لا حديث يطيب للأسر المغربية التعبير فيه بطلاقة هذه الأيام، بل بتسلسل في العبارات المثقلة بالآهات، سوى ما يتعلق بالضغط الذي تتحمله ميزانياتها، خاصة العائلات الفقيرة منها، في هذه الفترة من السنة التي تعرف تزامنا في المناسبات التي انطلقت مع شهر رمضان، مرورا بالعطلة الصيفية، ثم عيد الأضحى، وصولا إلى الدخول المدرسي. متلازمة المناسبات هذه يبدو أنها أصابت جيوب العديد من الأسر حتى بات يسمع أنينها في شتى الأحاديث على مدار الساعة، لاسيما أحاديث النسوة حيث ما حللن وأين ما ارتحلن. عائشة، واحدة منهن، لم تخف استياءها من الوضعية الحالية التي جعلتها تكابد مرارة التكاليف المضاعفة خلال هذه الفترة، تقول وعلامات التأثر بادية على محياها: "قاسحة علينا القاضية أوليدي. لي ماعندوش ماندة كل شهر راه تايكل الشحط، ما علينا غير بالصبر، الله يعطينا من عندو". مما لا شك فيه أن مصاريف أربع حقائب مدرسية يتطلب نفقات إضافية، زيادة على كلفة أضحية العيد المرتفعة هذا العام، تقول عائشة، التي تقطن بمدينة سلا: "المصاريف جات متتابعة. ما حيلتنا للعيد الكبير ولا الدخول المدرسي، وما غاديش نتقالو من تا حاجة"، قبل أن تكشف في حديث مع هسبريس عن حجم الضرر الذي تخلفه هذه العاصفة من المصاريف على باقي الأسر من أبناء طبقتها، "حرمنا راسنا من العطلة باش يالاه نتكافاو مع العيد الكبير والدخول المدرسي. وياربي نجيبو الحساب قد قد"، تورد صاحبة 56 ربيعا. المعاناة لا تفرق بين الرجال والنساء، بل الفرق في من يمسك بزمام الأمور المالية بالبيت، والحاج أحمد واحد من المتضررين من هذه الفترة. بملامح متجهمة اتضحت فقط بعد طرح سؤال تزامن ثلاث مناسبات في فترة متقاربة، عبّر الرجل عن ضيقه الشديد من الوضع المادي الذي يعيش فيه، لاسيما وأن مصاريف الدخول المدرسي التي سينفقها خلال أيام قليلة تساوي ثلاثة أضعاف؛ أي ثلاثة أبناء. "هادشي بزاااف، بزاااف. كلشي جا دقا وحدة ماحيلتك لهادي ولا لهادي، أنا بعدا تقهرت. الرجا في الله"، كلمات الحاج محمد، في حديثه مع هسبريس، هو الذي يشتغل تاجرا بسيطا، تعكس معاناة فئة واسعة من المواطنين المغاربة الذين يئنون تحت وطأة مناسبات بعضها مفروض كالحقيبة المدرسية، وبعضها حسب الاستطاعة كأضحية العيد، فيما تبقى العطلة ضرورة لا غنى عنها. وفي ظل هذه الصعوبات المادية التي تعيش على وقعها العشرات من الأسر المغربية، يستطيع البعض بحساب بسيط أن يتجاوز هذه الفترة. هشام، موظف بقطاع العدل، ليس كسابقيه على الإطلاق، لم يتأثر بتبعات سلسلة المناسبات هاته، في ظل تحضيره المسبق ووعيه بأهمية تدبير المرحلة، "التدبير الجيد يجعلك في غنى عن هذه الأزمات. المشكل لي كاين هو أن الموظف كيبقا يديّق الصالير بكثرة الكريديات"، يقول الرجل الذي شدد في معرض كلامه على ضرورة عدم اللجوء إلى القروض؛ "لأنها لا تحل المشكل بقدر ما تزيد من تعقيده"، على حد تعبيره. ولتجاوز شبح الأزمة المالية الذي يضرب الأسر المغربية المنتمية للطبقة الهشة خلال هذه الفترة من السنة، أكد صاحب ال35 ربيعا على ضرورة التفكير القبلي لهذه المرحلة المتسمة بارتفاع النفقات؛ "الواحد هو لي يخمم مزيان، ماشي تا يتزير عاد يبدا يفكر ويلقا راسو حاصل ولا غارق في الكرديات"، يورد المتحدث ذاته. تدبير حديث بأفكار تقليدية مغربية، ذلك حال هشام، الأب لطفلتين الذي يعتمد على وسيلة خاصة للتوفير بطريقة سائدة لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة، "كاندير واحد القرعة مع الموظفين لي خدامين معايا، كنوفر فيها واحد البركة"، قبل أن يزيد بالقول بابتسامة تعلو وجهه؛ "دابا شديت 4000 درهم غادي نعاون بيها على الأدوات ديال الدراري والحولي ديال العيد الكبير"، قبل أن يستدرك: "واخا هاكاك القاضية صعيبة". من يحمي الأسر؟ سؤال من يحمي هذه الفئات من الضغط المالي المترتب عن هذه المناسبات المسترسلة ومن المسؤول عن أحوالها الصعبة نقلناه إلى إحدى الجمعيات المدافعة عن حقوق المستهلك. عبد القادر طرفاي، رئيس جمعية الفتح لحماية المستهلك، حمّل مسؤولية إثقال كاهل الأسر بالنفقات خلال هذا "الدخول الاجتماعي" إلى المقاربة التي تعتمدها الحكومة في التعامل مع البعد الاجتماعي، "للأسف هذه المقاربة كانت بعيدة كل البعد عن الاستجابة لحاجيات المواطن وجعل دخله يكون في مستوى مواجهة عدد من المتطلبات"، يقول طرفاي قبل أن يضيف: "توجه الحكومة لبرالي بشكل متوحش لأنه فتح الباب أمام اقتصاد السوق بشكل أضر بالدخل الفردي للمواطن وأضر بالقدرة الشرائية". وأكد طرفاي، في تصريح لهسبريس، أن "هذه المقاربة تساهم في رفع أسعار الأضاحي بسبب تأثيرها على المنتجين الذين يتحملون المصاريف المرتفعة للنقل والعلف"، مضيفا أن "الأمر ذاته ينسحب على الدخول المدرسي؛ حيث فتحت الحكومة الباب في قطاع الكتب المدرسية إلى الخواص واقتصاد السوق إلى درجة لم تعد هناك مناهج واضحة في إنجاز المقررات الدراسية، بل أصبح السوق هو المحدد". "حتى بعض الممارسات التي ألفناها خلال سنوات مضت وكانت تقلص حجم التكاليف، مثل توارث الكتب المدرسية عبر الأبناء داخل الأسرة الواحدة، لم تعد واردة بسبب هذه السياسية المتبعة في قطاع الكتب المدرسية"، يقول الفاعل الجمعوي، مضيفا: "أصبح لكل حي كتبه الخاصة، وهذا غير موجود في الدول غير اللبرالية التي تعتمد على توحيد المناهج، فالكتاب عندنا لا تتعدى صلاحيته سنة واحدة". وأمام هذا الوضع الذي يقض مضجع مغاربة الطبقة الفقيرة، "نحن عاجزون عن فعل أي شيء"، يقول رئيس جمعية الفتح لحماية المستهلك الذي أكد على "محدودية صلاحيات هذا النوع من الجمعيات التي لا تستطيع تجنيب المواطنين هذا الضرر"، قبل أن يضيف: "دورنا يقتصر فقط على الإرشاد والتوجيه نحو المسالك التي يمكن للمواطن إتباعها من أجل الدفاع عن حقه كمستهلك".