ترتبط السياسات العمومية بمختلف النواحي والمجالات المتعلقة بالحياة من حيث المضمون، كالأمن والدفاع والصحة والتعليم والشغل والسكن والبيئة والضرائب والطاقة، وغيرها. وتتميز السياسات العمومية بتعدد المتدخلين والمؤثرين فيها، وتختلف طبيعة وقوة أدوار هؤلاء الفاعلين بحسب اختلاف أنظمة الحكم وكيفية توزيع السلطة ومستوى الممارسة الديمقراطية في كل دولة... كما أن مفهوم السياسة العامة غير محايد بالمطلق؛ حيث إن صناعة السياسة العامة وإن كانت مسألة تقنية ولكن المتحكم فيها بالأساس هو المرجعية السياسية وطبيعة الفاعلين في مجال السياسات العامة، ولهذا فتغير الفاعلين قد يترتب عنه تغير في مضمون السياسة العامة (وبمعنى آخر فكل تغير في المدخلات قد يترتب عنه تغير في المخرجات). ولكن على الرغم من كل التعقيدات التي ترافق تعريف مصطلح السياسات العمومية، وانطلاقا من مختلف النظريات العلمية والمراجع الفقهية التي تناولت هذا الموضوع، يمكن تعريف السياسات العمومية بأنها أجوبة عن مشاكل اجتماعية داخل مجتمع معين، وقد تهم هذه المشاكل مختلف الشرائح الاجتماعية، كما قد تهم شريحة مجتمعية محددة، ولكنها في جميع الحالات لا ترتبط بمشاكل خاصة لأن الهدف من كل السياسات العمومية هو تحقيق المصلحة العامة وليس المصالح الخاصة. ويعد البرلمان من بين أهم الفاعلين الرسميين في مجال السياسات العمومية، وذلك لكونه يمثل الإرادة العامة؛ حيث إنه يتكون من ممثلي الأمة الذين يتم اختيارهم عن طريق صناديق الاقتراع، وهذا ما ينص عليه الفصل الثاني من دستور 2011 الذي جاء فيه أن "السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها"، و"تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم". وطبقا للفصل 70 من الدستور، فالبرلمان يتولى ممارسة ثلاثة اختصاصات تتمثل في: التشريع، والرقابة على العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية. وفي إطار ممارسة البرلمان لوظيفة التشريع، فهو يقوم بوضع الإطار القانوني للسياسات العمومية، وخصوصا في المجالات التي حددها الفصل 71 من الدستور. وإلى جانب الاختصاصات الواردة في الفصل 71، يتولى البرلمان دراسة والتصويت على مشاريع قوانين المالية السنوية التي تشكل الآلية القانونية الأساسية لإعمال وتنفيذ مختلف السياسات العمومية، وذلك على الرغم من بعض القيود والحدود التي فرضها المشرع الدستوري على اختصاص البرلمان في المجال المالي. ويعد تقييم السياسات العمومية، من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، جاءت في الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، أن "يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية". وفي السياق نفسه، تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن "تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها"، مع العلم بأن الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأن "يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين". كما أقر الفصل 102 من الدستور بأنه "يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم". وتجدر الإشارة إلى أن التقييم البرلماني للسياسات العمومية شكل مطلبا من بين أهم المطالب التي وردت في مذكرات الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمنظمات المدنية، التي تم رفعها للجنة التي كلفت من قبل الملك بإعداد مشروع الدستور الجديد. وهو ما تم فعلا، وفي ذلك تجاوب مع ما هو معمول به على المستوى الدولي في إطار الأنظمة البرلمانية؛ حيث لا تنتهي مهمة البرلمان بمجرد منح الثقة للحكومة وتنصيبها، وإنما يستمر عمله من خلال الرقابة على مدى التزامها بما سبق أن تقدم به رئيسها أمامه في أول جلسة عمومية يعقدها مباشرة بعد تعيين رئيس وأعضاء الحكومة. وبالنظر إلى أهمية السياسات العمومية وارتباطها بحاجيات ومتطلبات المواطنات والمواطنين، وبالنظر إلى الأدوار والصلاحيات التي يتولى البرلمان القيام بها في هذا المجال، فإن المواطنات والمواطنين يجب أن يكونوا على وعي تام بأن المشاركة الانتخابية هي المدخل الحقيقي والرئيسي لاختيار صناع السياسات العمومية، ولهذا فالمشاركة المكثفة وحسن الاختيار هي المنطق في مسلسل صناعة السياسات العمومية، وهذا ما يعتبر من بين الركائز الأساسية للمشاركة المواطنة التي كرسها دستور 2011. *أستاذ باحث بكلية الحقوق-جامعة سيدي محمد بن عبد الله - فاس