استدعاء الخلفية الإيديولوجية لقراءة نتائج فوز حزب العدالة والتنمية والمحاولة الفاشلة لجره إلى بؤرة الصراع حداثي/محافظ، أو إسلامي، قناع كانت قد استعملته الأنظمة الاستبدادية ما قبل الربيع الديمقراطي لشرعنة استبدادها واستعمال التخويف من شبح الإسلاميين لضمان استمراريتها. تعامل التجربة المغربية في النظام السياسي مع حزب بمرجعية إسلامية كان مختلفا، فضلا على أن حزب العدالة والتنمية ليس حزبا دينيا، فبرنامجه ليس فيه شيء يتعلق بنشر الدين أو الدعوة إليه، وفي تعاطيه مع موضوع الدين لا يختلف في شيء عن باقي الأحزاب المغربية. لماذا؟ لأن هذا الأمر محسوم في المغرب مند مدة طويلة، والدستور المغربي واضح في هذا الأمر، فالشأن الديني من اختصاص الملك الذي هو أمير المؤمنين، ويتم تدبيره من خلال مؤسسات المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. لكننا حزب ذو مرجعية إسلامية، وفي هذا الصدد أيضا نلتقي مع جل الأحزاب السياسية، كما أن الدولة المغربية بحكم التاريخ والشعب والدستور هي دولة إسلامية، وليست دولة دينية. وحزبنا لا يشكل استثناء عن الدولة والأحزاب والشعب في علاقته بالدين وبالإسلام. وعدم إدراك هذا الفرق البين أوقع بعض النخب العلمانية المغربية التي تغازل الخارج في إسقاط مفاهيم الحزب الديني والدولة الدينية بالمفهوم الغربي وخلفياته التاريخية على الواقع المغربي. وهذا خطأ كبير جدا. الأمر الثاني يتعلق بما أشرت إليه من أن إعادة تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات التي تؤهله دستوريا لرئاسة الحكومة قد يزيد من مخاوف الغرب، غير صحيح بالمرة، ولا نجده هذا إلا في الاعلام؛ ذلك أن حزب العدالة والتنمية يعرفه الغرب بشكل جيد، فهو ليس حزبا جديدا ولا نكرة، فقد قاد بنجاح كبير التحالف الحكومي مع حزب ذي مرجعية شيوعية في مرحلة حرجة عاشتها المنطقة في سياق الربيع الديمقراطي، واستطاع مواجهة مختلف الاكراهات، مع الحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعيين في البلد، كما لم تتأثر علاقات المغرب بأصدقائه بوجود حزب "المصباح" على رأس الحكومة، بل تعززت تلك العلاقة بشكل طبيعي. إذاً، فالغرب الذي تابع بشكل يومي تطور حزب العدالة والتنمية في المغرب، سواء في المعارضة أو في الحكومة، أعلن قادته في أكثر من مناسبة اطمئنانهم للتجربة المغربية من خلال تجربة حزب العدالة والتنمية في المشاركة السياسية من مختلف المواقع، ولا يمكن اليوم، حين أعاد الناخب المغربي ثقته في الحزب، أن تحدثنا نخبة معزولة عن الخوف. فهذا مجرد معالجات إعلامية لا مصداقية لها في الواقع. ثم لابد من التأكيد في هذا الإطار أن النجاحات السياسية للعدالة والتنمية كانت قبل الربيع العربي، وليست وليدة له. ونجاحاته تستمد قوتها من كون الحزب قريب من الشعب وهمومه وانشغالاته، لذلك زادت نجاحاته بعد الربيع العربي، الذي كان عنوانه الكبير محاربة الفساد والاستبداد. وبطبيعة الحال، فالمغاربة يبحثون عن الأحزاب التي تمثل طموحاتهم وتطلعاتهم في هذا الشأن، وحزب العدالة والتنمية كان من بين أبرز تلك الأحزاب، لذلك زادت نجاحاته بشكل كبير. ولذلك فحزب العدالة والتنمية ليس وليد لحظة "الربيع العربي"، كما يراد أن يروج له، فهو من الأحزاب الوطنية التاريخية، وقد استعاد ديناميكيته السياسية بفعالية كبيرة مند منتصف التسعينيات، وكبر بشكل تدريجي في الميدان. وبالتالي فهو حتى حينما تراجع زخم "الربيع العربي"، حافظ على وهج شعبيته، لأن شعبيته بكل بساطة لا ترتبط بظرفية الحراك الشعبي رغم أنها استفادت منه. وهذا أيضا أمر تقع فيه نخبتنا بشكل كبير حين تنظر إلى حزب العدالة والتنمية في المغرب كما يُنظر إلى أحزاب عربية ظهرت مع الربيع العربي.