تشكل الاستحقاقات الانتخابية محطة بارزة على مستوى الممارسة الديمقراطية للبلدان، إذ عبرها يتم اختيار ممثلين لإرادة الناخبين، حيث يتبارى مختلف الفاعلين داخل المعترك الانتخابي للفوز بثقة الناخبين وذلك حتى يتسنى لهم تنزيل تصوراتهم وبرامجهم على أرض الواقع من خلال تدبير الشأن العام الوطني المحلي والمشاركة في ترشيد المشهد الديمقراطي. وقد أكد دستور 2011 من خلال الفصل 11 على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وأن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المرشحين وبعدم التمييز بينهم وأن القانون يحدد القواعد التي تضمن الاستفادة على نحو منصف من وسائل الإعلام العمومية والممارسات الكاملة للحريات والحقوق الأساسية المرتبطة بالحملات الانتخابية، وبعمليات التصويت، كما تسهر السلطات المختصة على تنظيم الانتخابات، وأن كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية يعاقب على ذلك بمقتضى القانون. ولما كانت الانتخابات مناسبة للتباري بين مختلف الفاعلين السياسيين فإن ذلك لا يخلوا من منازعات وصراعات التي تثار في مثل هذه المناسبات، ومن أجل ضمان نزاهة العملية الانتخابية وتهيئة الظروف الملائمة لشفافيتها ونزاهتها من كل الشوائب التي يمكن تؤثر سلبا على إرادة الناخبين وعلى العملية الانتخابية برمتها، وحتى تعكس نتيجة الانتخابات الإرادة الحقيقية للناخبين فقد عمد المشرع المغربي على إحاطة المسلسل الانتخابي بترسانة قانونية، سعى من خلالها لضبط العملية الانتخابية والمساهمة في حكامتها، وذلك بدءا بالمراحل الأولية المرتبطة بالقيد والتشطيب ومرورا بالترشيح والحملة الانتخابية وانتهاءا بالاقتراع وإعلان النتائج. ولما كانت الغاية من وضع الضوابط القانونية هي كبح كل الممارسات المنافية للقانون، فإن فعاليتها تظهر عند وضعها قيد التنفيذ، حيث أبانت الممارسة العملية أن الانتخابات تكون مناسبة لبروز مجموعة من التجاوزات المنافية للنزاهة والشفافية والتنافسية الشريفة، مما يعزز الحاجة لترسانة قانونية فعالة قادرة على مواجهة الاختلالات والتجاوزات التي تثيرها العملية الانتخابية. وقد أناط المشرع بالقضاء الإشراف على العمليات الانتخابية وحمايتها من كل انحراف عن مقاصدها من شأنه المس بنزاهتها وشفافيتها، وذلك عبر زجر كل المخالفات المرتكبة أثناء التحضير للانتخابات أو في مرحلة الحملة الانتخابية وكذلك عند الإعلان عن نتائجها. بالنظر للتعدد الذي تتميز به الانتخابات، واختلاف الهيئات المنبثقة عنها حيث هناك انتخابات برلمانية تخضع لاختصاص المجلس الدستوري، في المقابل هناك انتخابات الجماعات الترابية من منتخبين جهويين وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء مجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس المقاطعات وأعضاء الغرف المهنية، هذه العينة من المنتخبين تخضع المنازعات الانتخابية المنبثقة عنها للقضاء الإداري، حيث أوكلة المشرع ولاية النظر فيها بمقتضى المادة 8 من القانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية. ولهذا فإن موضوع هذه المقالة سيقتصر على العمليات الانتخابية التي يشملها اختصاص المحاكم الإدارية حيث يضطلع فيها القضاء الإداري بدور هام، من خلال السهر على تسوية مختلف النزاعات الانتخابية عبر البث في الطعون المرفوعة إلى أنظاره. إذ بالنظر للولاية العامة للمحاكم الإدارية بخصوص البت في المنازعات الانتخابية والمستمدة من مقتضيات المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية الذي ينص على اختصاصها الأصيل في جميع المنازعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات إلا ما استثني بنصوص خاصة، وقد أشار الفصل26 من القانون السالف الذكر للاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في المادة الانتخابية والذي من ضمنه المنازعات الانتخابية التي تهم المجالس الجماعية الحضرية والقروية، والطعون المتعلقة بتنظيم العمالات والأقاليم ومجالسها، والمنازعات المتعلقة بانتخاب الغرف الفلاحية والصناعة التقليدية والغرف التجارية والصناعية، والنزاعات المتعلقة بانتخاب ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية الثنائية المنصوص عليها في النظام الأساسي للوظيفة العمومية. وتجدر الإشارة إلى أن المنازعات الانتخابية تدخل في إطار القضاء الشامل ولهذا فإن القاضي الإداري وهو يبت في المنازعات الانتخابية لا يكتفي بإلغاء القرارات المعيبة وإنما تكون له صلاحيات واسعة في إلغاء وتعديل تلك القرارات ، إلا أنه من باب الاستثناء تبت المحاكم الإدارية في بعض القضايا المرتبطة بالمنازعات الانتخابية في إطار قضاء الإلغاء عندما يتعلق الأمر بالقرارات المنفصلة عن العملية الانتخابية التي تقبل الطعن بالإلغاء. من هنا يتضح أن الأمر لا يقتصر فقط على وجود ترسانة قانونية فعالة لأجل إفراز انتخابات حرة ونزيهة، إذ لا بد كذلك من وجود قضاء إداري قادر على تنزيل تلك القواعد القانونية على المنازعات المعروضة على أنظاره بالشكل الذي من شأنه أن يفرز انتخابات حرة ونزيهة، خاصة أن القاضي الإداري ليس قاضي حكم فحسب كما هو الشأن في المادة المدنية حيث ينحصر دوره في التطبيق الحرفي للنصوص القانونية المؤطرة لنوع المنازعة التي يبت فيها، بل هو قاضي إنشائي بمعنى أنه ينشئ القاعدة القانونية عندما يعتري النص القانوني أي نقص في تغطية بعض المشكلات المعروضة على أنظار القضاء ولهذا فإن القانون الإداري قضائي بامتياز بمعنى أن جاء نتيجة لاجتهادات القضاء الإداري. مما يجعل القضاء الإداري مرتكزا أساسيا وذو أهمية بالغة في ضمان نزاهة وسلامة العملية الانتخابية بالنظر للدور المنوط به في هذا الصدد، حيث أن خطورة المنازعات المتمخضة عن العملية الانتخابية تفرض على القاضي الإداري الحيطة والحذر أثناء التعاطي معها لأجل ضمان نزاهة الانتخابات بما تمثله من وسيلة لتمثيل الناخبين في هيئات صناعة القرار. * باحث في العلوم السياسية