في ظل المظاهرات التي تدعو لها حركة العشرين من فبراير يمكن أن تعثر وأنت تتجول بين المتظاهرين على أنواع شتى من الشعارات التي تعبر عن مطالب معينة للحركة.منها ما أعتبره منطقيا من حيث الطرح بغض النظر عن مؤاخذاتي على الطريقة التي طرح بها، ومنه ما أعتبره تافها من حيث المضمون أو من حيث طريقة الصياغة. الشطر الثاني من المطالب لا يهمنا على أي وجه، ليبقى الشطر الأول هو الذي يستفز أقلامنا لعلنا نجادل شباب الحركة حول منطق هذه الشعارات والمطالب، ومدى مشروعيتها وإمكانية تحقيقها، وما جدية شباب الحركة في طرحها. هذه المطالب من قبيل: الشعب يريد إسقاط النظام...الشعب يريد نظام ملكي برلماني...الشعب يريد إصلاح الدستور...الشعب يريد محاكمة رموز الفساد.. مع أني لا أعرف من أعطى التفويض لهؤلاء الناس ليتحدثوا باسم الشعب، إلا أن ذلك لا يمنع من ناقشة هذه الشعارات المرفوعة. الشعب يريد إسقاط النظام...شعار جريء لكن عمره كان قصيرا جدا، فقد رفع مع بداية المظاهرات وبعد ذلك أصبح في خبر كان. أعتقد أن شباب العشرين من فبراير سمعوه يتردد بإلحاح في القنوات الفضائية، باعتباره الصرعة الأخيرة في موضة التظاهر، فأخذوا هم كذلك يرددونه من باب التقليد ومسايرة الموضة لا غير، حتى إذا أدركوا أنه يفوق عضلاتهم تراجعوا عنه وجعلوه من أخطاء الماضي، فاغتالوا في بواطنهم بذرة الثورة، وعكفوا على المناجاة بطريقة حميمة تشبه التودد. خصوصا بعدما جزرت أذهانهم فكرة مفادها: إنكم تحتاجون إلى مزيد من الاستبسال. لا أقول أن شباب الحركة تنقصهم الشجاعة، بل هو الارتباك، وعدم الوضوح في الرؤية، وتذبذب في المواقف، ولنا أن نتصور حجم الرعشة الباردة التي تتملك أحدهم كلما ذكر اسم الملك!! فالمتظاهر الذي يرفع لافتة مكتوب عليها:( الشعب يريد إسقاط النظام) والذي لا شك يقل للملك (ارحل)، هو نفسه هذا الرجل أو هذا الشاب عندما سيسمع بقدوم الملك لتدشين دار طالبة في مدينته، سيكون أول المهرولين لمصافحة الملك أو حتى التمتع برؤيته عن بعد! إذا هذا الشعار لا يعادل حتى قيمة القماش الذي كتب عليه، لذلك فقد ظهر أحد شباب الحركة أمام الكاميرا، وبعدما اعتبرنا أميين لا نفهم، اخذ يلقننا درسا في القانون الدستوري قائلا: ( عندما نقول أن الشعب يريد إسقاط النظام، فإننا نقصد أن نتحول من الملكية الدستورية إلى الملكية البرلمانية) ( يا سبحان الله!) وبذلك يكون هذا الشاب قد خلق قاموسا جديد في تفسير المعاني. رغم أني متأكد بأن المتحدث لا يفهم معنى الملكية الدستورية أو البرلمانية إلا أن ذلك لا يمنعني أن أوجه له هذا السؤال: من قال لك يا رجل أن النظام الساري في المغرب هو نظام ملكي دستور؟ إذا كنت تعتقد ذلك فأنت ساذج! الملكية الدستورية تعني أننا في دولة مؤسسات، يكون الدستور هو الفيصل في توزيع الاختصاصات على كل من المؤسسة الملكية والحكومة وكذلك البرلمان، بحيث كل مؤسسة تقوم بواجباتها بشكل محدد دون أن تتجاوزه، فيما الشعب يقوم بدور المراقبة...وهذا ما هو بعيد عن الواقع عندنا، فالملك فوق الجميع، دون أن يخضع عمله للمحاسبة، كما أن الحكومة تنازلت عن كل اختصاصاتها لتجنب أي إحراج مع القصر، بينما احتفظت بلقب: حكومة ! أما البرلمان فإن مجرد الحديث عنه يكون مثيرا للضحك! في ظل هذا الوضع، كيف نقتنع بأن النظام السائد في المغرب هو نظام ملكي دستوري؟ أعتقد أنه بعيد عن التحقيق، ولن أكون مغاليا إذا اعتبرته حلما مثيرا للإعجاب. عندما يتحقق يمكن أن نفكر في النظام البرلماني، و يمكن كذلك أن نستمع إلى هذا الفيلسوف الذي هو مصر على أن يفقع رؤوسنا بأن إسقاط النظام يعني الانتقال من ملكية دستورية إلى ملكية برلمانية!!! هذا سيحيلنا إلى شعار آخر يقول: (الشعب يريد نظام ملكي برلماني) وحبذا لو يتم تعديله ليصبح: (الشعب يريد أن يفهم النظام الملكي البرلماني)، ولتكن هذه هي الخطوة الأولى، وعندما يستوعب الشعب مضمون الفكرة ويستوعبها، بعد ذلك نفكر هل نتبناها كشعار أم لا. النظام الملكي البرلماني هو الساري في بريطانيا و إسبانيا، بمعنى أنه إذا طبق في المغرب، فإن الملك سيصبح عالة على الشعب بدون شغل ولا مشغلة، مما سيدفعنا لنتساءل: ما الداعي لوجود الملك في هذه الحالة؟ لو قالت حركة 20 فبراير: (ارحل) لفهمناها بشكل أوفر، لأن من يطالب بنظام ملكي برلماني، فكأنما يطالب برحيل الملك، لكن هل تساءلت الحركة عن من سيكون في منصب رأس الدولة بعد ذلك. ربما سنبحث عنه في مختلف ربوع هذا الوطن السعيد، فلن نجد أصلح من السيد أحرضان لشغل هذا المنصب! وعندها سنصبح مصدرا للتنكيت عند العرب والعجم. أهذا ما تريده حركة 20 فبراير؟ عليكم أن تفهموا أيها السادة، أننا في المغرب نعيش أزمة غياب الزعامات الوطنية، وذلك ناتج عن التدجين السافر للمجتمع السياسي برمته من طرف الدولة، مما أفرز نخبة سياسية من المنتفعين بدل إفراز زعماء حقيقيين يلجأ لهم الشعب لتسيير شؤون الوطن. فعندما يكون لنا رئيس وزراء حقيقي في ظل نظام ملكي برلماني، لا شك أن السؤال الوجيه في هذه الحالة هو:ترى من يكون؟ هل هو السيد عباس الفاسي أو السيد محند العنصر ام تراه السيد اليازغي وربما يكون السيد عبد الإله بن كيران الذي لم نعد نفهم هل يمارس السياسة أو التهريج؟! وهنا أسألكم بشكل مباشر: ألم تشعروا بالضحك والسخرية وأنتم تتصفحون هذه الأسماء ؟ فأن تكون فاطمة وشاي (نسيبة حديدان) على رأس الحكومة، أفضل لنا من العيش تحت رحمة هؤلاء، على الأقل فأداؤها سيكون أفضل!!! وبما أن النظام الملكي البرلماني يحتاج حتما إلى تعديل الدستور فقد فطنت الحركة إلى هذه النقطة (نعم الذكاء)، لذلك رفعوا في وجوهنا شعارا أكثر حلاوة من الذي قبله، وهو: الشعب يريد تعديل الدستور. غالي والطلب رخيص، هكذا أجاب القصر. بل وأضاف للشعار كلمة (شامل) كهدية حب وود إلى المتظاهرين.ولأن الطلب رخيص جدا فقد تم الاستجابة له بسرعة البرق، وكأن الفكرة تقول:خذوا الدستور وفوقه (بوسة) مادمتم قد سلمتم لنا رقابكم. أما نحن فندعو إلى التمسك بالدستور الحالي ما دمنا لم نرقب فيه أي عيب على الإطلاق، وذلك قبل التفكير في إجراء أي تحديث أو تعديل، فالمشكل مرتبط بالتطبيق وليس بالتشريع، فمن السذاجة أن نطالب بتطوير شيء لم نستطع مسايرته في نموذجه القديم. فما ذنب الدستور إذا كان لا يطبق؟ وما ذنبه إذا كان بشكله الرجعي الحالي هو أكثر تحضرا من صانعيه؟ الإشكال لا يكمن في تعديل الدستور ولكنه في تطبيقه. فعندما يصبح عبارة عن كتيب أبكم لا ينطق، فمن الأفضل نسفه وليس تعديله. الدستور الحالي جميل ورائع، راجعوه من فضلكم، صفحة صفحة، فصلا فصلا، وقلبوه يمينا ويسارا، فلن تجدوا فيه ولو كلمة مشئومة تنص على أن من حق صديق الملك أن يحكم، ومع ذلك فهو يحكم! فهل نلوم مرة أخرى الدستور؟ صحيح أن من سيقرأ هذا الدستور سيدرك أن كاتبه شخص هارب من العصر الوسيط، إلا أن هذا لا يمنع من إلزامية تطبيقه، ولتكن تلك هي أولى الخطوات نحو التفكير في تعديله. هنا سنرجع إلى شعار آخر ترفعه الحركة: (الشعب يريد محاكمة رموز الفساد)، وهنا لا أفهم كيف يطالب الشعب بمحاربة الفساد وهو أكبر وكر لصنع هذا الفساد؟ فقبل أن يصدح بمحاربة المفسدين لا بأس أن يحارب نفسه. من صنع هذه الرموز أليس هذا الشعب الفاسد؟ صحيح أن هناك رموزا لا علاقة لها بالشعب لا من قريب ولا من بعيد، كما أن الشعب لا يتحمل وزر تسمينها، وإنما هي مخلوقات عجيبة تشبه الدينصورات في شكلها البشع، سقطت على رؤوسنا في يوم زخم بالرعد والبرق،وهم المرتزقة المحيطين بالقصر. لكن هذا لا يعني ان الشعب بريء من تهمة الفساد، كشعب فاسد خلق نخبة فاسدة. الغريب هو أن الحركة تركز في شعاراتها على ثلاث أسماء، بينما تغيب الجرأة لقذف شعار مماثل في وجه من صنع هذه الأسماء، فلا شيء يأتي من عدم. من باسمه تمرح هذه الدينصورات بدون حسيب ولا رقيب؟ سؤال أصفع به شباب الحركة واعتقد أن الجواب أسهل من نطقه.فإذا توصل مريدي الحركة إليه واعتقد أنهم أذكى من ألا يفعلوا ذلك، فما عليهم إلا أن يرفعوا الشعار الصحيح وإلا فليكفوا عن إزعاجنا. ومن ناحية أخرى لا أفهم لماذا يتم اختزال الفساد في هؤلاء الأشخاص؟ مع أنهم مساكين لا يستحقوا منا كل هذا الهجوم الضاري. راجعوا تاريخهم، ستعرفون أن في حقهم قيل: (الفقير عندما يغتني يبقى يظن نفسه فقيرا أربعين عاما) لننتظر إذا حتى تنقضي الأعوام الأربعين وبعدها يأتي الفرج! أصل الفكرة إذا، أن الفساد لو كان فقط يعادل وجود هؤلاء المرتزقة الذين نرفع صورهم في المظاهرات، لكنا محظوظين، ولشهد لنا في العالم بأننا أكثرالأوطان شفافية ومصداقية وعدلا، لكن الأمر أبلغ من ذلك، فهناك أكثر من ثلاثين مليون فاسد يعيشون على هذه الأرض، فكيف سنحاربهم يا ترى؟ فدعونا نقول ان الشعار الصحيح هو: الشعب يريد محاربة الفساد في ذاته. ومع ذلك فحركة 20 فبراير تشكل منعطفا جميلا في عمر هذا الشعب [email protected]