مع الارتفاع المتواصل لدرجات الحرارة التي تعرفها العاصمة العلمية للمملكة، لا يجد العديد من الأطفال خاصة أبناء الأحياء الشعبية، ملاذا لهم من حرارة مفرطة سوى اللجوء إلى نافورات المدينة التي أصبحت قبلة لكل طفل أراد المرح والانتعاش من خلال السباحة. فبسبب انعدام مسابح البلدية التابعة للدولة و حتى تلك ذات الأثمنة المناسبة للعائلات ذات الدخل المحدود، تجد أطفال مدينة فاس، كلما حل الصيف من مختلف أحيائها يتجهون إلى أقرب نافورة رفقة الأصدقاء لتلطيف أجساهم بمياه باردة، يعيشون لحظتها وكأنهم بمسابح خاصة، مثلهم مثل باقي الأطفال. لقد حولت هذه الشريحة من المجتمع نافورات المدينة التي أحدثت في إطار مشروع إعادة التهيئة، إلى مسابح عمومية ووجهة معتمدة طلية فصل الصيف، ورغم استنكار الجهات المسؤولة و انزعاج المارة و السائقين من منظر الأطفال وهم عراة داخل نافورات شيدت لغايات بعيدة لما تستخدم الآن، إلا أنه في الواقع ليس هناك مفر من هذه الظاهرة ما لم يتم إيجاد حل يرضي بالدرجة الأولى أبطالها. رغم الأخطار العارمة التي تهدد الأطفال بهذه النافورات: من أمراض خطيرة تنتج عن الطحالب المائية التي تنمو بها بسبب المياه الراكدة، أو خطر السقوط على احد الأنابيب الحديدية، بل و حتى السقوط داخل الأنابيب الناقلة للمياه داخلها، فضلا عن إمكانية التعرض إلى صعقة كهربائية بما أن هذه النافورات تستخدم التيار الكهربائي لتشغيل مضخات الماء؛ إلا أنك تجد الأطفال مواظبين على مسبحهم بأي شروط، حتى وإن كانت شروطا تشكل خطرا عليهم، يكفي فقط أن تطفي لهيب الحرارة عنهم ولو لساعات قليلة. ومن أكثر النافورات إقبالا من لدن هؤلاء الأطفال: نافورة البطحاء ذات شكل حوض مائي دائري كبير، تتوسطه مضخات مائية تدفع الماء، إلى الأعلى على شكل رشاشات، مزينة بأحجار المدينة العتيقة ذات الطابع الفاسي الأصيل. نافورة « خصة القنفوذ « القريبة من ولاية الأمن، يتميز شكلها بأنها تجعل المياه تتسرب على شكل كرة مائية، ويطلق عليها القنفوذ لأنها تتكون من قضبان حديدية على شكل قنفذ وهي التي تساعد على انسياب الماء بالشكل الذي تظهر به. نافورة الأطلس المقابلة للمحكمة الابتدائية و التي يتجه لها أطفال حي الليدو القريب منه. كذالك هناك الساقيات والنافورات الصغيرة التي توجد بشارع الحسن الثاني و الذي أصبح يعرف بشارع النخيل بسبب أشجاره النخلية العالية، والتي يستمتع الأطفال صبحا ومساءا بمياهها الباردة ينتعشون و يتضاربون بما استطاعت أيدهم الصغيرة حمله من ماء. يحكي علي الذي يبلغ من العمر 11 سنة و الابتسامة تعلو محياه: أقطن قريبا من نافورة الأطلس وآتي إليها رفقة أخي الذي يكبرني بسنتين وبعض أبناء الحي خلال فترة الظهيرة للسباحة بالنافورة، أحيانا نسبح بملابسنا خوفا من دوريات عناصر الشرطة أو أعوان المجلس الجماعي، لكن رغم ذلك نستمتع كثيرا بهروبنا وكأننا في فيلم، كل منا يسلك طريقا و نحن نبتسم ونصرخ. وفي بعض الأحيان نتجه إلى وادي عين الشقف القريب من مسبح الجوهرة الخضراء حيث يتم غسل السيارات والخضروات. أما صديقه مصطفى ذو 12 سنة فيقول: آتي للسباحة مع أصدقائي بهذه النافورة لكن أحيانا يكون هناك شرطي مرور فنحول وجهتنا إلى نافورات شارع الحسن الثاني، نمسك بطرف أي شاحنة تقف بإحدى إشارات المرور دون أن يلاحظنا السائق وعندما نصل إلى وجهتنا أو إلى مكان قريب منها نقفز بسرعة ونكمل طريقنا جريا. نحن أربع إخوة بالمنزل ولا نملك ثمن تذكرة المسابح الخاصة التي نسمع فقط عنها. في السنة الماضية أخذنا أبي إلى مسبح سيدي حرازم انا و إخوتي لكنه عمل جاهدا لتأمين مال سيارة الأجرة «الكبيرة» و حق التذكرة. وهذه السنة ننتقل من نافورة إلى أخرى نسبح ونلعب ونمرح، لا يهم المكان المهم أننا نستمتع. انعدام المسابح العمومية لقد كانت فاس قديما تتوفر على مسبحين عمومين في متناول العائلات المعوزة ، أولهما مسبح البطحاء الذي كان يشكل المتنفس الوحيد و ركن الاستمتاع لكافة المناطق القريبة منه، لكن تم تحويله لإدارة خاصة بالصناعة التقليدية، أما المسبح الثاني فهو المسبح البلدي للمدينة الجديدة والذي يقع على طريق القنطرة المؤدية إلى حي واد فاس والمعروفة بإشارة «انتبهوا «وهو بدوره أصبح مخصص لأندية السباحة وللمنخرطين بأثمنة مرتفعة ومحددة سلفا. وبما ان المسابح الاخرى التي تتوفر عليها المدينة كلها مسابح خاصة يتراوح وتختلف ثمن التذكرة بها من 40 إلى 100 درهم للفرد الواحد، بالإضافة إلى مصاريف وسائل النقل للوصول إليها، وهو شيء يصعب أن تتحمله العديد من العائلات خاصة تلك التي تتكون من عدة أطفال؛ لا يجد هؤلاء الصغار ملاذا ووجهة للاستمتاع سوى نافورات المدينة، بعدما علي صيت فاجعات غرق الأطفال بالوديان و السدود القريبة من فاس. فمن من أبناء المدينة يستطيع نسيان فاجعة غرق الطفل مراد الذي لا يبلغ سوى 14 سنة، ببركة لتجمع مياه التساقطات و مياه الصرف الصحي بحافة مولاي ادريس والتي استمرت محاولات إنقاذه ساعات طويلة ليتم انتشاله بعدها جثة هامدة؛ وغيره وغيره من الأطفال الذين غرقوا بالسد المجاور لحي عوينات الحجاج. فما هو ذنب هؤلاء الأطفال الذين خرجوا فقط للانتعاش من حرارة الصيف و عادوا جثثا إلى آبائهم؟ وُعدوا منذ أكثر من خمس سنوات ببحر اصطناعي، لكن أين هو هذا البحر وكم سيستلزم من سنة إضافية لتشيده؟