"لا طير يطير، ولا وحش يسير"، إنه المثل الذي ينطبق على نهار مدينة فاس خلال فصل الصيف، كما هو الحال هذه الأيام من شهر يوليوز، التي تتجاوز فيها الحرارة أحيانا 45 درجة، فالشوارع والأزقة لا تبدو كعادتها مكتظة بالمارة، بعد أن أجلاهم منها قيظ الصيف الذي لا يحتمل. وعلى العكس من ذلك، تشهد المدينة ليلا حركة دؤوبة، فيعود نشاط الشارع إلى حاله، وتغص الحدائق والساحات العمومية بالناس من مختلف الأعمار، هربا من "جحيم" المنازل التي تتحول إلى "أفران تحرق من بداخلها". افتقار فاس، المدينة المليونية، إلى مرافق الاستجمام، وخاصة المسابح العمومية، يفرض على سكانها الاحتماء من الحرارة الملتهبة، نهارا، بين أسوار منازلهم، فيما يحاول الكثير منهم البحث عن بدائل قد تكون أحيانا محفوفة بالمخاطر، كما هو الشأن بالنسبة للأطفال الذين يجعلون من نافورات المدينة مسابح مفتوحة لهم، أو يتنقلون، رفقة الشبان، إلى الوديان القريبة لأجل ترطيب أجسادهم بمياهها ولتخفيف لسعات حرارة الشمس الحارقة؛ فيما يختار الكثيرون، وخاصة النساء والفتيات، التوجه إلى الأسواق الممتازة، ليس للتبضع، ولكن للاستمتاع بما توفره مكيفات الهواء من جو منعش للأبدان. شح في المسابح العمومية تفتقر مدينة فاس إلى مسابح عمومية في متناول أبناء الطبقات الشعبية، وذلك بعد إغلاق المسبحين العموميين الوحيدين بها، وهما مسبح البطحاء، الذي شكل على الدوام متنفسا خلال فصل الصيف لمجموع ساكنة أحياء المدينة العتيقة والأحياء المحيطة بها؛ والمسبح البلدي بالمدينةالجديدة، الذي أصبح مغلقا في وجه العموم بعد تفويته لأحد نوادي السباحة، الذي أصبح يستغله لفائدة منخرطيه بأثمان ليست في متناول الجميع. المسبح العمومي الوحيد القريب من مدينة فاس، المفتوحة أبوابه في وجه العموم، هو مسبح سيدي حرازم، الذي يتطلب الوصول إليه ركوب حافلة أو سيارة أجرة، فضلا عن تأدية ثمن تذكرة الدخول، التي تصل إلى 30 درهما، والتي لا يمكن تحملها من طرف أغلب العائلات. أما المسابح "المصنفة" فتبقى بعيدة المنال عن ذوي الدخل المحدود، نظرا لكون الاستفادة من مرافقها يتطلب تأدية أزيد من 50 درهما للفرد عن اليوم الواحد، وهو ما لا يمكن أن يتحمله جيب العائلات متعددة الأفراد. بدائل محفوفة بالمخاطر أصبح منظر الأطفال وهم "ينتشون" بالسباحة في مياه نافورات مدينة فاس، المنتشرة هنا وهناك، منظرا مألوفا، رغم ما تشكله السباحة في هذه المنشآت المائية من أخطار، بسبب عدم صلاحية مياهها للسباحة لاعتمادها تقنية تدوير المياه، ما يجعلها غنية بالمكروبات والطفيليات، كما أن استعمالها التيار الكهربائي من أجل الإضاءة وتشغيل المضخات يحولها إلى خطر حقيقي إذا ما وقع تماس كهربائي، فضلا عن أن مثل هذه الظواهر تشوه الدور الذي تم من أجله إحداثها، إذ يمكن أن تتعرض لتخريب معداتها من قبل "السباحين". وإذا كان الأطفال حولوا النافورات إلى مسابح مفتوحة، فإن الكثير من الشبان والشباب يختارون التنقل إلى الوديان القريبة لقضاء نهارهم بعيدا عن قيظ المدينة، وخاصة وادي سبو ووادي إيناون، مستعملين، غالبا، الدراجات ثلاثية العجلات، التي تقلهم في شكل مجموعات ذهابا وإيابا بأثمان في متناولهم. ولا تخلو السباحة في مجرى هذين النهرين، هي الأخرى، من مخاطر، فكثيرا ما تنتهي الرحلة بمأساة غرق أحدهم، ما يجعل الإقبال عليها مغامرة حقيقية. حال الإناث ليس كحال الذكور، فأغلبهن يفضلن اللجوء إلى مراكز التسوق الممتازة، ليس للتبضع، ولكن لقضاء ساعات طوال داخل هذه الفضاءات المكيفة للاستفادة من جوها الرطب، ولا يبرحنها إلى مع غروب الشمس، ليتوجهن نحو شارع الحسن الثاني الذي يتحول، ليلا، إلى قبلة لسكان مدينة فاس، لما يتميز به أمان ولما يوفره لمرتاديه من سبل الراحة، ومن كراس رخامية وعشب أخضر ونافورات. إجراءات استثنائية لمواجهة ظاهرة السباحة في نافورات فاس أقدم مجلس الجماعة الحضرية على إبرام اتفاقية شراكة مع نادي السلام الرياضي الفاسي للسباحة، وفريق المغرب الرياضي الفاسي للسباحة، لتمكين المئات من الأطفال من الاستفادة من تعلم أبجديات رياضة السباحة بشكل مجاني بالمسبح البلدي لمدينة فاس، تحت إشراف الأطر التقنية للناديين، وذلك طيلة الفترة الممتدة من 11 يوليوز إلى غاية 10 شتنبر من السنة الحالية. كما عملت الجماعة الحضرية ذاتها على تمكين 500 طفل، ينتمون إلى الأحياء الهشة، من ممارسة السباحة بالمجان بالفضاء التخييمي المرجة السفلى، وذلك بمعدل 10 أيام لكل طفل، عبر خمس مراحل تتواصل على مدى 50 يوما؛ في حين يتم توفير حافلات النقل الحضري لفائدة المستفيدين. إلى ذلك، وبعد تبخر حلم إحداث شاطئ اصطناعي بمدينة فاس، وهو المشروع الذي روج له حميد شباط، عمدة المدينة السابق، كثيرا، تراهن الجماعة الحضرية، بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وشركاء آخرين، على تشييد مسابح للقرب بالمقاطعات الست للمدينة. وانطلقت التجربة بمشروع مسبح للقرب بمقاطعة المرينيين، توقفت أشغال إنجازه بشكل مفاجئ، بالإضافة إلى نية إحداث مسبح نصف أولمبي ب"باب الجديد"، تترقبه ساكنة مقاطعة فاسالمدينة، ومعها ساكنة مقاطعة جنان الورد وجماعة المشور، على أحر من الجمر، في انتظار تعميم فكرة مسابح القرب على باقي مقاطعات المدينة.