لقد آليت على نفسي ألا أنشغل، هذه الأيام المباركة، بأي ملف أو موضوع أو حدث دون ما يشغل طموح عموم المغاربة في هذه اللحظة الفارقة في تاريخنا المعاصر، إلا أنه هالني المستوى الذي ظهر به الطيب الفاسي الفهري، في لحظتين متباينتين وخطيئتين سياسيتين بشكل لا يليق بوزير خارجية دولة، الأولى كانت تحت قبة مجلس النواب خلال اجتماعه بأعضاء لجنة الشؤون الخارجية الأسبوع الماضي، والثانية كانت أثناء إلقاء كلمته تحت قبة جامعة الدول العربية، لاختيار الأمين العام الجديد، خلفا لعمرو موسى. كانت الخطيئة السياسية الأولى خشونة وقسوة الطيب الفاسي الفهري مع النائبة السيدة كجمولة بنت أبي، تصرف لا يليق بوزير خارجية تجاهها كسيدة، وهو العارف بأدب التعامل مع النساء دبلوماسيا ولباقة، وكنائبة برلمانية تمثل حزبا وأمة، وكمواطنة من أقاليمنا الصحراوية، في ظرفية سياسية دقيقة تمر بها قضيتنا الوطنية، ردا على انتقادها لأداء دبلوماسيته وسياسة الدولة في إدارة الأزمات. ففي رده على انتقادات السيدة كجمولة، وهو يعتقد أنه يدافع عن سياسات الدولة المغربية في الصحراء، قال الفاسي الفهري بأن "فوسفاط بوكراع لا يمثل سوى 1،6% من صادرات فوسفاط المغرب و1% من مداخيل الخزينة"، كما قام يتبجح، متفضلا على سكاننا في صحرائنا، ب،"منجزات الدولة التنموية والاقتصادية في الأقاليم الجنوبية من مشاريع الطاقة والبنى التحتية". هذا كلام خطير، قد يعطي انطباعا لأهالينا في الأقاليم الجنوبية بأن الدولة المغربية تمن عليهم كأنها قوة استعمارية لا يربطها بتلك المنطقة سوى الفوسفاط وبناء الطرق والمدارس لسكانها واستغلال ثرواتها، وليست رابطة التاريخ والدين واللغة والجغرافيا. إن ما يجب أن تقوم به الدولة المغربية تجاه أقاليمنا الجنوبية وكل مناطق المغرب هو واجب دستوري وسياسي، وليس لوزير الخارجية أن يذكر به السيدة كجمولة كأنها منة منه. لقد كان تقييم السيدة كجمولة للدبلوماسية المغربية، خلال اجتماع اللجنة، سياسيا ومسؤولا ودقيقا وقويا، حيث عابت على المقاربة الأمنية للدولة والدبلوماسية سوء إدارة أزمة مخيم العيون وقضية الانفصالية السيدة أمينتو حيدر ومجموعة التامك، وأشارت إلى أن مثل هذه الممارسات توحي لسكان أقاليمنا الجنوبية، خاصة الوحدويين، بأن الدولة غير جادة في شعاراتها وإعلان النوايا التي ترددها أمام المجتمع الدولي، مضيفة بأن الصحراويين "لم تعد تهمهم مبادرة الحكم الذاتي الموسع"، التي اعتبرتها "استهلاكا خارجيا لربح معركة سياسية خارجية، ولتحييد خيار الاستفتاء ومشروع بيكر"، ومؤكدة، في تصريح خطير لم يستوعبه الفاسي الفهري، أنه "لو كان للبوليساريو ما يعطيه في مجال حقوق الإنسان، لما كنت هنا"، أي لما اختارت العيش في المغرب، ثم قامت وغادرت الاجتماع بسبب غطرسة الوزير ورفضه للحوار. الخطيئة السياسية الثانية التي ارتكبها الطيب الفاسي الفهري، كانت خلال مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية العرب لاختيار الأمين العام الجديد، خلفا لعمرو موسى. إنك تشعر بالرجل وهو يحاول التحدث باللغة العربية كأن في حلقه شوك أو في حالة غرق، ناهيك عن المستوى اللغوي المريع، نطقا ومصطلحا وفهما لغويا ودراية بمفردات اللغة الدبلوماسية وأدبيات الخطاب السياسي. أعتقد أنه لم يكن يعي ما يقول ولم يكن يقصد أن ما نطق به لسانه العربي هو ما كان يفكر فيه عقله ووجدانه الفرنكوفوني. لقد اختلطت عليه الفصحى باللهجة المشرقية وبدا متلعثما ومرتبكا وسمعناه يشكر دولة قطر بأنها "فتحت لنا الباب"، لست أدري أي باب يقصد، ويتملق الأمين العام المنتهية ولايته، عمرو موسى، بأنه "تعلم منه الكثير حين كان كاتبا للدولة ووزيرا للخارجية واستفاد منه خلال العمل معه"، ويهنئ الأمين العام الجديد، وزير خارجية مصر، نبيل العربي، قائلا "إننا سنستفيد من خبرته كأستاذ القانون الدولي". لقد كانت كلمته إساءة للدبلوماسية المغربية. إنه لمن العار والإهانة لنا كشعب وكدولة أن يبدو وزير خارجية المغرب صغيرا أمام عمرو موسى، الذي وضع يده على خده ورأسه مائل يتأمل حالة البؤس التي بلغتها الدبلوماسية المغربية مع الفاسي الفهري الذي بلع لسانه ولا يدري ما يقول، فكانت كلمته نفاقا ومداهنة وخالية من أي معنى، لا مضمونا سياسيا ولا لباقة دبلوماسية ولا قيمة مضافة في سياق أحداث كبرى ومفصلية تشهدها المنطقة العربية والعالم. لقد أصبح الحضور الدبلوماسي المغربي على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي، خلال استوزار الطيب الفاسي الفهري، باهتا وضعيفا لا يساهم في المبادرات الدولية والعربية حول الأزمات التي تشهدها الساحة العربية، خلافا للدبلوماسية القطرية والسعودية والتركية والإيرانية والمصرية، التي استوعبت بسرعة عمق التحولات العربية وراحت تبادر وتنخرط في مبادرات وتتحالف من أجل إسماع صوتها وتحقيق مصالحها القومية وتأكيد دورها ومكانتها في مسرح الأحداث الإقليمية والدولية لحجز مكان لها في عالم ما بعد الثورات والتغيرات السياسية العربية. أدعو الطيب الفاسي الفهري، إذا كان يملك الكفاءة المهنية والدراية السياسية والإحاطة الدقيقة بخفايا وأبعاد دعوة مجلس التعاون الخليجي المغرب للانضمام إليه، أن ينظم مؤتمرا صحافيا، كما يفعل وزراء خارجية العالم، ليشرحها للرأي العام الوطني ووسائل الإعلام ومراكز البحث والدراسات، ويعلن رد المغرب على هذه الدعوة وأسباب الرفض أو القبول، قبول كلي أو جزئي، ويقدم معالم سياستنا الخارجية من العديد من القضايا التي تشغل العالم العربي والإسلامي والعالم أجمع. تجدر الإشارة إلى أن المغرب أصبح، منذ سنوات، بدون أي مظلة إقليمية يستظل بها ويتحرك من خلالها. فبعد انسحابه غير المبرر من منظمة الوحدة الإفريقية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لم يقدم على أي مبادرة بديلة جادة أو يتوفق في اختراق الموقف الإفريقي رغم سحب أو تجميد عشرات الدول الاعتراف بالبوليساريو، ومع موت منظمة دول عدم الانحياز عقب نهاية القطبية الثنائية، والشلل الذي أصاب منظمة المؤتمر الإسلامي، والموت السريري للجنة القدس برئاستنا، والغيبوبة التي دخلها اتحاد المغرب العربي، وانتحار مسار برشلونة، ومرض الخرف الذي تعانيه جامعة الدول العربية، وغياب الملك عن العديد من اجتماعات القمة العربية والإسلامية والدولية، بقي المغرب في العراء بدون غطاء مؤسساتي سياسي ودبلوماسي. وبدل التمسك بعمق المغرب العربي والإسلامي، نلاحظ الدبلوماسية المغربية، خاصة في عهد الفاسي الفهري، ترتمي، بأي ثمن، في أحضان الاتحاد الأوروبي والاتحاد من أجل المتوسط والحلف الأطلسي ومنظمات أوروبية أخرى أمنية وسياسية ومناورات عسكرية، إسرائيل شريك استراتيجي فيها، لن تزيد الدولة المغربية إلا بعدا عن هموم وقضايا الأمة العربية والإسلامية، خاصة القضية الفلسطينية والتحولات السياسية التي نعيشها اليوم. يفسر هذا التحول تقديم مرشح لمنصب أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط وليس أمين عام جامعة الدول العربية، والعمل على فتح مفاوضات جديدة مع الاتحاد الأوروبي حول الوضع المتقدم، بدل تطوير وتقوية دور المغرب داخل منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والعودة إلى الوحدة الإفريقية. على ذكر المناورات العسكرية، نريد من وزير الخارجية أن يشرح للرأي العام الوطني، في مؤتمر صحفي، في أي إطار ستقود قوات أجنبية، "المارينز" الأمريكية، هذه الأيام، مناورات "الأسد الإفريقي" فوق التراب الوطني بضواحي طانطان؟ حيث يعتقد أن هناك مقرا مؤقتا لقيادة "الأفريكوم" الأمريكية المكلفة برصد ومتابعة أنشطة تنظيم القاعدة في منطقتي المغرب الإسلامي ودول الساحل والصحراء والقرن الإفريقي، بمشاركة 2000 جندي أمريكي و900 جندي مغربي. إن إجراء مثل هذه المناورات ذات الطبيعة العسكرية والاستخباراتية، في سياق هذا الحراك السياسي والاجتماعي المغاربي والعربي، تطرح أكثر من سؤال، على وزير الخارجية أن يجيب عنه أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، شريطة ألا يتصرف مرة أخرى مع نواب الأمة بازدراء واستعلاء، كسابق فعله مع السيدة كجمولة. * دبلوماسي سابق [email protected]