بعد أن خرج علينا أحد متمرني السلطوية من ما يسمى شبيبة العدالة والتنمية يُوجِبُ قطع رؤوس معارضي الحكومة، محرضا على القتل وخلق الفتنة، وفي الوقت الذي كنا نترقب فيه ردة فعل قيادة حزبه أمام خطورة هذا الكلام، أطل علينا يتيمهم بتدوينته الصادمة التي تعزز الدعوة إلى القتل والترهيب، مستشهدا بالآية الكريمة من سورة البقرة: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل" في استخفاف واضح للمؤسسات الدستورية والقيم والقوانين الديمقراطية التي تنظم الحياة السياسية المغربية، نرى أنه من الضروري ومن باب فضح مضمرات وحقيقة أصحاب هذا العقل الدموي أن نتوقف عند خطورة هذا التهديد. وهكذا، وإذا كان المغاربة قد قطعوا أشواطا مهمة في مسار البناء الديمقراطي، الذي يضمن حرية التعبير والتفكير والاختلاف، باعتبارها الأسس الصلبة لبناء الوحدة الوطنية التي تقوي باستمرار المغرب أمام التحديات الداخلية والخارجية، فإن جهات ما فتئت تُنَغِّصُ على المغاربة تطلعاتهم الديمقراطية الحداثية، وكأنها ترتضي لنفسها أن تكون دائما حجرة في حذاء الخطوات الجبارة التي يُنجزها المغرب. الواقع أن مثل هذه التهديدات وكل من احتضنها أو ساندها حتى بالصمت، هي بالنسبة للرأي العام الديمقراطي لم تفاجئ إلا من كان يراهن على أن الذئب تخلى على طباعه، في حين أن عمنا الذئب قد يفقد أسنانه لا طباعه. إن تاريخ المغرب مليء بالدروس والأحداث التي سجلت دائما أن كل من يتطاول على احتكار الحديث باسم مقدسات المغاربة ينزلق حتما في شطط استعمالها لنفسه ولإغراضه الأنانية المَرَضِيَة. فمن تنظيمات الشبيبة الإسلامية المشؤومة الذكر، إلى سلوكيات العنف والتقتيل ضد فتوة وشباب الأمة، إلى نشر الترهات والخرافات لطمس الوعي التنويري في المجتمع المغربي، بالسعي إلى السلطة بأساليب غير ديمقراطية وبئيسة، وصولا إلى ممارسة القرار الحكومي برداءة وابتذال أضرت بمصالح الوطن والمواطن. ففي كل هذه المراحل كان خطاب التحريض على القتل وقطع رؤوس المعارضة قابِعًا لاشعوريا في سلوك وممارسة هذه الجهات، وفي كل مرة سنحت له الفرصة إلا وخرج واضحا وبشعا يخيف الديمقراطية ويُظْلِمُ (من الظلامية) أفقها المجتمعي. إن أصحاب هذه التصريحات ومن دافع عنهم ينسون أو يتناسون أن التقدم الاجتماعي والسياسي الذي حققه المغرب، كان دائما بفضل النضال ضدهم وضد المنابع الفقهية النكوصية التي ينهلون منها، ففي كل مرة تهددت أنوار الديمقراطية إلا وتجند المغاربة بأئمتهم التنويريين وفقهائهم المجتهدين ووطنييهم المخلصين وديمقراطييهم الحداثيين، ليقفوا صفا واحدا ضد خطاب الفتنةّ، هذا الذي لايزال يعتمده هؤلاء ليَبْتَزُّوا المغاربة ومؤسساتهم ويغتصبوا المناصب والغنائم. فطبيعي جدا أن تلجأ بعض نخب العدالة والتنمية إلى آخر حماقاتها وليس أسلحتها، وتشهر في وجه الديمقراطية المغربية التخويف والترهيب من التعددية والاختلاف. لأن قصورهم البنيوي في الرؤية والتفكير يحرمهم من اعتبار التعددية السياسية والاختلاف الفكري مورد قوة لتطلع المغاربة للتقدم والازدهار. يبدو اليوم واضحا أن بعض نخب العدالة والتنمية عصية على استيعاب أهمية الديمقراطية والاختلاف في المجتمعات الحديثة، إذ نلاحظ، أنه بقدر ما كان دائما المغاربة يؤكدون على أهمية الديمقراطية وضرورة تنظيم الاختلاف داخل المؤسسات، فإن هذه النخب تنزع في اتجاهات الترهيب والتطرف، كما أنه رغم التطورات والأحداث التاريخية هنا وهناك في الأرض العربية والإسلامية، التي بينت دائما أن مثل هذه الخطابات التي تكونها هذه النخب لا تنتج إلا آفاقا مسدودة، ولا تدخل المجتمعات إلا في الفتن والترهيب، فإنهم يصرون وبعناد همجي على تذكير المغاربة بعدائهم للحرية وسبل التقدم، وحتى عندما انفتحت المنظومة السياسية بفضل نضالات نساء ورجال الديمقراطية، فإنهم عجزوا عن تحقيق التحول البناء المأمول فيهم، ونراهم اليوم يسعون بفشل إلى تحويل عجزهم السياسي للاستجابة إلى مقتضيات المرحلة في التنمية والنهوض، نجدهم يلجؤون إلى عنتريات سافلة تجعل الجميع يتأسف كيف تحول حزب انتخبه المغاربة ليضطلع بتحقيق مطالبهم المشروعة إلى تجمع أفراد يلهتون وراء مصالحهم بأنانية ويتكالبون على كل من يخالفهم الرأي ويفضح فشلهم. إننا أمام خطورة مثل هذه التدوينات التي تحرض على القتل وتمجد الإرهاب، نتساءل كيف استصاغ حزب العدالة والتنمية الصمت أمامها واستسهال خطورتها وتجاهل عواقبها، إننا لايمكن أن نفهم من هذا الصمت إلا التواطؤ وتوزيع للأدوار.