مقابل الجدل السياسي والحقوقي الذي أثاره قرار منع ترشح الناشط السلفي حماد القباج وكيلاً على لائحة حزب العدالة والتنمية في دائرة جليز بمراكش، بمبررات تتصل ب"بث الحقد والتفرقة والعنف في أوساط مكونات المجتمع المغربي"، تبادر إلى أذهان المتابعين للشأن السياسي والإسلامي ترشح نشطاء سلفيّين ضمن لوائح أحزاب مختلفة، ليطرح معه التساؤلات حول مدى تفعيل قرار "منع" مماثل. سلفيون في الانتخابات قبل أيام، أعلن الناشط محمد عبد الوهاب رفيقي، المعروف بأبي حفص، التحاقه رسميا بحزب الاستقلال، الذي رشحه بدائرة فاس الشمالية؛ وذلك بعدما قدم استقالته من الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة التي انضم إليه قبل ثلاث سنوات، بسبب ما أسماه الداعية السلفي "انسداد الآفاق وضعف الإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف التي من أجلها انخرطنا في هذه التجربة الحزبية"، وفق تعبيره. وكان أبو حفص قد توبع بتهم تتعلق بالإرهاب، ونال العفو الملكي مطلع العام 2012، قدم على إثرها مراجعات فكرية أثرت إيجابا على مسار عدد من النشطاء السلفيين المعتقلين، الذي أعلنوا بدورهم مراجعات فكرية وانخراطهم في العمل المؤسساتي والاعتراف بثوابت البلاد، قبل أن يعلن في يونيو عام 2013 انضمامه إلى الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة، رفقة نشطاء سلفيين آخرين. كما يستعد الشيخ عبد الكريم الشاذلي، أحد أبرز الوجوه السلفية في المغرب، من أجل الترشح ضمن لوائح حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بإحدى دوائر الدارالبيضاء؛ وهو الحزب الذي أسسه محمود عرشان، عميد الأمن الأسبق، ويترأسه حاليا نجله عبد الصمد عرشان، حيث لعب الشاذلي دورا ملحوظا في استقطاب نشطاء سلفيين إلى صفوف حزب "النخلة"، في الآونة الأخيرة. وكان عبد الكريم الشاذلي معتقلا إسلاميا سابقا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، إبان أحداث 16 ماي 2003، إذ حكم عليه ب30 عاما سجنا، قبل أن يحظى بعفو ملكي بعد قضاءه لثماني سنوات في السجن، ليعلن بشكل مفاجئ عام 2015 انضمامه إلى حزب "النخلة"، ويتحمل مسؤولية "المنسق الوطني" للحزب والمشرف على ذراعيه الحقوقي والدعوي، تحت مسمى "هيئة المصالحة والدفاع عن الحريات" و"الحركة السلفية للإصلاح السياسي". "منع" القباج ومدونة الانتخابات وكان حماد القباج قد تسلم رسالة رفض ترشحه لخوض غمار عضوية مجلس النواب، من عبد الفتاح البجيوي، والي جهة مراكشآسفي عامل عمالة مراكش، والتي تضمنت بالنص: "تبين من خلال البحث الإداري في شأن ملف الترشيح.. أن المعني بالأمر عبّر في مناسبات علنية عن مواقف مناهضة للمبادئ الأساسية للديمقراطية التي يقرها دستور المملكة، من خلال إشاعة أفكار متطرفة تحرض على التمييز والكراهية وبث الحقد والتفرقة والعنف في أوساط مكونات المجتمع المغربي". وحسب مصادر مقربة من الناشط السلفي حماد القباج، فقد أعلن هذا الأخير توجهه إلى القضاء الإداري من أجل الطعن في القرار. وأكدت المصادر ذاتها، في تصريحات لهسبريس، أن "المسار القانوني الذي سيسلكه القباج سيكون أسلم له من الاحتجاج حقوقيا وإعلاميا، خاصة إذا علمنا أن القضاء سبق أن انتصر لحزب العدالة والتنمية في نوازل طالبت بعزل منتخبين في عدة مدن". وتضيف المصادر ذاتها، المنتمية إلى حزب "المصباح"، أن مدونة الانتخابات "لا تضم أي مانع يحيل إلى أفكار التطرف، التي لا يتبناها القبّاج أصلا ويحاربها في محاضراته وتدويناته". وتُورد النصوص الواردة في "مدونة الانتخابات"، على مستوى الباب الثاني المخصص ل"شروط أهلية الترشح وموانعه"، "المادة 41: يشترط في من يترشح للانتخابات أن يكون ناخبا وبالغا من العمر 23 سنة شمسية كاملة على الأقل في التاريخ المحدد للاقتراع". أما المادة الموالية، فتتحدث عن الممنوعين من الترشح، ضمنهم "المتجنسون بالجنسية المغربية خلال السنوات الخمس التالية لحصولهم عليها". الموانع الأخرى تتضمن: "الأشخاص الذين صدر في حقهم قرار عزل من مسؤولية انتدابية أصبح نهائيا.."، و"الأشخاص الذين يزاولون فعليا الوظائف الآتي بيانها أو قد انتهوا من مزاولتها منذ أقل من ستة أشهر في التاريخ المحدد للاقتراع: القضاة؛ قضاة المجلس الأعلى للحسابات وقضاة المجالس الجهوية للحسابات.."، بجانب "الأشخاص المحكوم عليهم نهائيا بعقوبة حبس نافذة أو عقوبة حبس مع إيقاف التنفيذ كيفما كانت مدتهما من أجل إحدى الجرائم..". حمادة: ترشح القباج مشوش على صورة المغرب منتصر حمادة، الباحث في الشؤون الدينية والجماعات الإسلامية، استبعد أن يتم إصدار قرار منع مماثل في حق أبي حفص أو الشاذلي أو باقي السلفيين المنتظر ترشحهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، موضحا أن الأسماء المذكورة سبق لها أن قدمت مراجعات فكرية وعلنية؛ بالرغم من أنهم حوكموا فيما سبق بموجب قانون مكافحة الإرهاب. بخصوص القباج، يورد حمادة: "فقد كان متوقعا منع ترشحه في الانتخابات وكيلاً على لائحة العدالة والتنمية في مراكش"، مبيّنا أن "الأمر لا علاقة له بمواقفه، فلا مشكل للمغاربة مع حماد القباج وأفكاره"، حيث شدد على أن الإشكال المطروح هو في "صورة المغرب على مستوى الخارج"، موضحا أن ترشح القباج كانت له أصداء عالمية سلبية "المعني تحدث عن اليهود، ونعلم أن هناك لوبيات يهودية في الغرب". وتابع الباحث المغربي، في تصريح لهسبريس، أن "المغرب منفتح وأخذ مسارا مشهودا وملحوظا في التسامح مع مختلف الدينيات؛ لكن تصريحات القباج المعادية لليهود مشوشة لا محالة على هذا المسار"، فيما لم يستبعد أن تكون هناك ضغوط ضد المغرب في الوقوف ضد ترشح حماد القباج، الذي توجه اليوم بمراسلة إلى العاهل المغربي، يطالبه فيها بالتدخل في قضيته. واستطرد حمادة قائلا إن الإشكال غير مطروح مع الإسلاميين ممن قدموا مراجعاتهم الفكرية، "لا ننسى أن أعضاء حزب العدالة والتنمية كانوا في السابق أعضاء في الشبيبة الإسلامية وهم الآن موجدون في الحكومة بعد انخراطهم في العملية السياسية"؛ وهو الوضع نفسه الذي يحصل مع مشايخ السلفية الحاليين "مثل أبي حفص الذي كان من قبل مناصرا لأسامة بن لادن؛ لكنه تراجع عن أفكاره وانخرط في السياسة"، على حد تعبيره.