني انتخابات تشريعية يعرفها المغرب، والتي عرفها الملك يكونها تأتي كمرحلة لتكريس المرحلة التأسيسية الاولى التي تميزت بإعداد مختلف القوانين التنظيمية المتعلقة بالمقتضيات التي ينص عليها دستور 2011. ومنه ، فالحكومة القادمة – المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لسنة 2016 – علاوة على المؤسسة البرلمانية ، مطالبان معا ، حسب مضمون الخطاب ، بالانكباب على مختلف القضايا العامة المتعلقة بمتطلبات واحتياجات المواطنين. هذا وكما سبق القول ، يتضمن الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس أمام البرلمان لمجموعة من المقتضيات تشكل ، كما سبق القول ، توجهات عامة في شكل رسائل موجهة إلى مختلف الفاعلين الرسميين ، وبالأخص السلطة التشريعية ) أي البرلمان ( والسلطة التنفيذية ) أي الحكومة). وتأتي هذه الرسائل الخطابية والتوجهات كتعبير عن استمرارية الرسائل / التوجهات الأخرى التي وجهها الملك. وهذا ما يؤكده الخطاب الملكي المتعلق بتخليق وتحديث الإدارة المغربية الذي قدم من قبل جلالته بمناسبة عيد العرش المؤرخ في 30 يوليوز 2005 ، والذي تطرق فيه الملك لموضوع يتعلق ب : { الإدارة المواطنة } . في هذا الإطار ، يقدم هذا الخطاب ، موضوع هذه الورقة ، دفعة سياسية لجعل المواطن المغربي محور الاهتمام على المستوى الإداري ، وذلك من خلال نهج مختلف القطاعات المرفقية لسياسية القرب ، التي تهدف إلى تقريب الإدارة من المواطن . و هي السياسة التي لا تتأتى إلا من خلال التركيز على مستويين اثنين هما : المستوى الجغرافي المتمثل في اللامركزية ، والمستوى المادي المتمثل في اللاتمركز ، حسب الخطاب الملكي. فمن خلال هذه الدفعة السياسية ، يصبح المواطن المغربي موضوع أي سياسة عامة إدارية. خاصة إذا ما علمنا أن الهدف من السياسات الإدارية العامة هو حل المشاكل المرتبطة بالقطاعات الإدارات العمومية . وهذا ما يحيل بدون أدنى شك ، إلى مختلف المشاكل والتحديات العالقة بين الإدارة والمواطنين التي أتى على ذكرها الخطاب الملكي . بشكل عام ، يمكن التمييز بين نوعين من الرسائل / التوجهات التي عرضها الخطاب الملكي . يتمثل النوع الأول من هذه التوجهات في المواضيع العامة التي تطرق لها جلالة الملك، أما النوع الثاني فيتمثل في موضوع خاص تعرض له الملك ألا هو موضوع العلاقة بين الإدارة والمواطنين. المواضيع العامة : تتضمن ما يلي : التأكيد على التعددية الحزبية : وهو بذلك ينهي الجدل الذي كان قائما قبيل الانتخابات التشريعية ، حيث كان البعض يشير إلى أن المغرب سيعرف ثنائية حزبية تتمثل في حزب الأصالة والمعاصرة ، وحزب العدالة والتنمية . تمرير رسائل إلى ممثلي الأمة: من خلال حثهم على جعل العمل السياسي في خدمة المواطنين لا في خدمة الاغراض الحزبية والشخصية. ذلك أن العمل السياسي الجاد والمسئول يقتضي ضرورة الوفاء بالوعود والبرامج الذي قدمتها الأحزاب السياسية ومرشحيها، وجعل المواطنين موضع الاهتمام السياسي. مدونة الأسرة: التعريف بالقانون خاصة بالنسبة للجالية المغربية المقيمة بالخارج ، حيث اشار الملك إلى عددا كبيرا منها يجهل هذا القانون. والعمل على مراجعته وتجاوز النواقص المرتبطة به. النوع الثاني : يتمثل في موضوع العلاقة القائم بين الإدارة والمواطن كما يلي : على مستوى العمل الإداري وعلاقته بالمواطن: اشار الملك إلى مجموعة من المشاكل المرتبطة بعلاقة المواطن بالإدارة ، هكذا فالعمل الإداري من منظور جلالته هو موضوع انتقاد من طرف المواطنين حيث أنه من جهة يتميز بالبطء، ومن جهة ثانية يفتقد لروح المسؤولية. وهذا ما يتجلى في الأمثلة التي قدمها جلالته في خطابه والتي تتمثل في المساطر المتعلقة بنزع الملكية وتطبيقات اثارها. سواء من حيث إعلان المنفعة العامة و تعويض مالك العين المنزوعة ملكيتها، أو إذا ما تعلق الأمر بالطعون والأحكام القضائية المقررة فيها التي لا تطبقها الإدارة بالرغم من أنها صادرة عن الجهاز القضائي. وبالتالي فقد شدد جلالته على التطبيق الصارم للقاعدة القانونية الذي تتمثل على سبيل المثال في التعويض المترتب عن نزع الملكية واستغلالها ، حيث يجب أن يتوافق ويتناسب الثمن المقدر لنزع الملكية مع ثمنها الحقيقي ، كما أن استغلالها يجب أن يتم وفق المقتضيات التي يتضمنها قرار إعلان المنفعة العامة ، بحيث لا يجب التلاعب فيها بتحويلها إلى منفعة خاصة. فالملك من خلال هذا المقتضى ، يشير إلى سوء التدبير والتدليس الذي قد يطال مساطر نزع الملكية ، والذي يكون المواطن ضحية له. في نفس السياق ، أشار الملك إلى مشاكل أخرى تميز العلاقة بين المواطن والإدارة وذلك من خلال تقديمه للمثال المتعلق بالتطبيق غير الجيد للقانون وللقرارات الجاري بها العمل. والتي تتمثل غي المماطلات التي تقدم عليها الإدارة المغربية ، وعدم ردها على المراسلات التي يتقدم بها المواطنون ، فضلا على عدم تعليلها لقراراتها الإدارية، الخ ، في إطار ما يعرف بالتماطل الإداري. ومن أجل ذلك اشار الملك إلى ضرورة تجاوز هذه المشاكل التنظيمية ، بحيث يجب على الحكومة القادمة وعلى الهيئات والمؤسسات العمومية ، فضلا على المجالس المنتخبة ، العمل على : الاستثمار في العنصر البشري. تعيين مخاطبين بمختلف المرافق التابعة لها، مكلفين بتلقي الشكايات والرد عليها. اعتماد أنظمة معلوماتية لمعالجة مختلف القضايا لقد ركز جلالته على ضرورة استفادة المواطن من الخدمات المرفقية العامة ، وذلك بكل الوسائل الممكنة وهذا ما لا يتأتي إلا من خلال احترام المرافق العامة للمبدأ القانوني المتعلق باحترام الشيء المقضي به قانونا ، ذلك أن هذا المبدأ يجعل جميع السلطات العمومية والإدارية كيفما كانت تشتغل وفق القوانين الجاري بها العمل. أضف إلى ذلك أن تكريس مبدأي التجويد والتعجيل هما أمران ضروريان باعتبارهما يفيدان في تسريع العمل الإداري من حيث عنصري التوقيت والجودة ، فضلا على أنهما يساعدان على تأسيس روابط الثقة بين الإدارة والمواطنين من جهة ، ومن جهة ثانية تكريس وترسيخ الثقة التي يحظى بها المغرب في الشق المرتبط بجلب الاستثمارات، وهذا ما سينعكس إيجابا على النجاعة الإدارية. فهذه كلها وغيرها عناصر تساعد على جعل الإدارة المغربية إدارة مواطنة ، فضلا على أنها توجهات تكرس المقتضيات التي جاء بها دستور 2011 خاصة في بابه الثاني المتعلق بالحكامة الجيدة والكيفيات التي يمكن من خلالها تدبير المرافق العمومية. التذكير بالمفهوم الجديد للسلطة: ويعتبر هذا الجزء من الخطاب استمرارية للخطاب الذي قدمه جلالته بتاريخ 12-10-1999 بمدينة الدارالبيضاء، حيث أنه يركز على المحافظة وعلى رعاية مصالح المواطنين وصون حقوقهم. ذلك أن ممارسة السلطة لا يجب أن تكون على حساب المواطن، بقدر ما يجب أن تكون لفائدته. خاتمة : لقد اشار جلالة الملك إلى مختلف العراقيل التي تعترض المرافق العمومية بالمغرب ، من هذا المنطلق دعى جلالته جميع الفاعلين الرسميين منهم وغير الرسميين إلى إصلاح الإدارة وتجويد العمل الإداري من أجل أن ينعكس ذلك إيجابا على مبدأ النجاعة الإدارية . ذلك أن هذا الورش هو حجر الزاوية لبناء مجتمع حداثي ديمقراطي يتبوأ فيه المواطن المكانة اللائقة به ، باعتباره هدفا لكل تنمية سياسية ، اقتصادية ، ثقافية ، ومجتمعية. [email protected]