عادة ما تلجأ الأحزاب وأعيانها في تنافسها الانتخابي إلى الولائم لاستقطاب فئات الناخبين والعمل على ضمان أصواتهم لصالحها؛ ويظهر ذلك بجلاء خلال الحملات الانتخابية التي يشتد فيها التنافس بين مرشحي الأحزاب في مختلف الدوائر الانتخابية، حيث عادة ما تتخذ الحملات الانتخابية طابعا شخصيا واحتفاليا. 1- الطابع الشخصي للحملات الانتخابية تتحول أغلب الحملات الانتخابية إلى منافسات انتخابية بين المرشحين، تكون فيها "لعبة الشخصيات" أهم من "لعبة الأحزاب". ولعل سبب هذه الظاهرة يرجع بالأساس إلى عدة عوامل من أهمها: أولا: أهمية العلاقات الشخصية في الثقافة السياسية بالمغرب. ثانيا: غياب التنافس السياسي والإيديولوجي بين الأحزاب. ثالثا: تمثل الأحزاب عادة من خلال بعض الشخصيات السياسية. رابعا: استغلال بعض الشخصيات السياسية الأحزاب للحصول على المناصب النيابية. ويتجسد الطابع الشخصي للحملات الانتخابية في المظاهر التي تتخذها هذه الحملات، إذ تتخذ شكل مبارزات شخصية أو حزبية: المبارزات الشخصية: يتنافس المرشحون في الدوائر الانتخابية للتعريف بأنفسهم واكتساب شهرة سياسية بين السكان، ما يجعل التنافس الإعلامي يبلغ أوجه. غير أن هذا التنافس، الذي هو في الأصل تنافس انتخابي، يتحول إلى مبارزات شخصية بين المرشحين، إذ يغيب العامل الإيديولوجي والانتماء الحزبي ليتم التركيز على المواصفات الشخصية لكل مرشح والمزايا التي يتمتع بها.. ويتجلى ذلك بالخصوص في المناشير التي يستخدمها كل مرشح، والتي عادة ما تحمل كل المواصفات الشخصية والمزايا التي يحس المرشح بأنه من خلالها سيتفوق على خصومه. كما يلجأ المرشحون إلى مبارزات كلامية يحاول من خلالها كل منهم إطراء نفسه وإبراز خصاله وماضيه الشخصي مع الحط من قدر منافسيه. ويشتد التنافس في بعض الأحيان ليصل إلى صدام بين أنصار كل مرشح، يمكن أن يخلف بعض الضحايا. المبارزات الحزبية: ينتقل التنافس الشخصي بين المرشحين إلى مبارزة بين الأحزاب، يتم التركيز فيها على نزاهة المرشحين الذين ينتمون لكل حزب أو يتمتعون بتزكيته، في وقت يتم التذكير بعيوب مرشحي الأحزاب المنافسة. وفي إطار الحملة الانتخابية يقوم كل حزب بنبش ماضي المرشحين المنافسين وفتح الملفات القديمة لإظهار النقط السوداء في الماضي السياسي لهؤلاء وتسفيه برامجهم والتندر عليهم. وحتى بعدما سمحت السلطة للأحزاب باستعمال وسائل الإعلام العمومي في الحملات الانتخابية، عادة ما يستخدم مرشحو الأحزاب المتنافسة هذه الوسائل للمبارزات الشخصية، التي يتم فيها اللجوء إلى الصراخ ومحاولة إخراس الخصم، والتهويل؛ مما أظهر بشكل واضح أن مرشحي الأحزاب مازالوا لم يتقنوا بعد باستخدام وسائل الاتصال العمومي للتأثير على عموم المواطنين. كما تلجأ الأحزاب إلى العلاقات الشخصية والاتصال بالناخبين. وهكذا ينتشر مناضلو كل حزب في مختلف الأحيان لطرق الأبواب والتعريف بالمرشح، مذكرين بتاريخه ومزاياه ومركزين على انتمائه المحلي. وجرت العادة أن يترشح كل عضو في المنطقة التي ينتمي إليها، نظرا لأهمية تأثير ذلك على الناخبين، فكلما كان المرشح معروفا كانت حظوظه في الفوز أوفر. وحتى في حالة عدم انتمائه للمنطقة الذي رشح فيها، يقوم عادة عضو معروف في المنطقة أو أحد قياديي الحزب للتعريف بالمرشح وتقديمه للسكان، مشيدا بخصاله ومزاياه. وبالإضافة إلى ذلك، كثيرا ما يستخدم المرشحون بعض الملصقات تحمل صورة المرشح وأوصافه وكل ما يحدد هويته السياسية. ولعل صور المرشحين تلعب دورا كبيرا في التعريف بهؤلاء لدى الناخبين وانطباع صورهم في الأذهان وتسهل تقريبهم من الناخبين. 2- الطابع الاحتفالي للحملات الانتخابية تتخذ الحملات الانتخابية في المغرب طابعا احتفاليا للموروث السياسي من جهة، والتكثيف الإعلامي للأحزاب، الذي يمكن أن يسمح لها بإضفاء طابع الاحتفالية على حملاتها الانتخابية. ولعل أهم الوسائل التي تستخدمها الأحزاب لإضفاء طابع الاحتفالية على حملاتها الانتخابية الألوان والإطعام الجماعي، ما يحولها إلى أعراس انتخابية، مع ما يصاحب ذلك من مآدب وولائم: - الأعراس الانتخابية عادة ما تتخذ الحملات الانتخابية للمرشحين شكل أعراس من خلال الألوان المستعملة والرموز المختارة؛ وفقد تميزت بمنح كل حزب لونا يميزه عن باقي الأحزاب المنافسة. وتتكلف وزارة الداخلية عادة بتحديد لون كل حزب، ما عدا الألوان الوطنية(3)؛ ومن ثمة يصبح "اللون الانتخابي" هو اللون المميز لكل حزب والمرشحين التابعين له، ويغطي بذلك على كل الرموز والوسائل الإعلامية والإشهارية المستخدمة من طرف المرشحين والأحزاب، إذ يغيب المرشح وحتى الحزب وراء اللون الذي اتخذه رمزا له أثناء الحملة الانتخابية؛ وبالتالي تتحول الحملات الانتخابية إلى تظاهرات بالألوان؛ ما يضفي عليها مظهرا احتفاليا. ولعل لجوء الأحزاب إلى الألوان في حملاتها الانتخابية يمكن أن يفسر بعدة عوامل، من أهمها: أولا: انتشار الأمية بين الناخبين ثانيا: غياب الاختلاف الإيديولوجي بنين الأحزاب ثالثا: محاولة الأحزاب التأثير في الناخبين. غير أن تعدد الأحزاب المشاركة في الانتخابية عادة ما يجعل عملية التمييز بين ألوان الحزب عملية معقدة نتيجة لعدة عوامل: أولا: اختلاط الألوان على الناخبين. ثانيا: اختلاف المعايير الجمالية لكل من الناخبين الحضريين والناخبين القرويين. ثالثا: عدم انسجام "الألوان الانتخابية" للأحزاب مع الثقافة الجمالية. كل هذه العوامل أدت إلى عدم تماهي الناخبين مع ألوان الأحزاب، لأنها لا تتماشى ومحدداتهم الثقافية، ما يضطر بعض الأحزاب إلى إعطاء "معان سياسية" لألوانها الانتخابية. وحتى بعد ما سمحت السلطة للأحزاب في منتصف التسعينيات باستخدام رموز حزبية، فإن ذلك لم يؤد إلى تأثير كبير في المواطنين، نظرا لكثرة الرموز من جهة، وتشابهها من ناحية أخرى، بالإضافة إلى افتقادها أي حمولة إيديولوجية أو تعبيرات سياسية. – تنظيم المآدب والولائم إن عملية الإطعام الجماعي واستخدامها في المنافسة السياسية ليست ظاهرة جديدة في المغرب. فكثيرا ما استخدمتها الطوائف والزوايا وحتى الطرق لجمع الأنصار والتأثير في الجماهير. فالإطعام رمز للقوة السياسية ومظهر من مظاهر الكرم السياسي؛ لهذا نجد أن كثيرا من الأحزاب المغربية، باختلاف تياراتها، تلجأ إلى عملية الإطعام الجماعي للناخبين. ولجوء المرشحين إلى هذه العملية يهدف بالأساس إلى التأثير في سلوك الناخبين. إذ إن الإطعام، في مجتمع مازال يشكو من الفقر، يعتبر عملية فعالة لتجميع أكبر عدد ممكن من الناخبين، ليتعرفوا شخصيا على مرشحيهم؛ وكذلك يعتبر عملية ناجعة لضمان تصويت جماعي لصالح المرشح. وقد وصف واتربوري وماري هذه العملية في إحدى القرى، مشيرين إلى أن "المرشح يلتقي بالجماعة ويذبح كبشا أو ثورا ثم يقدم وجبة جماعية للأعيان وللفقيه. وبعد الانتهاء من الأكل تقرأ الفاتحة، فيصبح أعضاء الجماعة ملتزمين بالتصويت جماعيا لصالح المرشح الذي أطعمهم...". وبالتالي ليس غريبا أن تصطبغ الانتخابات المغربية بالاحتفالات ويطلق عليها اسم الأعراس الانتخابية. فقد درجت العادة أنه كلما حان موعد الانتخابات إلا واستعد المرشحون لاستقطاب المصوتين من خلال إقامة ولائم ومآدب يتم تنظيمها من طرف ممونين خاصين يتكلفون بالإشراف على وضع الترتيبات المتعلقة بإطعام ضيوف كل مرشح في فضاءات معينة، تكون إما في المنازل الخاصة بهولاء المرشحين أو في دور ضيافة يتم كراؤها لهذا الغرض. وعادة ما يستغل المرشح هذه المآدب ليخطب في المدعويين من أعضاء الحزب المنتمي إليه، وكذا المتعاطفين معه لحثهم على التصويت عليه. وبالتالي، ففترة الانتخابات في المغرب هي قبل كل شيء أعراس لحظات عرس حقيقية تتنافس فيها الأحزاب السياسية عبر مرشحيها حول نصب الخيام وإقامة الولائم و تقديم الوجبات" الانتخابية" واستقبال الضيوف "الناخبين" إبان الحملات الانتخابية على نغمات الفرق الموسيقية والأهازيج الفلكلورية، والتي تجوب شوارع الدائرة الانتخابية على شاكلة الأعراس التقليدية المغربية، إذ إن أحد أهم مؤشرات الفوز بالمقعد الانتخابي حجم الموكب وأعداد المواطنين المرافقين. لكن رغم تنافس مرشحي معظم الأحزاب على إقامة الولائم لاستقطاب أصوات الناخبين والناخبات، خاصة في البوادي، غالبا ما يحاول كل مرشح التستر عن ذلك وانتقاد منافسيه بأنهم ينظمون المآدب للتأثير في المصوتين. وأمام استفحال استخدام الولائم في الحملات الانتخابية، وانتقاد بعض الأحزاب لهذه الممارسات التي تسيء إلى العمليات الانتخابية، سعى وزير الداخلية السابق الطيب الشرقاوي إلى محاولة الاتفاق مع الأحزاب للحد من هذه الظاهرة. وفي هذا الصدد أوردت يومية الصباح في مقال للصحفي رشيد باحة بعنوان "الداخلية تطلب الضوء الأخضر لمحاربة الولائم الانتخابية" بتاريخ 14 /09 / 2011 ما يلي : "طلب وزير الداخلية، الطيب الشرقاوي، من الأحزاب خلال اجتماعه الأخير بها التوافق على منح الوزارة الضوء الأخضر لمحاربة الولائم الانتخابية، وأن تبدي استعدادا للانخراط في هذا العمل حتى تمر الانتخابات المقبلة في أجواء سليمة ونزيهة. وكشفت مصادر حضرت لقاء وزير الداخلية بزعماء الأحزاب، السبت الماضي، أن الطيب الشرقاوي أبدى استعدادا لتعاون وزارته مع الأحزاب من أجل تطهير مناخ الانتخابات من الشوائب التي قد تشوبها، جراء الشكاوى التي أبدتها أحزاب من انخراط رؤساء جماعات ونواب برلمانيين في مناطق عديدة في حملات انتخابية سابقة لأوانها، من خلال دعم جمعيات للقيام ببعض الأعمال الخيرية مثل توزيع الدقيق والسكر وملابس العيد ومستلزمات الدخول المدرسي على الفئات المعوزة، فضلا عن إشرافها على عمليات ختان جماعي ومآدب عزاء وأفراح. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الداخلية أبدت استعدادا غير مسبوق لإرساء أجواء الثقة بين رجال الإدارة الترابية والأحزاب في ما يخص "تخليق" المسلسل الانتخابي من بدايته حتى نهايته. وعلما أن القانون لا يمنع صراحة المبادرات الخيرية أو المآدب التي قد تنظم في مناطق معينة من قبل فعاليات المجتمع المدني، إلا أن إصرار الداخلية، تضيف المصادر ذاتها، على وضع حد للقيل والقال، دفعها إلى فتح صفحة التنسيق مع الأحزاب من أجل التبليغ عن "الولائم الانتخابية" بهدف منعها إذا كانت محط شكوك . من جهة أخرى، اعتبرت المصادر ذاتها أن الكرة الآن في ملعب الأحزاب التي لا يتردد بعضها في تبني خطاب مزدوج، بين مطالبة السلطة بالتدخل لوضع حد للفساد الانتخابي، مقابل ترشيح بعض الوجوه "المشبوهة"، وتحريك ملفات بعينها ضد خصوم سياسيين، ما يضع المسؤولية على عاتقها في مراجعة طريقة ومعايير منحها التزكيات، وهو ما يجعل وزارة الداخلية، تضيف المصادر ذاتها، تبدي استعدادا لوضع حد لكل ما من شأنه الإساءة إلى المحطة الانتخابية الأخيرة أو التشكيك فيها، وهو ما دفع الطيب الشرقاوي إلى مطالبة الأحزاب بصياغة ميثاق أخلاقي لضمان نزاهة الانتخابات، تكون وزارة الداخلية طرفا أساسيا فيه، وهو ميثاق يختلف من حيث مضمونه وشكله عن الميثاق الأخلاقي الذي صاغه وزير الداخلية الأسبق ادريس البصري مع الأحزاب السياسية قبيل انتخابات 1997". كما أنه ضمن الإجراءات التي اتخذتها السلطة لضمان شفافية الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر 2016 عمد وزير الداخلية محمد حصاد إلى منع موظفي الإدارة الترابية، من ولاة وعمال، من حضور الولائم الانتخابية والحفلات التي تنعقد بمناسبة الحملات التي تسبق هذه الانتخابات . كما شملت هذه الإجراءات، القياد والباشوات ومختلف أسلاك السلطة المحلية، وذلك لقطع الطريق أمام استغلال هذا الحضور لأغراض التسويق الانتخابي، وإبعاد الانطباع بأن الإدارة الترابية وممثليها قد يمالئون مرشحي أحزاب في مواجهة منافسيهم. وفي السياق نفسه، يمكن تفسير قرار الداخلية منع توزيع أكباش بمناسبة عيد الأضحى بعدما وصلتها تقارير تفيد بأن بعض المرشحين للانتخابات من ذوي النفوذ يعتزمون توزيعها على الناخبين من الفقراء والمعوزين. لكن يبدو أن "فيديو" السيدة التي شاركت في المسيرة الشعبية التي نظمت بالدارالبيضاء ضد رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بما سمي "مولاة الحولي"، عكس إلى حد كبير ترسخ هذا السلوك ضمن الحملات الانتخابية بالمغرب.