المغرب ليس هو البلد الوحيد الذي أقدم على تنقيح وتغيير مناهجه الدراسية في مادة التربية الإسلامية، بل سبقته إلى الخطوة ذاتها كل من كردستان العراق وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية والجارة الجزائرية. ويضع المغرب اللمسات الأخيرة على مقررات مادة التربية الإسلامية بالأسلاك التعليمية الثلاثة، حيث ما زالت الكتب والمناهج مفقودة من المكتبات ونقاط التوزيع. ويرى القائمون على الشأن التربوي أن هذه المراجعة تأتي "تلبية لحاجيات المتعلم الدينية التي يطلبها منه الشَّرع، حسب سِنه وزمانه ونموه العقلي والنفسي وتنشئته وبناء شخصيته". وقالت مصادر مطلعة إن وزارة التربية الوطنية حذفت حفظ وفهم سورة الفتح من المقررات الدراسية في السلكين الإعدادي والثانوي وعوَّضتها بدراسة سورة الحشر، مبررة الأمر بكون سورة الفتح تضم آيات الجهاد فيما سورة الحشر مليئة بآيات "التزكية". وسعت جمهورية مصر العربية أيضا إلى تنقيح ومراجعة مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية، من ضمن مراجعات شاملة لمناهج العلوم الإنسانية ضمت 9 مواد دراسية، برسم الموسم الدراسي الجاري؛ وهي المبادرة التي شارَك فيها "خبراء متخصصون وأساتذة جامعات ومثقفون وكتّاب ومعلمون إضافة إلى ممثلين عن الأزهر والكنيسة". وقال بيان لوزير التربية والتعليم المصري إن الحذف شمل "الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تشير إلى أي توجهات سياسية أو دينية أو أي مفاهيم يمكن أن تستغل بشكل سيء"، ليتم حذف دروس عن "عقبة بن نافع" و"صلاح الدين الأيوبي"، من مناهج اللغة العربية كذلك. بدورها، الشقيقة الجزائرية عدّلت عددا من مقرراتها. وقد لاقت بعض تلك التعديلات انتقادات لاذعة، لا سيما حين عمدت إلى "تعويض اسم فلسطين باسم "إسرائيل" في بعض خرائط مقرر التاريخ والجغرافيا". وفي الأردن، أخذ تنقيح مناهج التربية الإسلامية أبعادا أخرى، حين عمدت فُرق التنقيح إلى حذف آيات قرآنية وأحاديث نبوية من المناهج الخاصة بعدد من المستويات التعليمية، بالإضافة إلى حذف أسئلة تتعلق بتحرير المسجد الأقصى؛ حتى أن الواقفين وراء التنقيح سعوا إلى حذف توصيف للرحالة ابن بطوطة بكونه "حفظ القرآن الكريم صغيرا"، فضلا عن حذف أدعية من قبيل دعاء الدخول للحمام أو الخلاء. جواد حنافي، الباحث في الشأن التربوي، اعتبر أن المغرب ليس استثناء من حملة تغيير المناهج والمقررات التي تسارع دول إلى تطبيقها وتتباطأ أخرى، موضحا أن "موجات التخويف من الإسلام جارٍ بها العمل في كل أنحاء العالم، والزمن هو الكفيل بفضح المواقف والأفكار المُشيطنة لتوجيهات الإسلام السمحة". واعتبر حنافي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ما أسماها "توجيهات مُتحيزة" تضع الناس في سلة واحدة، ولا تُميز بين الأفعال المدبرة، ولو نسبت إلى الإسلام، وبين حقيقة الإسلام وجوهره وفلسفته، لافتا إلى أنه لم يثبت يوما أن "التربية الإسلامية، وفقا للمنهاج المغربي، قد خرَّجت إرهابيا أو شخصا عنيفا". "إذا ترك المجال لتعلم مفاهيم وأحكام التربية الإسلامية من المواقع الأجنبية وأصحاب الاتجاهات المنحرفة، فإن ذلك سيشكل خطرا على النشء والشباب، في سياق كل ممنوع مرغوب" يقول رجل التعليم لهسبريس، متابعا بالقول "لا حرج في تقديم المفهوم الصحيح "للجهاد"، باعتباره دفاعًا عن الأوطان تجاه العدوان الداخلي والخارجي ومكر المتآمرين، وباعتباره مجاهدة للنفس ضد أهواء حب المال ونزعات النفس المتطرفة". ويرى حنافي أن "التربية الإسلامية، في المناهج التربوية المغربية، لا تحرضُ على العنف أو الإرهاب"، معتبرا أنها مناهج متوسطة معتدلة متوازنة، موضحا أن "تأثير مناهج التربية الإسلامية ضعيف كثيرا؛ بل كذلك كل المقررات والمواد الدراسية، مقابل الإعلام الذي يعد صانع الحدث بامتياز،"، معتبرا أن تهميش التربية الإسلامية أكثر يمكن أن يفرز نتائج ستكون عكسية. وتساءل المتحدث عن الأسباب وراء الاستغناء عن سورة الفتح، على سبيل المثال، في منهاج السنة الثالثة ثانوي إعدادي، قائلا: "هل استغني عنها لأنها تتحدث عن المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات..، أو لأن فيها إشارات إلى غزوة خيبر؟ أو لأنها تحيل على أعذار التخلف عن الجهاد؟". وأضاف الباحث في الشأن التربوي أن الحذف طال أيضا دروس الإرث في السنة الأولى باكالوريا، متسائلا إن كان الإشكال في "توزيع الأنصبة على الذكور والإناث، وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية"، خالصا إلى أن "صدور المقررات ومقارنة قديمها بحديثها هو الكفيل بتدقيق حيثيات أسباب التغيير الحقيقية".