يبدو أن الأحزاب المغربية، وعلى بعد أقل من شهرين من الانتخابات التشريعيّة النيابيّة، قد فطنت للأهمية المتزايدة لمواقع التواصل الاجتماعي لجلب أكبر عدد من المتابعين الذين من شأنهم تشكيل كتلة ناخبة إضافية لها. بعض القيادات الحزبية، ومعها الأحزاب السياسية، لجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، للإشهار المؤدى عنه لصفحاتها الرسمية، على أن تشكل صفحاتها وسيلة إضافية لعرض برامجها الانتخابية مباشرة بعد انطلاق الحملة الانتخابية، تماما كما وقع خلال الانتخابات المحلية والجهوية الماضية؛ إذ سعت العديد من الأحزاب إلى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في حملاتها الانتخابية للدعاية لبرامجها السياسية ولوائحها الانتخابية. وتشكل مواقع التواصل الاجتماعي مساحة إضافية للأحزاب لزيادة إشعاعها، مع العلم أن عدد الحسابات الشخصية للمغاربة على "فيسبوك" وصل حوالي 11 مليون حساب، في حين لا يتجاوز 100 ألف حساب على "تويتر"، بحسب أرقام كشفت عنها وزارة الاتصال برسم سنة 2015. امتلاك تصور عبد اللطيف بن صفية، دكتور في علم الاجتماع الإعلامي والتواصلي أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، قال إن وسائل الإعلام الإلكترونية استطاعت كسر المعايير التقليدية في التواصل، وإمكانية استغلالها للترويج للحزب لا يمكن حصرها في فترة الانتخابات فقط، بل تتجاوز ذلك لتكون على مدار العام، "فما توفره وسائل التواصل الاجتماعي هو إمكانية تتاح اليوم بشكل عادٍ للأحزاب والمنظمات للترويج لنفسها بالطريقة التي تتداول بها الأمور عالميا"، بحسبه. وأضاف المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، أن الحملة الانتخابية "حملة صريحة لحزب معين بأفكاره ومرشحيه وبرنامجه كترويج مباشر للحزب وصورته، وهو الشيء الذي لا يمكن استعماله بالطريقة نفسها وبالأسلوب ذاته في باقي الفترات"، على اعتبار أن هذه الفترة تكون مضبوطة من الناحية القانونية في ما يرتبط باستغلال الإعلام العمومي. الخبير في مجال التواصل المؤسساتي والعمومي أضاف أنه من بين إيجابيات أدوات التواصل الاجتماعي أنها استطاعت نقل التنافس السياسي من المجال المادي والعمومي الواقعي إلى مجال عمومي افتراضي، "وبما أن الفضاء العمومي الواقعي ينظمه القانون، فالفضاء العمومي الافتراضي يبقى أكثر انفتاحا، سواء من حيث الزمن أو من ناحية سعته وطرق الولوج إليه، اللهم إذا ما تم لجمه، وهذا شيء مستبعد إلى حد الآن ما دام لا توجد أمور غير أخلاقية". بن صفية اعتبر أن استعمال الأحزاب لأدوات التواصل الاجتماعي، سواء خلال مرحلة الانتخابات أو غيرها، يفرض عليها أن تمتلك تصورا حول ما توفره الإمكانات التواصلية الحالية، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، لتستغله ليس فقط خلال الحملة الانتخابية، ولكن على طول السنة. فئة قليلة من الناحية القانونية، يضمن التشريع الدعوة إلى التصويت المباشر للمرشحين خلال مدة معينة مخصصة للحملة الانتخابات، ولا مانع من التواصل مع المواطنين بشكل عادٍ، بحسب الباحث السياسي عبد الرحيم العلام، "لكن إذا ما ثبت أن حزبا سياسيا معينا بدأ في الترويج لنفسه قبل الموعد القانوني، أو طعن حزب آخر في العملية، أعتقد أن الأمر قد يصل إلى إعادة الانتخابات أو حرمان الشخص المعين من العملية، فمدونة الانتخابات تمنع نهائيا الحملة السابقة لأوانها بغض النظر عن الوسيلة المستعملة، أما التواصل الاجتماعي ووضع البرامج والخطط السياسية فهذا الأمر من المؤكد أن تستغله الأحزاب، وإلا تحولت إلى ما يشبه دكانا انتخابيا لا يفتح إلا عشية الانتخابات". أما من الناحية الشعبية والتأثير باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي، يضيف العلام، فإن عدد الحسابات "الفيسبوكية" يصل حوالي 20 مليونا، والأكيد أن هناك أشخاصا يتوفرون على أزيد من حساب، إضافة إلى أن عددا من الأشخاص لا يتابعون السياسة على الموقع نفسه، وبالتالي فالأمر يتطلب عملية حسابية معينة، لكن يمكن القول إن الفئة المستهدفة قد لا تتجاوز المليون ونصف المليون، ومع ذلك فهي فئة قوية بالنظر إلى نسب المشاركة في الانتخابات. وبما أن الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات في تزايد مستمر، بحسب المتحدث نفسه، فالأحزاب ستسعى إلى إقناع أكبر عدد من هذه الفئة التي لم تحدد موقفها بعد، "وبالتالي أعتقد أن هذه الشريحة ستشكل حوالي 30 بالمئة تقريبا من مستعملي فيسبوك، وستتفادى ما أمكن أحزاب الأعيان نحو أحزاب تمارس السياسة بدرجات متفاوتة"، يختم العلام. * صحافي متدرّب