الهدف من هذا المقال أن نقترح بعض الإجراء ات العملية التي ستساعد المدرس على إنماء "القدرة الإبتكارية" Creative Capacity للتلاميذ في وسط "غير ملائم بيداغوجيا" Pedagogically Inadequate Context. أقصد ب"القدرة الإبتكارية": توسيع مدارك التلاميذ وخيالهم بما يُقْدِرُهُم على صناعة الجديد المفيد وبأقل التكاليف. (تقرير "اللجنة الإستشارية الوطنية البريطانية حول الإبتكار والتربية الثقافية، 1999). وأقصد ب"وسط غير ملائم بيداغوجيا" تلك الظروف التي يتم فيها التدريس والتي عادة ما يشتكي منها الأساتذة، كمشكلة الإكتظاظ (أحيانا أكثر من 40 تلميذا في فصل واحد)، وكثرة المواد الدراسية (أحيانا أكثر من عشرين وحدة دراسية في فصل واحد تنخره فترات عطل كثيرة)، وضعف الموارد اللوجيستيكية (مثلا، فصول دراسية ذات إضاءة ضعيفة أو درجة حرارة منخفضة أو بدون تجهيزات أساسية كآلة نسخ الأوراق)، والمشاكل التربوية (مثلا، المشاكل السلوكية لبعض التلاميذ وعدم توفر بعضهم على الحد الأدنى من المكتسبات القبلية الضرورية) (تقرير اليونيسكو حول "تعريف الجودة في التعليم"، إيطاليا، يوليوز، 2000) والهدف من هذا المقال أن أقترح على من يمارس التدريس (بالإضافة إلى صانع القرار في المجال التربوي والآباء) بعض المقترحات العملية التي ستساهم في تطوير "القدرة الإبتكارية للتلميذ" حتى عندما يكون وسط التدريس "غير ملائم بيداغوجيا". لماذا نحتاج لتنمية للقدرة الإبتكارية عند التلميذ؟ يُعرِّف الخبراء "القدرة الإبتكارية" على أنها توسيع للمدارك والخيال بما يؤهل الفرد إلى صناعة الجديد المفيد بأقل تكلفة. و يصف الأخصائيون قدرة الفرد على الإبتكار ب"مهارة القرن الواحد والعشرين" وب"مهارة المهارات" Creativity: A Handbook for Teachers (A-Girl Tan, edt. 2007). فالقدرة على ابتكار الحلول والتكنولوجيا والأساليب الجديدة في الإدارة والتسيير وغير ذلك هي المهارة التي يحتاج لها الفرد في عالم اليوم الشديد التغير والتقلب مهما كانت مهنته أو تكوينه الأكاديمي. لذلك فإن معظم الدول في أوروپا الغربية تدرج مادة الإبتكار في المناهج الدراسية في مختلف مراحل الدراسة. وفي كثير من المدارس الأمريكية والكندية واليابانية توفر المدارس الخصوصية والعمومية قاعة خاصة بالإبتكار التلاميذي عادة ما تكون متاحة للتلاميذ طوال اليوم، يجدون فيها كل ما يحتاجونه لممارسة الأنشطة الإبتكارية كالمعاجين والأوراق والپلاستيك وأدوات التسجيل الصوتي والكاميرات وغير ذلك من المواد التي قد يحتاج لها التلاميذ لتحقيق مشاريعهم المبتكرة. يحتاج الفرد لاكتساب القدرة الإبتكارية لأن المجتمع المعاصر يتطور بسرعة لم يكن يتطور بها سابقا، ولأن هذه السرعة تفرض على الفرد أن يتكيف أكاديميا وشخصيا ومهنيا مع جميع التغيرات المحتملة. لذلك ينبغي على المربّي أن يعود نفسه على حقيقة جديدة مقتضاها أن تنمية القدرة الإبتكارية للتلاميذ احتياج لا يقل في أهميته عن احتياجهم لتعلم القراءة والكتابة، وأنه من المرجح أن يشتغل أبناؤهم مستقبلا في مهن من نوعية لا نعرفها اليوم أصلا. يحتاج التلميذ لتقوية قدرته الإبتكارية أيضا لأن من شأن إنماء هذه القدرة أن يساهم في دعم قيم الإعتماد على الذات، والمبادرة، والتسامح مع المختلف، وتقدير ذكاء الآخر، وتقدير الذات، والثقة بالنفس وهذه هي القيم التي يحتاجها الإنسان المعاصر لإنماء نفسه ومحيطه، والتعايش بشكل سلمي مع الجميع. لذلك يؤكد تقرير اللجنة الإستشارية الوطنية البريطاني حول الإبتكار والتربية الثقافية، 1999 أننا نحتاج لتطوير القدرات الإبتكارية للتلاميذ لمواجة خمسة أنواع من التحديات: 1 التحدي التربوي: لا يمكن للتدريس أن يحقق أهدافه الأساسية كالتعلُّم، وتنمية القدرات التي تمكن التلاميذ من حل مشاكل حياتهم إلا باستثمار ما يتعلمونه، واستثمار هذه "الحلول" بشكل عملي في حياتهم لا يتم إلا بضخ جرعة قوية من الثقافة الإبتكارية في التربية والتكوين. 2 التحدي الإقتصادي: يحتاج المتعلمون لتطوير قدراتهم الإبتكارية التي تؤهلهم للتميز في مهنهم المستقبلية (التي ربما لم تظهر إلى الوجود بعد!)، وتربي عندهم المهارات الرّيادية والمقاولاتية، وتُقدِرهم على إنتاج الثروة. 3 التحدي التكنولوجي: تتطور التكنولوجيا المعاصرة بشكل سريع بحيث تتجه نحو تقسيم المجتمع إلى قادر على استعمال التكنولوجيا وعاجز عن ذلك، وإلى تقسيم المجتمعات إلى تلك التي يستطيع أعضاؤها تصميم التكنولوجيا وتجديدها وتلك التي لا تستطيع ذلك. تطوير القدرات الإبتكارية للأفراد هي التي ستمكن الأفراد من الإستعمال المبدع للتكنولوجيا والمساهمة في تصميمها وصناعتها. 4- التحدي الإجتماعي: تطور المجتمعات المعاصرة وتعقدها المطرد يجعل الفرد في حاجة ملحة للتميّز داخل آلة مجتمع مصنع يفضل التنميط والإنتاج الخاضع للمقاييس الموحَّدة التي لا تنوع فيها. لذلك فإن الفرد الذي لا يقوي ملكاته الإبتكارية سيضيع حتما في النمطية والقوالب الجاهزة. 5- التحدي الشخصي: التعقد الكبير الذي يعرفه المجتمع المعاصر تخلق عند الفرد رغبة في إضفاء المعنى على سلوكاته، وفي إنجاز عمله أو دراسته أو أنشطته اليومية بشغف وتحفّز ذاتي. فلم يعد الشباب مثلا قادرين على دراسة كل ما يقدم لهم في المدرسة والجامعة، بل صاروا يفضلون دراسة ما يلمسون في أنفسهم من اهتمام شخصي به. كيف ندرب الأفراد على تطوير قدراتهم الإبتكارية؟ تعتمد التداريب الأمريكية والبريطانية واليابانية المختصة بتقوية القدرات الإبتكارية على أربعة أركان: أولها إقدار الفرد على توسيع حيز إدراكه للعالم وإحساسه به. فأقدر الأفراد على الإبتكار يتميزون بميلهم لملاحظة التفاصيل، وإدراك النظام في الفوضى، والتمييز بين الأشكال والمعاني المتقاربة، والإسهاب في وصف المشاهد بدقة، إلخ. من العمليات التي يتدرب عليها المتعلمون لتطوير هذا الجانب من القدرة الإبتكارية تقوية قدرة الفرد على ملاحظة النظام في الفوضى، وقدرته على التجريد والقياس، وقدرته على "التفكير بالجسد" ( = رصد المعطيات التي يستقبلها الجسد قبل أن يفكر فيها بشكل مجرد) (من كتاب "شعل العبقرية" Sparks of Genuis لصاحبه Root-Bernstein 1999)). وثاني أركان الإبتكار إقدار الفرد على وصف المشاكل وحلها. فالإنسان المبتكر لا يغرق نفسه في تفاصيل المشكلة بل يتجه رأسا للكيفية التي نتجاوز بها تلك المشكلة، فيفكر فيها تفكيرا معكوسا (من الحل رجوعا نحو المشكلة)، ويرجح بين كل الحلول الممكنة إلى أن يضع اليد على أنجع الحلول وأقلها تكلفة. (كتاب "الخيال التطبيقي" Applied Imagination لصاحبه Alex Osborne 1953) ثالث أركان الإبتكار إقدار الفرد على تحقيق الحلول على أرض الواقع، وذلك بتحليل مدخلات المشروع المبتكر ومخرجاته وعملياته بطريقة تمكن صاحبه من استثمار ما يتوفر عليه من موارد بشكل فعال وناجع. (انظر مقال " Putting Cceativity to work: The implementation of creative ideas in organizations" 2012 لصاحبه Markus Baer) الركن الرابع في الإبتكار تأهيل الفرد إلى تخيل الجديد، وذلك بإكمال ما يحصل عليه من معلومات حسية أو مجردة، وبالجرأة على إبداع حلول لم يصغها غيره قبلا، وبتخيل أساليب جديدة في استثمار الموارد. كيف ندرِّب المدرسين على الإبتكار؟ يقضي المتعلم حوالي 15000 ساعة في المدرسة والجامعة بين المستوى الأول في التعليم الإبتدائي والسنة الأخيرة في الجامعة. هذا يعني أن المتعلم يقضي الجزء الأكبر من حياته وهو يتعلم من مدرسه. لذلك فإن أفضل فرصة لضخ الثقافة الإبتكارية في المجتمع هي تكوين المدرسين بشكل يقوي من قدراتهم الإبتكارية في التدريس وتدبير الموارد. فعندما يدرّس المدرس بأساليب مبتكرة، فإنه يحقق الأهداف التعلمية بشكل أفضل وفي نفس الوقت يعطي لمتعلمين نموذجا حيا للتعامل الإيجابي المبتكر مع المشاكل. ينبغي أن نميز دائما بين وظيفتين متكاملتين. أولهما وظيفة تدريس الإبتكار، والثانية وظيفة التدريس المبتكر. ندرس الإبتكار عندما نخصص منهاجا دراسيا وفصلا دراسيا لمادة الإبتكار. وندرس بطريقة مبتكرة عندما نكون المدرس تكوينا ابتكاريا متينا يرفع وعيه بأهمية الثقافة الإبتكارية ويؤهله للتعامل مع المشاكل التدريسية بأساليب مبتكرة تعزز من مكتسبات المتعلمين وتحقق الغايات التعلمية بشكل أنجع. لبناء منهاج دراسي نكوِّن به المدرسين على آليات الثقافة الإبتكارية، ينبغي أن نفعل ذلك من خلال ثلاث مراحل: 1 مرحلة رفع الوعي: وهي المرحلة التي نحسس بها المتدرب بأهمية الثقافة الإبتكارية ونقربه من المعنى التقني للإبتكار. ينبغي أن نفعل ذلك من خلال ثلاثة عروض قصيرة، نقارن في أولها بين المجتمعات الإبتكارية والمجتمعات غير الإبتكارية. ونوضح في ثانيها معنى الإبتكار مميزين إياه عن معاني أخرى قد يخلطها الناس به مثل "الموهبة" أو "العبقرية". ونخصص ثالثها لحضور أو غياب فكرة "الثقافة الإبتكارية" في النصوص الرسمية كالدستور والميثاق الوطني للتربية والتكوين. 2 مرحلة التدريب على الإبتكار: تتكون هذه المرحلة من مجموعة من التداريب العملية تضع المتدرب في سياقات يتعامل فيها مع معوقات القدرة الإبتكارية. من ذلك مثلا أن نطلب من المتدرب رسم خط يمر من ثلاث صفوف من النقاط فيتعذر عليه ذلك لأن الصفوف توازي بعضها البعض، ثم يذكره المدرّب أنه لم يمنع عليه تقطيع الورقة التي وضع عليها صفوف النقاط الثلاثة، مما يعني أنه كان بإمكان المتدرب قص الورقة وإعادة ترتيبها بشكل عمودي يسمح بتمرير الخط على جميعها، كما كان بإمكانه طيُّها بوضع الصفوف على بعضها البعض لتمرير خط واحد على جميعها. هذا سيمكن المتدرب من استدخال فكرة مقتضاها أن الفرد يقيد نفسه بقيود كثيرة لا يكون واعيا بها ولا يكون واعيا بكونها قواعد غير نافعة وغير ضرورية ومانعة للتحرر الذهني الذي تتطلبه الثقافة الإبتكارية. 3 مرحلة التدرب على الإبتكار في مجال بعينه: وهذه هي المرحلة التي يتعلم فيها المتدرب أن يمارس أنشطة تحفز قدراته الإبتكارية في مجال مهني أو دراسي بعينه. ونسمي كل نشاط من هذه الأنشطة ب"الكريوتيم". مثال ذلك ما يمكن أن ندرب المدرّس عليه من أنشطة قد يدمجها في الدرس أو يعوض بها ممارسات تدريسية غير مبتكرة، أو أن يصلح بها أنشطة فصلية غير منتجة. التدريس بالإبتكار في وسط غير ملائم بيداغوجيا أنطلق من مسلمة مفادها أن المفتاح الأساسي للتدريس المبتكر في وسط غير ملائم بيداغوجيا (أنظر تعريف هذا المفهوم في الفقرة الأولى) هو التحكم المبتكر في الكتاب المدرسي. لنشرح. أولا ينبغي أن يكون واضحا أن تجديد مضامين المناهج الدراسية ومراقبة ملاءمتها مع تطور المجتمع احتياج حيوي لكل نظام يرغب في تحقيق تعليم ذي جودة ... (Zhou Zan-Zhao: ”Four Pillars of Learning for the Reorientation and the Reorganization of of Curriculum“). لذلك فإن تركيزنا في هذا المقال على تطوير المهارات الإبتكارية عند المدرس، دون أن نأخذ بعين الإعتبار تطوير المضامين التي يتعلمها التلاميذ (وعوامل موضوعية أخرى معروفة)، لا ينبغي أن يُفهم على أنه تقليل من شأن ملاءمة المضامين وضرورة الرفع من جودتها بما ينسجم مع تقدم المعرفة والتجربة الإنسانية. فليس غرضنا في هذا المقال سوى أن نبين أن هناك مجالا لتدخل المدرِّس يستطيع، إن شاء، أن يستعمله مدخلا للرفع من جودة ما يدرسه حتى عندما يكون سياق التدريس غير ملائم بيداغوجيا. ثانيا الكتاب المدرسي هو الفضاء الذي تتوحد فيه جميع عناصر عملية التدريس. ففيه المضامين المُدرَّسة؛ و هو فضاء للتمرن على المكتسبات (إذا كان يتضمن دفتر عمل Workbook)؛ وهو بمثابة موجِّهٍ للمدرِّس في تخطيط الدروس؛ و هو أيضا عنصر تثبيت للمضامين المدرّسة، ومصدر للمدعمات الديداكتيكية كالصور. لا يوجد مكوّن آخر من مكوّنات العملية التعليمية يجمع كل هذه العناصر. ثالثا من المشاكل الجدية التي يعاني منها قطاع التعليم عندنا عدم توفر كتب دراسية وطنية تساهم في ضخ الثقافة الإبتكارية في حياة التلاميذ. من مظاهر هذه المشكلة الجدية ما يلى: 1 معظم الكتب الدراسية المختصة باللغات تعطي مكانا ثانويا للتواصل الشفوي الذي هو مناط التفاعل الإجتماعي المولّد للأفكار المبتكرة. 2 معظم النصوص التي تتضمنها الكتب الدراسية غير ذكية وغير جذابة بالنسبة للتلاميذ. 3 تفتقر معظم اللكتب الدراسية لعناصر الإثارة، والتشويق، واللعب، والمتعة أي تلك العناصر التي تحفز التلاميذ على التعلم وتحرر الفصل الدراسي من القلق. 4 معظم الأنشطة التي تتضمنها الكتب الدراسية نمطية (مثلا أسئلة الفهم تقدم بنفس الطريقة دائما)، وأحيانا غير ملائمة (مثلا أسئلة من قبيل "استخرج من النص كل الأفعال في الزمن الماضي" التي تدل على الكسل الذهني لواضع الأسئلة ورغبته في ترك المهمة التعلمية بشكل كامل للتلميذ). أحيانا تكون هذه الأنشطة غير مفهومة بشكل تام وأهدافها البيداغوجية غير مدروسة بشكل جيد. 5 معظم الكتب الدراسية تنبني على فهم خاطئ ل"الملاءمة": يعتقد الكثيرون عن خطأ أنه لكي يكون المنهاج الدراسي ملائما لسياقه الإجتماعي يكفي أن يستعمل هذا المنهاج أسماء محلية، وأن يتحدث عن أماكن وأدوات معروفة ..! رابعا بما أن الأستاذ عادة ما يكون مقيدا باستعمال هذه الكتب المدرسية الغير ملائمة، فإن أداءه يصبح مرتهنا لممارسات فصلية غير داعمة للثقافة الإبتكارية (Brian Tominson (2015) ”Challenging Teachers to use their coursebook creatively“). خامسا الحل الذي نقترحه هو أن يقوم المدرس باستغلال فراغ في هذه الكتب المدرسية وهو عدم توفر معظمها على "دفاتر عمل" Workbook وأن يقوم ببناء دفاتر عمل خاصة بشكل تدريجي. "دفتر العمل" هو كراسة مرافقة للكتاب المدرسي تتضمن أشكالا مختلفة من تمارين الدعم Drilling (تمارين عادة ما تكون ميكانيكية في شكلها، وتختلف في الشكل رغم أنها تدعم نفس المكتسب)، والتمارين المضمونية Meaningful exercises ( = التمارين التي يكون معها التلميذ مضطرا لفهم المضامين فهما واعيا مرِناً)، والتمارين الإستثمارية Investment exercises ( = التمارين التي يشجع فيها التلميذ على استثمار المكتسبات اسثمارا واعيا ومبتكرا بطريقته الخاصة. لا يمكننا في هذا المقال أن نصف تفاصيل صناعة "دفتر عمل موجه ابتكاريا"، لذلك سأكتفي هنا بأن أذكر بأن هذا الدفتر مكون من كريوتيمات Creotemes. و“الكريوتيم“ هو كل نشاط يدرجه المدرس في الفصل من أجل تحقيق الأهداف التعلمية بطريقة فعالة ومبتكرة. من إيجابيات إدماج الكريوتيمات في الأنشطة التعلمية داخل الفصل أنها تحقق الأهداف التعلمية بطريقة ممتعة تبعد الملل الذي يحس به التلاميذ داخل الفصل وتعطي نموذجا جيدا للممارسة الإبتكارية. كل نشاط مبتكر هو نموذج للأداء الإبتكاري سيستدخله التلميذ ويتأثر به. ينبغي أن نذكر هنا أن الكريوتيم ليس "تقنية" وليس "نشاطا" بل هو توجيه ابتكاري مفتوح يفترض في المدرس أن يكيفه مع المادة التي يدرسها واحتياجات تلاميذه وطبيعة الوضعية البيداغوجية التي يجد نفسه فيها. لذلك فإن كل كريوتيم ندرب عليه المدرس ينبغي أن يحدد ثمانية عوامل وهي: المشاركون (التلاميذ، المدرس، ...)، والسن، والمستوى الدراسي، والإطار الزمني الذي ينجز فيه الكريوتيم، الأدوات اللوجستيكية، الوضعية في الدرس (هل يدمج الكريوتيم في البداية أم في الوسط أم في النهاية)، والأدوار (ماه دور الأستاذ، وما هو دور التلاميذ ...)، والتأثير (ما هو التأثير الإبتكاري الذي يخلقه الكريوتيم: توسيع الخبرة بموضوع ما أو تعميقها، استعمال التعلمات لحل المشاكل، الإستثمار العملي، فهم الخبرة وحل المشاكل المرتبطة بها بشكل جديد وفريد ...). أمثلة عن الكريوتيمات من الكريوتيمات التي يمكن أن يدمجها الأستاذ في دفتر عمل من إنجازه ما يلي: كريوتيم "الإنجاز الحفز" Motivated Performance: وهي أن يشجع التمرين المتعلم على إنجاز مهمة من المهمات وذلك بتيسير المهمة ورفع درجة التحفيز فيها. مثلا: بدل تلك الأسئلة المملة والتي لا يعرف التلميذ كيف ينجزها (مثال: "اشرح المفردات التالية") يمكن أن يتضمن الدفتر المدرسي سؤالا من نوع: "ابحث في الفقرة الأولى عن كلمة تعني "ظهر" وفي الفقرة الثالثة عن كلمة تعني "قام"، إلخ." التحفيز في هذا التمرين يكون بالتحدي الذي ينتج عن توضيح مهمة تبدو سهلة وموجهة. و"الإنجاز" يكون بربط المفردات بسياق معلوم. كريوتيم "القلب" Conversion: وهي تكون بتحويل شكل مضمون من المضامين إلى شكل آخر. من ذلك أن يطلب دفتر الأعمال من التلميذ أن يحول (في البيت) نصا من النصوص إلى "برنامج تلفزي" باستعمال البرنامج المعلوماتي Viva Video الذي يعرفه المراهقون والشباب والذي يحتوي على مؤثرات تصويرية يستمتع بها المتعلمون. من ذلك أيضا تحويل نص إلى قصيدة غنائية يؤديها التلاميذ. أنشطة "القلب" تنجز في البيت على أن يعرض التلاميذ منجزاتهم في فترة قد لا تتجاوز 15 دقيقة. فهي تخلق آثارا بيداغوجية قوية مثل التحفز الشديد لقراءة وإعادة قراءة المضامين، والإستمتاع الكبير بالإنجاز. كريوتيم التشويه Distortion : أن يقدم شكل المضمون ناقصا وأن يُتحدى التلميذ إلى إكماله. مثلا، بدل أن يطلب من التلاميذ قراءة نص، يقدم لهم النص غير مرتب الفقرات قبلا، فيطلب منهم ترتيبها بالشكل الصحيح. أو تُمحى الكلمة الأولى من كل سطر فتعوض بنقط، ليُطلب من التلميذ تقدير الكلمة الممحوّة. يمكن هذا النوع من الأنشطة من تحفيز ذهن المتعلم لاستيعاب المضمون في كليته، وهذا مطلب ابتكاري. كريوتيم "الإستفهام" Interrogation: من ذلك مثلا أن يقسم الفصل إلى مجموعات، فيطلب من كل مجموعة أن تصوغ 10 أسئلة حول الدرس تطرحها على مجموعة من اختيارها. أو أن يحضر كل تلميذ (في البيت) استجوابا صحافيا مع تلميذ آخر يطرح عليه عددا محدودا من الأسئلة في سياق يقلد فيها عمل الصحافي. كريوتيم الإستضافة Invitation: يستضيف الفصل شخصية لتتحدث للتلاميذ لمدة 15 دقيقة عن الموضوع الذي سيتعلمونه في درس اليوم. مثلا، يدعو الأستاذ فلاحا ليتحدث للتلاميذ بشكل بسيط ومتفق عليه مع الأستاذ عن مشكل الجفاف إذا كان موضوع الدرس هو "ندرة الماء". كريوتيم سباق القراءة Accelerated Reading: يصنع الأستاذ والتلاميذ جدولا (بشكل لا يمكن وصفه بدقة في هذا المقال) يجعل رصيد التلميذ يرتفع كلما قرأ كتابا وملأ استمارة القراءة (لا يمكن وصفها بدقة في سياق هذا المقال). فيصير التنافس في قراءة الكتب نوعا من التسابق في تقدم خط كل تلميذ في الجدول. التجربة أثبتت أن هذا الكريوتيم يخلق تحفزا قويا على القراءة. كريوتيمات الفايسبوك: وهي أن يقيم التلاميذ صفحة فايسبوكية خاصة بفصلهم، فيطلب الأستاذ من مجموعة من التلاميذ أن يكتبوا في ستاتو الصفحة حول موضوع، أو أن يلخصوا درسا، أو أن يبدوا ملاحظات حول مضمون دراسي ما، فيقوم بقية التلاميذ بالتعليق المفصل على ما كتبة التلاميذ. تجعل مثل هذه الكريوتيمات عملية التعلم قريبة من عالم وسائط التواصل الإجتماعي التي يجد فيها الشباب أنفسهم أكثر من عالم المدرسة الذي يبدو لهم مملا. هذا بالإضافة إلى أن هذا الكريوتيم (الذي ينجز في البيت والذي يمكن التلميذ من مراجعة المكتوب وإعادة تحريره) يحرر الكاتب والمعلق كليهما من ضغط الفصل وقلقه. ملاحظات ختامية إنجاز "دفتر عمل موجه ابتكاريا" يتميز بالمرونة بحيث يستعمل الموارد المحدودة التي يتوفر عليها الأستاذ، ولا يحتاج لأي موارد لوجستيكية باهضة الثمن. هذا بالإضافة إلا أن الأستاذ يمكن أن يصنع هذا الدفتر بشكل تدريجي (وحَدةً وحَدةً) خلال سنة أكاديمية كاملة. ويمكن إذا صيغت الكريوتيمات بشكل مهني أن يتأقلم مع الموارد الزمنية المحدودة. كما أن دفتر العمل الموجه ابتكاريا هو مرحلة انتقالية فعالة نحو كل إصلاح شامل نحو جعل المنظومة التربوية موجهة ابتكاريا. فليس أقتل للإصلاح من تبني مقتضياته بشكل جذري وكامل دون مراحل وسيطة غير مكلفة نحو تحقيق الأهداف الكاملة. خلاصة تدريب الأستاذ على صناعة دفتر عمل موجه ابتكاريا مرحلة ضرورية نحو إصلاح للمنظومة التربوية موجه ابتكاريا. [email protected]