بعد مرور ستة أشهر على الاعتداءات الدموية التي استهدفت العاصمة بروكسيل وخلفت 32 قتيلا وعشرات من الجرحى، فضلا عن الخسائر الاقتصادية ووقعها النفسي على المواطنين؛ تعيش الحكومة البلجيكية على إيقاع الحرب على الإرهاب. وسيشكل الجانب الأمني أحد محاور برنامج حكومة شارل ميشيل، خلال الدخول السياسي الحالي. شارل ميشيل، الوزير الأول البلجيكي، سبق أن كشف، مؤخرا، لوسائل الإعلام، عن الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي المشار إليه؛ ففي حوار أدلى به للصحافة، أكد شارل ميشيل أن الحرب على الإرهاب تشمل الجانب القانوني من خلال توسيع آجال الحراسة النظرية والقيام بمداهمات ليلية. هذا الإجراء كان قد منع الشرطة من إلقاء القبض على صلاح عبد السلام، أحد المتورطين الأساسيين في اعتداءات باريس في نونبر الماضي. ويتعلق الأمر أيضا بملاءمة التشريعات الجاري بها العمل حول الكاميرات الخاصة للمراقبة بشكل يتم ربطها بأجهزة الشرطة. هذا الإجراء سيمكن، حسب شارل ميشيل، من استباق تدخل رجال الأمن ومساعدة المحققين في رفع اللبس عن ظروف أي عمل إرهابي أو إجرامي. كما يروم "المخطط الأمني" توسيع صلاحيات شركات الحراسة الخاصة. وفي هذا الإطار، يعتزم الوزير الأول البلجيكي تحديد مهام شركات الحراسة الخاصة بشكل واضح؛ حتى تشمل مراقبة المراكز التجارية، على سبيل المثال، من أجل السماح للشرطة بالتفرغ لمهامها الأساسية. وأعلن شارل ميشيل عن إحداث هيئة جديدة للأمن لمراقبة المباني والمواقع التي قد تشكل هدفا محتملا لاعتداءات، من أجل تعويض انتشار الجيش في الشوارع منذ يناير الماضي. وقال في هذا الصدد: "قررنا إحداث هيئة جديدة للأمن تلقت تكوينا خاصا لمراقبة المباني والمواقع، التي قد تشكل هدفا محتملا لاعتداءات. جنودنا لن يظلوا، إلى الأبد، منتشرين في الشوارع لمراقبة مواقع أو مبان". وأكد الوزير الأول أنه بهذا القرار يسعى إلى الإجابة عن مطالب بعض عناصر الجيش الذين عبّروا عن استيائهم من مهمة المراقبة في الشوارع والتي قامت الحكومة بتمديد مدتها إلى غاية الثاني من أكتوبر المقبل. وفي ما يخص محاربة التطرف، الوجه الآخر للحرب على الإرهاب، أكد الوزير الأول على "تعبئة أكبر لرؤساء الدوائر من أجل رصد ظاهرة التطرف وإيجاد، بتنسيق مع القضاء، أفضل السبل لمحاربته". وفي السياق ذاته، أعلن شارل ميشيل أن القوانين ستكون أكثر صرامة في حق الأشخاص الذين ينشرون الكراهية والأفكار المتطرفة، وكذا مع المهاجرين في وضعية غير شرعية. وأثار هذه القضية في علاقة مع المدعو الشيخ العلمي، وهو إمام متطرف من مدينة ديزون والذي صدر في حقه قرار الطرد، الذي كان ابنه قد دعا مؤخرا في شريط فيديو إلى قتل المسيحيين. ويأمل شارل ميشيل مناقشة أمام البرلمان جريمة الدعوة إلى الإرهاب. وقال في هذا الصدد: "كانت هناك مقترحات قانون لمعاقبة الدعوة إلى الإرهاب. إنها نقاشات لن تتفاداها مجتمعاتنا؛ لكن ثمة ضرورة لنقاش جدي بالبرلمان". كما تعتزم الحكومة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة اتجاه المقاتلين الأجانب الذين يعودون إلى بلجيكا بكثافة؛ فقد أعلن تيو فرانكن، كاتب الدولة المكلف باللجوء والهجرة، أن قطاعه أعدّ مشروع قانون يروم تسهيل سحب بطائق الإقامة من الأجانب - على الرغم من إقامتهم لسنوات في بلجيكا – الذين يمثلون تهديدا للأمن الوطني أو خطرا على النظام العام. وأكد فرانكن، مؤخرا، في تصريح تناقلته وسائل الإعلام: "أريد أن أمنعهم من الدخول هنا. إنهم مجرمون... علينا سحب البساط من تحت أقدامهم وسحب بطائق إقامتهم قبل أن يدخلوا التراب البلجيكي، حيث إنه يصعب إعادة ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية عند دخولهم بلجيكا، حيث إن من بينهم أفرادا من بلدان لا تربطنا بهم اتفاقيات ثنائية". وفي الموضوع ذاته، أعلن بارت دو ويفير، رئيس الحزب القومي، التحالف الفلاماني الجديد الذي يضم مجموعة من الوزراء في حكومة شارل ميشيل، أنه سيتقدم عند الدخول السياسي الحالي بمقترحات لتعزيز الأمن. وتقترح هذه النصوص التي يقارنها دو ويفر ب"ميثاق المواطن"، الذي وضعته الولاياتالمتحدة غداة اعتداءات 11 شتنبر، إمكانية سجن المقاتلين العائدين من سوريا، ومراقبة تمويل المساجد، أو معاقبة الأشخاص الذين يعبرون صراحة عن دعمهم لداعش. وتنص هذه المقترحات أيضا على إمكانية إلقاء القبض على أشخاص مشتبه فيهم في التحضير للقيام باعتداءات، والإغلاق الاحترازي للأماكن المشبوهة لاحتضان الأنشطة غير المشروعة كالدعوة لنشر الكراهية؛ غير أن هذا الإصلاح لم يلق أصداء جيدة لدى باقي الأحزاب، بما فيها داخل الأغلبية، معتبرين أنه يجب أولا تقييم الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها من قبل. وبخصوص سياسة اللجوء، في ظل أزمة الهجرة التي تشهدها أوروبا، أكد الوزير الأول البلجيكي صراحة: "سنرحب بمن يستحق ويتوفر على شروط اللجوء، لكونهم تعرضوا للاضطهاد والتهديد في بلدانهم لأسباب سياسية. وسنكون صارمين مع أولئك الذين يعتزمون تجاوز الحدود". كما تعتزم الحكومة التعامل بحزم مع المهاجرين غير الشرعيين من خلال إجراءات زجرية، وخاصة الرفع من الطاقة الاستيعابية للمراكز المغلقة لاستقبال المهاجرين في انتظار ترحيلهم، والتوقيع على اتفاقيات لإعادة القبول مع البلدان الأصلية. وقد طرحت قضية إعادة القبول على نطاق واسع في بلجيكا، بعد الهجوم بساطور على شرطيتين بشارلوروا قام به جزائري في وضعية غير شرعية. وأكد فرانكن، حينها، أن "الجزائر تتردد في استرجاع مواطنيها؛ لأن السلطات تدعي دائما أن الأشخاص المعنيين مغاربة. وبما أن هؤلاء لا يتوفرون على وثائق أو يدعون ذلك، فإن تحديد الهوية يبقى أمرا في غاية الصعوبة". وتنضاف إلى هذه الإجراءات فرض غرامة مالية بقيمة 200 أورو، أصبحت سارية المفعول منذ 24 يوليوز الأخير، على الأجانب الذي يقيمون بطريقة غير شرعية فوق التراب البلجيكي. هذا الإجراء سيطبق على الأجانب الذين سيدخلون منطقة شنغن، أو الذين لم يعودوا إلى بلدانهم الأصلية بعد إقامتهم لمدة ثلاثة أشهر، وكذا على المواطنين الأوروبيين الذي عبروا المطار بوثائق منتهية الصلاحية أو الذين لم يخبروا الإدارة المحلية بوجودهم في بلجيكا في الآجال التي ينص عليها القانون. وعلى المستوى الاقتصادي، يشكل خفض الضرائب على الشركات، من 33.99 في المائة إلى 20 في المائة في أفق 2020، إحدى المواضيع المهمة التي تميز الدخول المقبل. ويدور نقاش حاد حول هذا الإصلاح الضريبي، الذي يأتي في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى 2.4 مليار للحفاظ على ميزانية 2017؛ من بينها 1.3 مليار في بداية السنة لتصحيح الاختلالات في حسابات 2016، بسبب تراجع الموارد الضريبية وتحويل أكبر نحو الجهات. وفي الشق الاجتماعي، يعد الدخول بمواجهات ساخنة، حيث بدأت أجواء التعبئة منذ أول اجتماع للنقابات انعقد الثلاثاء الماضي. وأثار موضوعان غضب النقابات: الأول يتعلق بمرونة توقيت العمل. فوفق القانون المعمول به حاليا، فإن ساعات العمل في بلجيكا محددة في 38 ساعة في الأسبوع؛ غير أن الحكومة تطبق هذا المعدل على أساس سنوي، وهو ما يعني بأنه خلال بعض الأسابيع سيكون المأجورون مدعوين إلى العمل لمدة أطول (إلى حدود 45 ساعة)، وفي فترات أخرى لساعات أقل ليبقى المعدل السنوي هو 38 ساعة. أما الموضوع الثاني الذي يثير حفيظة النقابات، فهو إصلاح قانون 1996 حول التنافسية الذي يؤطر تطور التعويضات في بلجيكا. ويكمن الهدف من وراء هذا الإصلاح تقليص الفوارق في الأجور مقارنة مع البلدان المجاورة، وخاصة في ألمانيا وهولاندا وفرنسا. ويشمل هذا الإصلاح خفض الأجور المرتفعة مقارنة مع بلدان الجوار. * و.م.ع