أصبحت الانتخابات التشريعية أو البرلمانية التي يتحدد على إثرها ملامح البرنامج السياسي والاجتماعي، بل التوجهات العامة للحكومة التي يختارها الشعب عبر صناديق الاقتراع لتدبير شؤونه خلال مرحلة زمنية تحددها دساتير الدول، في هذه الدولة أو تلك، موعدا لتقييم سياسات الحكومة المنتهية ولايتها، واختيار برنامج او برامج يراها قادرة على التجاوب مع انتظاراته وطموحاته إلى مزيد من الارتقاء على درجات أخرى في سلم التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وهاهو المغرب يضرب موعدا للمواطنين مع صناديق الانتخاب في 7 أكتوبر 2016، لاختيار الحزب الذي سيقود الحكومة خلال الخمس سنوات المقبلة. فما هي أهم انتظارات المغاربة من هذه الانتخابات؟ مما لا شك فيه أن الشعب المغربي ينتظر من هذه الانتخابات: أولا، أن تمنح له حكومة تخرجه من المرحلة الطويلة لما أطلق عليه "الانتقال الديمقراطي"، الذي أمسى مجرد شعار يكاد يكون فاقدا للمصداقية عند غالبية المغاربة بسبب المعوقات التي جابهته ولا تزال تُجابِه تطبيقه على أرض الواقع. ثانيا، أن تُعطيَ للمغاربة حكومةً تجعله قادرا، فعلا، على تعطيل ما أسماه الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1995 احتمال إصابة المغرب ب"السكتة القلبية"، إن لم يقم بإصلاحات حقيقية في الإدارة والقضاء والتعليم بصفة خاصة، وفي مؤسسات الدولة والمرافق العمومية بصفة عامة. ثالثا، أن تنجح الحكومة المقبلة، مهما يكن لونها الحزبي، فيما فشلت فيه الحكومات السابقة، خاصة منذ حكومة التناوب والتوافق برئاسة الاتحاد الاشتراكي تحت مظلة الدستور السابق إلى الحكومة التي رأسها حزب العدالة والتنمية عقب دستور 2011 المنتهية ولايتها. رابعا، أن تتخلى الأحزاب عن رفع شعارات لا تأخذ طريقها إلى التجسيد الفعلي على أرض الواقع كشعار "دولة الحق والقانون"، الذي كان يتغنى به السيد عبد الرحمن يوسفي، وشعار "محاربة الفساد" الذي جعل منه رئيس الحكومة المنتهية ولايته لازمتَه المفضلة في بداية رئاسته، لكنه سرعان ما عرف أن زقاق الفساد أشبه بمثلث برمودا [Bermuda Triangle]، ومن الخير عدم الاقتراب منه، ومن الأسلم عدم السؤال عنه كذلك. إذ كل من يقترب منه مفقود، وأسلم نصيحة ما قاله الغزالي ذات يوم: "وكان ما كان مما لستُ أذكره *** فظُنَّ خيراً ولا تسأل عن الخبر"ِ! ورغم تعاقب أربع حكومات منذ إنذار الملك الراحل لا يزال المغاربة يعانون الأمرَّيْن في حياتهم اليومية أمام الإدارة والقضاء والتعليم والصحة، وأمام غياب ما يؤدي إلى العيش الكريم، ولم ينفع تعديل الدستور وسنُّ القوانين، ولم تَفِ الحكومات المتعاقبة، بوعودها. ويتمنى المغاربة ألاّ تكون ملامح مستقبل حكومتهم المقبلة كامنةً فيما عاشوه في ماضيهم وحاضرهم. فقد استمر واقع المغرب على ما كان عليه قبل خطاب الملك الراحل منذ 21 سنة، على الرغم من تباشير التغيير التي بشر به العهد الجديد بوضع المغرب على طريق تحقيق المواطنة الكاملة لكل المغاربة، والانضمام إلى مصاف الدول الصاعدة، خاصة بعد الآمال العريضة التي حملها دستور 2011 إلى المغاربة لصنع التغيير المنشود. لكن، وعلى الرغم من لغة الدستور الجديد، وما نصت عليه مواده بشأن توسيع سلطة الحكومة ومنح البرلمان سلطة المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وتحصين استقلال السلطة القضائية، وعلى الرغم من احترام نتائج انتخابات 2011 التي منحت حزبا ذا مرجعية إسلامية رئاسةَ الحكومة، وعلى الرغم مما ورد في الخطب الملكية من ضرورة التأويل الديمقراطي لمواد الدستور، على الرغم من ذلك كله، فإن جُلَّ المغاربة محبطون من إنجازات الحكومة المنتهية ولايتها، فهم لا يشعرون بأن ما تم التبشير به وما نص عليه الدستور قد تحقق، وأن التعليم النافع وتوفير الشغل لا يزالان حلما بعيدا عمّا كان يأمله المغاربة بعد التصويت على دستور 2011. فماذا يمكن أن تقدمه الانتخابات الحالية لإعادة المصداقية للدستور وللفعل السياسي في بلادنا خلال المرحلة القادمة؟ إن من يقرأ قراءة متأنية في برامج أحزاب مرشحة لاستحقاقات 7 أكتوبر 2016، وكذا تتبع ما يقال في الحملات الانتخابية لا يجد إلاّ شعارات لم يتغير فيها شيء عن السابق سوى لون صباغتها، وأحيانا حتى الصباغة لم تتغير. ويمكن الجزم بأن برامج جُلِّ الأحزاب لم تتجاوز المحورين التاليين: المحور الأول، يدور على تكرار وترديد شعارات ووعود لا جديد فيها، سوى لون صباغتها، وأحيانا حتى الصباغة تكون قديمة. مما يمكن أن ينجُم عن ذلك مزيد من فقْد ما تبقى من الثقة بين الأحزاب وبين الشعب. أما المحور الثاني فيقوم، بالنسبة لغالبية الأحزاب التي تسعى لريادة نتائج الانتخابات المقبلة، على اعتبار الخصم السياسي عدوا خطيرا على استقرار الوطن. ونتساءل: هل قانون الانتخابات يسمح بلجوء الأحزاب في موضوع الحملة الاننتخابية إلى تحذير المواطنين وتخويفهم وترويعهم بأنهم إذا ما صوتوا لصالح حزب آخر فإن ذلك "يهدد أمن واستقرار البلاد"؟ فهل مثل هذا الكلام يُعَد برنامجا انتخابيا؟ نأسف أن يكون الطابع العام للحملة الانتخابية هو اعتبار الخصوم السياسيين أعداء يهددون استقرار الوطن، كما نأسف لكونِ برامج أحزاب كثيرة أقربَ إلى إنشاء وألفاظ براقة تستعطف الناخبين لتزكيتها يوم الاقتراع، وهي أبعد ما تكون عن برامج انتخابية بالمعايير المتعارف عليها في الأنظمة الديمقراطية، والأنظمة التي تسعى إلى ترسيخ الحكم الرشيد وليس الوعيد. قد يعتقد البعض أن كل الحيل جائزة الاستعمال والتوظيف من أجل الوصول إلى البرلمان وبالتالي إلى السلطة التنفيذية. وينسى هذا البعض، أو هذا الرهط، أن الشعب المغربي مثله كمثل جميع شعوب الأرض لديه الوعي والقدرة على التمييز بين ما ينفع الناس وبين ما يذهب جُفاءًا، حتى إذا كان لا يستطيع أن يتفوه به علنية، لكنه يعرف لمن يمنح صوته أو يحجبه عنه. المغرب بحاجة إلى فاعلين سياسيين وليس إلى متزعمين حزبيين ينامون دهرا ويفيقون كفرا. *جامعي ودبلوماسي مغربي سابق مقيم بكندا