نشر الزميل عبد الرحيم منار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، مقالا على هسبريس بعنوان "التوحيد والإصلاح .. حركة موازية قد تضرب جدار الدولة" ذهب فيه إلى حد اعتبار حركة التوحيد والإصلاح خطرا على الأمن القومي المغربي. ولئن الحكم أو الاتهام – خاصة إذا كان بهذه الخطورة- يستلزم ضرورة طرح المستندات والحجج؛ فقد حرصت على أن أتتبع بدقة المعطيات التي بنى عليها حكمه، والحجج التي استند إليها في إثباته، ومنهجية الاستدلال. لا أخفي القارئ أني حاولت، بكل عناية وتجرد، أن أقرأ المقال لأكثر من مرة عساني أظفر من المقال بشيء من ذلك؛ فلم أجد في مقاله إلا الخلط والالتباس واضطراب المعطيات، وأحكام القيمة في قضايا علمية يصعب معها الحديث باعتباطية، هذا فضلا عن ضعف في الاستدلال وفقر فظيع في الخلفية البحثية المقاربة للظاهرة الحركية الإسلامية على ما سيأتي تفصيله في هذا المقال. في نقد المنطلقات بنى منار السليمي خلاصته بالكامل على حادثة واحدة تتعلق بقضية عمر بنحماد وفاطمة النجار، وملخص حجته هو أن اقتراف قياديين من الحركة للزواج العرفي-بعلم الحركة وتزكيتها حسب منار-يزكي أطروحة تمرد الحركة على القانون وسعيها نحو تزكية ممارسات مشرقية "إخوانية" وربما شيعية (زواج متعة) تهدد الوحدة الدينية للمغاربة وتصل حد تهديد إمارة المؤمنين. والمثير في الأمر هو أن الزميل منار السليمي في تعاطيه مع هذه القضية تجنب المعطيات الثابتة، وحاول الانطلاق من معطيات أخرى غير موثوقة، ثم جنح إلى التفسير بالقفز على المعطيات الثابتة، وأحيانا ركبه التناقض والارتباك في التعامل مع المعطيات في هذا الصدد. بيان ذلك أن المعطيات الثابتة والمنشورة في الموضوع تبين أن قيادة الحركة لم تكن على علم مطلقا بموضوع حصول الزواج العرفي، كما صرح بذلك رئيسها السيد عبد الرحيم الشيخي وغيره، وأن هذه القيادة أخذت علما برغبة بنحماد في الزواج بفاطمة النجار، وأنها رفضت فكرة الزواج لما تم عرضه عليها، وأنهما تبعا لهذا الموقف أعلنا عن صرف نظرهما عن الموضوع إلى أن فوجئت الحركة بالحادثة. هذه هي المعطيات الثابتة المنشورة المنسوبة إلى أصحابها، كما وردت إعلاميا. طبعا، يمكن أن يشكك السيد منار في صحتها، ويمكن أن يحلل ويقارن بينها ليثبت صحة شكه؛ لكن أن يزعم بأن المعطيات "تشير إلى أن قيادة الحركة لم تفاجأ بوقائع قضية عمر بنحماد وفاطمة النجار"، فهذا يتطلب منه أن يحدد مصدر هذه الوقائع، وهل صدرت عن قيادات الحركة أم من جهات أخرى لا نعلمها ويعلمها هو وحده أو يتواصل معها السيد منار السليمي دون أن نكون على علم بذلك. الاضطراب الثاني في المعطيات التي يوردها منار السليمي هو ما يتعلق بقرار الحركة؛ فالزميل يقول إن الحركة بادرت إلى اتخاذ قرار إقالة بنحماد وقبول استقالة فاطمة النجار دون أخذ المسافة الزمنية الكافية ودون الاستماع إلى الداعيتين، في حين أن الوقائع الثابتة تقول إن الحركة اتخذت قرارين متتاليين: الأول هو قرار تعليق عضوية الشخصين بناء على الاستماع لإفادة عمر بنحماد، ثم اتخذت القرار الثاني بعد الاطلاع على إفادة فاطمة النجار. ما يؤكد ذلك هو اختلاف طبيعة القرارين؛ فالأول احترازي يتم اتخاذه في الغالب في دوائر الحركة حين يكون القصد هو الاستبانة من المعطيات وانتظار إصدار المحكمة قرارها، ويتم بناء على هذا الحكم تقييم الموقف واتخاذ القرار. أما القرار الثاني، فهو قرار انضباطي يخص ترتيب عقوبة مسطرية تنظيمية على مخالفة لقانون الحركة؛ وهي المخالفة التي وصفها رئيس الحركة بأنها خطأ جسيم يخالف قوانين الحركة. هذه المعطيات التي لم يوردها السليمي تنسف تحليله. فلذلك، قفز بسرعة عليها إلى التحليل، فأورد تفسيرين: الأول هو أن الحركة اتخذت القرار للحفاظ على كيانها، والثاني-وهو الأقوى في نظره-وهو علم قيادات الحركة بهذه العلاقة القائمة بين الداعيتين. لن أعلق على التفسير الأول، لأنه قائم على قراءة خاصة للقرار؛ وذلك بحكم أن الباب مفتوح لجملة من القراءات، وهل يتعلق الأمر بتنفيذ قرار انضباطي، أم بإزالة ورقة يتم التخطيط للعب بها ضد الحركة. وما يستوجب التعليق هو التفسير الثاني، الذي-قواه منار السليمي هكذا-دون الشعور بالحاجة إلى ما يبرره علميا من الاستناد إلى المعطيات الكافية في إثبات مثل هذا الحكم الخطير، فبالأحرى ترجيحه وتقويته. لست أدري كيف يسوغ باحث يحترم معايير البحث العلمي أن ينتج تفسيرا دون إسناده بالمعطيات، فما بالك بترشيحه للمقارنة مع تفسيرات أخرى وترجيحه وتقويته؟ انزياح علمي أم خدمة "علمية" لعل أكبر سقطة اقترفها الزميل منار في هذا المقال هو إقحام زواج المتعة في الموضوع، إذ ذهب إلى حد تغيير تكييف طبيعة العلاقة بين عمر بنحماد وفاطمة النجار من الزواج العرفي إلى زواج المتعة دون أن يسند ذلك بالوقائع التي يتطلبها مثل هذا التكييف. استند السيد منار السليمي-الذي يدرس بكلية الحقوق- إلى ما أسماه تبريرات بنحماد التي لا ندري على وجه التحديد من أين استقاها، في الوقت الذي لا يوجد إلى حد كتابة هذه السطور أي تصريح صادر عن الشخصين موضوع الحادثة إلا ما تسرب من محاضر الدرك حول الواقعة مما لا يمكن أن يعتمد علميا ولا حقوقيا. والحقيقة أن سقطة منار في هذا الموضوع سقطتان وليست واحدة؛ الأولى أنه استند إلى محاضر مسربة لا يمكن اعتمادها ما دام المحاكمة لم تنطلق بعد، ولم يصدر من الشخص المذكور أي تأكيد لها. أما السقطة الثانية فهي الحكم عليها ومحاكمتها على غير ما هي عليه إذا سلمنا محاججة بإمكان اعتمادها؛ ففي المحضر إثبات صريح بأن الزواج عرفي. أما عدم تصريحه بالشهود، فالعوائد والسوابق القضائية تبين الملابسات التي تجعل الموقوف أمام الشرطة القضائية يرفض الإدلاء بمعلومات في الموضوع بقصد الحماية. لست أدري ما السبب الذي يجعل تحليل منار السليمي يتحرك فقط عندما يتعلق الأمر بإثبات حكم سلبي، ويتوقف مطلقا عندما يتعلق الأمر بعكس ذلك، ثم ما الغرض الذي يدفع الزميل منار السليمي إلى الانتقال تعسفا من الزواج العرفي إلى زواج المتعة؛ فالأول، باعتباره مخالفة لقانون البلد، يكفي لإثبات نتيجة التمرد على القوانين في الوقت الذي تسارع فيه وزارة العدل والحريات لإنهاء مرحلة ثبوت الزوجية وتضطر كل حين لتمديده. لكنه ربما يريد أكثر من إثبات نتيجة التمرد على القانون، وذلك باستغلال الحادثة لإثبات تسرب ممارسات شيعية إلى المغرب عبر الحركة وقياداتها ليثبت الخطر على الوحدة المذهبية وعلى إمارة المؤمنين وعلى الأمن القومي المغربي، وكل ذلك خارج دائرة العلم، بتأويل عبارات في محاضر مسربة لم يجر إلى اليوم التأكد من صحتها ومن صحة المنسوب إلى أصحابها فيها. والارتباك الكبير الذي وقع فيه الزميل منار السليمي، هذه المرة، هو أنه جعل زواج المتعة اجتهادا تم في غفلة من قيادات حركة التوحيد والإصلاح... ووجه التناقض والارتباك هو أن الرجل تعب في مدخل مقاله لإثبات معرفة الحركة بالزواج العرفي وتورطها في ذلك لإثبات أن الحركة كلها تتمرد على القانون، وليس بعض الأشخاص الذين أصدرت فيهم الحركة قرار الإقالة، ثم جاء مرة أخرى لنسف ما سبق أن تعب في تثبيته، ويزعم أن اجتهاد زواج المتعة تم في غفلة من قيادات الحركة، فنريد من الزميل منار السليمي أن يأخذ طريقا واحدا، هل كان الأمر بعلم الحركة أم في غفلة عنها، أم أنها علمت بالزواج العرفي؟ ثم تم زواج المتعة في غفلة عنها؟ قمة التخبط. هذه السقطات تبين إلى أي حد يمكن أن يتعسف باحث يريد أن يصل إلى نتيجة ما أو تحقيق خدمة ما دون أن تسعفه المعطيات أو القدرة على التحليل بالتعامل مع المعطيات الموجودة؛ فالرجل، من خلال مقاله، يريد أن يصل إلى أن حركة التوحيد والإصلاح هي كيان مواز، أي يتقاطع كليا مع اصطلاح إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يستعمل المفهوم نفسه، ويريد أن يثبت ذلك من خلال إثبات تمردها على القانون، واشتغالها على إذكاء ونشر ممارسات مذهبية تهدد الأمن الديني وتهدد إمارة المؤمنين بدون التوفر على أي معطيات قوية معضدة. رسالة المقالة يبدو، من خلال إتمام فقرات المقالة، أن النتيجتين السابقتين ليستا بالضبط رسالة المقالة، وإلا فلا معنى لإقحام حزب العدالة والتنمية؛ فالزميل يريد تبليغ رسالة مفادها أن على حزب العدالة والتنمية أن يحدث القطيعة مع حركة التوحيد والإصلاح، ما دام أنه لم ينجح في ترويضها ولم يستطع أن يبقي العلاقة بها في حدود توظيف مخزونها الانتخابي، وما دام تأثيرها السلبي وصل إلى حدود إنتاج ازدواجية في سلوك ومواقف قادة الحزب أضرت بوحدة الموقف الدبلوماسي للبلد في عدد من المحطات. لم يقدم السيد منار السليمي معطيات كافية لإثبات هذا الدور المفترض لحركة التوحيد والإصلاح، بل على العكس من ذلك تماما حاول تغييب عدد من المعطيات التي تبين العكس؛ مثل الموقف من حكم السيسي، والموقف من التدخل العسكري الفرنسي في مالي. واكتفى فقط بذكر معطيات عادية لا تنهض دليلا على النتيجة الكبيرة التي انتهى إليها؛ فتصريحات بنكيران بخصوص الانتخابات الجزائرية وحضور سعد الدين العثماني لفعاليات مدنية أو بحثية لم يحدث أي تهديد لوحدة الموقف الدبلوماسي المغربي، وقد يؤول في أسوأ الاحتمالات إلى أنه أخطاء البدايات، ولا ينهض دليلا على إثبات أطروحة الاختراق للدولة من الداخل، فما يثبت مثل هذه الأطروحة أن يعبر مسؤول حكومي من العدالة والتنمية عن موقف الحركة في قضية من القضايا على حساب موقف الدولة المغربية المعلن. وهذا خلاف الواقع، إذ الثابت في سلوك حزب العدالة والتنمية أنه اعتبر العلاقات الخارجية للمغرب تدبيرا ملكيا ورفض المنازعة عليه، علما أن الدستور يتيح للحكومة أن تباشر هذه السياسة؛ لكن العدالة والتنمية اعتبر، في قراءته، أن المؤسسة الملكية تدبر هذا الملف برؤية استراتيجية، وأن الحكومة ستكتفي بالدعم والإسناد وتقديم النصح والمشورة. أخطاء بالجملة ليس من عادتي أن أضع القلم الأحمر على مقالات الزملاء؛ لكن حين أقدر أن الأمر يتعلق بتقديم خدمة بلبوس علمي، يتحرك الدافع عندي لوضع النقاط على الحروف خاصة إذا كانت المقالة مصاغة بلغة البحث العلمي. وسأتوقف عند نقطتين تتعلق الأولى بالزواج العرفي، والثانية بالإدماج السياسي للإسلاميين. أول الأخطاء التي ارتكبها الزميل منار السليمي أنه أبان في مقاله أنه لا يدرك معنى الزواج العرفي، وينكر وجوده في تاريخ الممارسة الزواجية في المغرب، بل ويمايز بينه وبين زواج الفاتحة، ويعتبر أن الزواج العرفي هو ممارسة إخوانية انتقلت إلى المغرب، وهي غريبة عن طقوسه وتقاليده، وأكثر من ذلك يخلط بين زواج السر وزواج المتعة. والثابت في حد الزواج العرفي هو أنه زواج مستوف لكافة الأركان والشروط (إيجاب وقبول، وصيغة، وصداق، وشهود..) سوى أنه لم يسجل لدى الجهات المعنية المختصة، وزواج الفاتحة يدخل ضمنه باتفاق، إذ لا ينقصه من الزواج سوى التوثيق؛ وهو ما جاءت المادة ال16 من مدونة الأسرة لمعالجته، وذلك حين نصت على أن وثيقة عقد الزواج هي الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، وأن المحكمة تعمد لخيار سماع دعوى الزوجية إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، وذلك باعتماد سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة. فلا أدري ما الوجه الذي جعل منار السليمي يميز فيه بين زواج الفاتحة المعروف في تاريخ المغرب، لا سيما في البوادي المغربية والذي اضطرت المحكمة لمعالجته بنحو تدريجي إلى اليوم، وبين الزواج العرفي. فإذا كان هذا التمييز بقصد إقحام تأثيرات الثقافة الإخوانية على المجتمع المغربي ودور الحركة في نقل هذه الثقافة فيحتاج إلى استدلال آخر غير استعمال مفاهيم لا يدركها حتى صاحبها فبالأحرى إقناع القارئ بها. أما خلطه بين زواج المتعة وزواج السر هو أنه انطلق من أن عدم تصريح بنحماد بالشهود- على ما ذكرنا في الموضوع من ملاحظات- ينقل زواجه من زواج عرفي إلى زواج متعة، وهو خلط علمي يعرفه المبتدئون فضلا عن المنتهين، فالزواج إن كان عيبه عدم التوثيق فهو زواج عرفي يحتاج لدعوى إثبات الزوجية، أما إن كان عيبه في عدم تحقق شرط الشهود، فهو زواج سر وليس زواج متعة، أما زواج المتعة فحده هو عقد على حلية الاستمتاع لمدة زمنية محددة، فتبين الفرق، فتخلف شرط الشهود لا ينقل الزواج إلى زواج متعة بل زواج سر لأن شرط "التأقيت" غير وارد في تصريحات بنحماد التي استند إليها منار من محضر الدرك المسرب، فكيف سوغ الانتقال من زواج عرفي إلى زواج متعة بدون مبرر علمي، علما أن أقصى ما يمكن أن يكيف به طبيعة هذا الزواج في حالة ثبوت عدم الإشهاد هو زواج السر وليس زواج المتعة، فتهافتت بذلك مقولة التأثيرات الشيعية التي فذلكها منار السليمي من غير دواع علمية. وأما الارتباك الآخر، فيتعلق بأخطاء معرفية حول السياسة الأمريكية في إدماج الإسلاميين، فلست أدري بالضبط كيف يضع منار السليمي نفسه مصححا لأخطاء السياسة الأمريكية في قضية إدماج الإسلاميين وهو لا يعرف مفرداتها، إذ يعتبر في هذا الصدد أن "أخطاء الأمريكيين في لعبة إدماج الإسلاميين كثيرة، وأنهم لا يدركون جيدا مخاطر استمرار الخلط بين الدعوي وبين السياسي لدى حزب على منصة الحكم والتمزقات التي يُحدثها في خيوط المجتمع". لست، هنا، بصدد الدفاع عن السياسة الأمريكية؛ لكن مقتضيات البحث العلمي تقتضي التذكير بأن مراكز البحث الأمريكية ومستودعات التفكير الأمريكية المرتبطة بصياغة توصيات لصناع القرار السياسي الأمريكي سارعت، قبل غيرها، إلى مناقشة العلاقة بين الدعوي والسياسي، واعتبرت أن هذه النقطة من إشكالات إدماج الإسلاميين، وتم خوض معركة في علوم السياسة في أمريكا لمناقشة آثار المشاركة السياسية للإسلاميين، وطرحت ضمن هذا الإطار إشكال العلاقة بين الدعوي والسياسي، وذلك قبيل عشر سنوات من الآن، واندلع النقاش بين ناثان براون وعرو حمزاوي عن كارنيجي، وكمارا كوفمان عن معهد صابان التابع لبروكينغز، ومارينا أوتاوا التي كانت في كارنيجي قبل أن تتحول إلى مركز ولسن، وساتلوف عن معهد واشنطن، وما زالت إلى اليوم مخرجات هذه المراكز تتحدث عن هذا الإشكال، فكيف يدعي منار السليمي عكس ذلك؟ ولأي هدف؟ لا أريد أن أخوض بالتفصيل في هذه القضية التي فصلت فيها في كتاب بحثي حول الإسلاميين ومراكز البحث الأمريكية؛ لكني أريد فقط أن أنبه إلى أن الانتصاب للبحث العلمي له شروطه، وفي مقدمتها الكف عن أحكام القيمة حتى يتم استيعاب الموضوع وإحاطته من جميع جوانبه. رسالة للزميل منار السليمي للمرة الثانية، أرد على الزميل منار السليمي، وربما أرد عليه مرة ثالثة إذا كان للأمر داع؛ لكن ما أريد تأكيده هو أنني لست ضد نقد حركة التوحيد والإصلاح أو حزب العدالة والتنمية. شخصيا، خضت أكثر من مرة هذا التمرين وما زلت؛ لكن، بالنسبة إلى العلم والبحث العلمي، فخط أحمر، لا يمكن أن نستغله أو نستغل بعض أدواته تعسفا للوصول إلى نتائج غير علمية أو تقديم خدمات لا علاقة للعلم والبحث العلمي بها. الإنصاف مطلب ثمين وغاية نبيلة في البحث العلمي، وأسوأ ما يمكن أن يسقط فيه الباحث ويكسر به صورته البحثية هو أن يجعل النتائج أو الخدمات المطلوبة سابقة عن مقتضيات العلم وما تتطلبه أدواته. الانطلاق من المعطيات الصحيحة شرط، واستبعاد بعضها مخل، وتكذيب معطيات أو التشكيك فيها مشروع شرط الإثبات، والانتقال من المعطيات إلى التحليل يتطلب سلاسة الاستدلال وقوته وسلامته من التناقض، وقوة الأطروحة في تماسك محاورها، وقوة الباحث العلمي في تجرده من الارتباطات وأخذه المسافة عن تقديم الخدمات. في الدول الديمقراطية، يمكن للباحث أن يتقاطع مع بعض الخدمات؛ بما في ذلك خدمات لوبيات، وأحزاب، ومركبات مصلحية، بل والدولة نفسها و بعض مؤسساتها، أو حتى بعض أجهزتها. وتبقى مهمة الباحث هي أن يشغل أدواته العلمية، وأن يقدم نتائجه وتوصياته وسيناريوهاته لهذه الجهات دون أن يضر بصورته العلمية، ويبقى على هذه الجهات أن تتفاعل مع هذه الخلاصات بالطريقة التي تراها مناسبة. أما أن يصير الباحث رهينة لنتائج يطلب منها تسويغها، فهذا لا يحدث إلا في الدول المتخلفة التي لا تقدر الصناعة البحثية.