سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بلعاتي: هناك هدر مدرسي يتعلق بالتلميذ الذي لا يتعلم رغم حضور ه في القسم المفتش المكلف بتنسيق التفتيش الجهوي قال إن التباين الثقافي بين المدرسة والتلميذ يخلق مشكلا كبيرا
أصبح موضوع الصعوبات الدراسية لدى التلاميذ يفرض نفسه بإلحاح في الوقت الراهن في المجتمع المغربي. وتعد ظاهرة الدروس الخصوصية من أهم المؤشرات على وجود هذه الصعوبات، فالهدر المدرسي من المشاكل الكبرى في المنظومة التربوية المغربية وضعف مستوى التلاميذ، حسب آخر الدراسات الدولية والوطنية، يفرض الاهتمام أكثر بالموضوع، لإيجاد الحلول الناجعة له. لمزيد من التوضيحات حول مظاهر هذه الصعوبات وأسبابها وعلاجها، حاورت «المساء التربوي» محاورة ميلود بلعاتي، المفتش المكلف بمهام تنسيق التفتيش الجهوي في أكاديمية الجهة الشرقية. - ما هي أخطر الاختلالات التي تواجه المنظومة التربوية؟ الهدر المدرسي أحد أهم الاختلالات التي تواجهها المنظومة التربوية المغربية، وقد جعل منه البرنامج الاستعجالي أحد الأولويات وخصّه بعدة تدابير لتشجيع التلاميذ على التمدرس كالنقل المدرسي، المدرسة الجماعتية، بناء الداخليات، برنامج تيسير... إلخ. ولكن هناك نوعا آخر من الهدر المدرس ينبغي الانتباه إليه وإيجاد الحلول الناجعة له، ذلك أن هناك عددا من التلاميذ وفي كل المستويات الدراسية، يحضرون كل يوم إلى القسم ويتتبعون حصصهم الدراسية بانتظام، ولكنهم لا يتعلمون فعلا ولا يتطور مستواهم الدراسي.
-ما هي انعكاسات الهدر المدرسي على المتعلّم؟ يجد هؤلاء التلاميذ صعوبات جمّة في مسايرة العملية التعليمية التعلّمية وهم، في غالب الأحيان، يشعرون بالإحباط وانعدام الثقة بالنفس، ويتسم عملهم بالبطء والسطحية وعدم القدرة على التركيز. وقد يتسم سلوكهم بالسلبية كذلك (يستعمل التلميذ إستراتيجيات من أجل التهرب من العمل، كأن يدعي أنه نسي الكتاب أو الدفتر أو الأدوات المدرسية) أو بالمعارضة الصريحة (قد تؤدي إلى صدام أو إلى العنف بكل أنواعه).
- هل يمكن اعتبار هؤلاء التلاميذ في حالة فشل دراسي؟ من الأفضل تجنب استعمال لفظ الفشل الدراسي، لأن له انعكاسات على نفسية التلميذ، فهو يعني نهاية سلبية وحكما نهائيا ومستعجلا على الفرد يلغي قابليته للتطور وللتغيير وينفي مبدأ التربية المستدامة، لذا يُستحسن استعمال «صعوبات دراسية»، فهي الأنسب، لأنها تبقي الأمل في التطور والتحسن. وفي هذا الصدد، يجب التمييز بين نوعين من الحالات، التلميذ الذي لديه صعوبات دراسية، وهي وضعية مؤقتة وشبه عادية، والتلميذ المتعثر، وهذا يعني أنه «حبيس» مجموعة من الصعوبات، حيث لا يستطيع تجاوزها أو التحكم فيها، وقد يصل إلى حد اليأس من التعلم أو ما يسمى «الشعور بعدم القدرة» (L'impuissance apprise ).
- ما هي أسباب هذه الصعوبات الدراسية؟ هناك أسباب لها ارتباط بالتلميذ وأخرى مرتبطة بالمدرسة والطرق التربوية وأخرى مرتبطة بالأسرة والمحيط الاجتماعي للتلميذ. فبالنسبة إلى الأسباب المرتبطة بالتلميذ، يمكن أن تكون هناك اختلالات وظيفية، كنقص السمع أو البصر أو اضطرابات النطق والصعوبة في الكلام (La dyslexie) فهي تخص المجال الطبي إلا أن لها تأثيرا على التعلمات، كالتعب المدرسي، جراء طول المقررات الدراسية في بعض المواد وسوء توزيع الحصص خلال الأسبوع أو السنة الدراسية (بالإضافة -في بعض الأحيان- إلى الدروس الخصوصية في الليل وأيام الأحد والعطل). ومن جهة أخرى، فقد يكون السبب هو التباين الثقافي بين القيم والمضامين التي تحملها المدرسة وتلك التي يحملها الفرد، وقد يكون غياب الاستعداد الذهني والنفسي، وهو حالة عابرة بسبب مشكل ما. وقد يكون السبب هو القلق، نتيجة صراع نفسي داخلي يؤثر على التعليمية التعلّمية، إذ إن هناك أعدادا متزايدة من الشباب يعيشون في حالة قلق مستمر، بسبب الأنماط المعيشية المعاصرة. كما قد تكون المشاكل الأسرية سببا وراء التعثر الدراسي للتلميذ، سواء كانت اقتصادية أو ناتجة عن التفكك أو الصراع بين أفرادها، أو بسبب العلاقة المتوترة بين التلميذ وأسرته. وقد تشكل الأنترنت عاملا من العوامل التي لا تساعد التلميذ على تجاوز صعوباته، حيث تكرس هذه الوسائل «السلبية» لدى التلميذ في كثير من الأحيان (حيث يتلقى الأجوبة جاهزة دون جهد أو تفكير)، فالأنترنت لا توفر المعرفة بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهي توفر لنا فقط مجموعة من المعلومات يتحتم علينا القيام إزاءها بعدة عمليات: الفهم، الانتقاء، الاستنتاج... للتمكن من استيعابها. يضاف إلى تلك الأسباب ضعف المستوى اللغوي، والذي يتجلى في صعوبة التعبير الشفوي والكتابي على الخصوص، بالإضافة إلى الصعوبات المرتبطة بالقراءة والفهم.
- هل للطرق التربوية أو الممارسات البيداغوجية للمدرسين تأثير على الصعوبات الدراسية لدى التلاميذ؟ تنبغي الإشارة أولا أن أصل المشكل هو أن المدرسة تعتمد في الغالب على تعليم جماعي، بينما التعلم هو عملية فردية، ونظرا إلى الفروق الفردية وتباين وتيرات التعلم، فإن النتيجة هي أن هناك تقريبا 15 % فقط من التلاميذ هم من يستطيعون مسايرة «العملية التعلّمية»، لأنهم نشيطون ذهنيا ويمكنهم بالتالي القيام بعملية إدماج المعلومات، أما الباقي فيجدون صعوبات في الفهم والتتبع. وهكذا، يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع وشهرا بعد شهر، تتراكم الصعوبات إلى أن يصبح التلميذ عاجزا عن تتبع ما يجري داخل الفصل الدراسي، رغم شروح الأستاذ ومجهوداته. فهذا التلميذ قد أضحى متجاوَزا وفي كثير من الأحيان حتى الدروس الخصوصية لا يمكن أن تساعده على تجاوز صعوباته، وتهم هذه الوضعية شريحة عريضة من التلاميذ من القسم الأول في المدرسة الابتدائية حتى مستوى الجامعة. فالأستاذ يلقي الدرس والطلبة «ينصتون» في وضعية سلبية، وغالبا ما تكون هذه الوضعية هي بداية الصعوبات الدراسية، فالمتعلم عليه المشاركة في بناء معرفته وكفاياته، ليتمكن من إدماجها.
- كيف يمكن مساعدة التلاميذ المتعثرين أو ذوي الصعوبات الدراسية؟ يتبين من خلال التحاليل السابقة أن الصعوبات الدراسية ذات طبيعة معقدة ولها أسباب عديدة ومتنوعة. لمعالجتها يجب إذن اعتماد مقاربة نسقية أي مجموعة من الحلول، في تفاعل دينامي في ما بينها من أجل بلوغ هدف واحد: اختفاء الصعوبات الدراسية. يجب، إذن، أن نبدأ بعملية تشخيصية، أي التعرف على نوعية الصعوبات التي تعترض التلميذ، من خلال ملاحظة سلوكه وأنشطته (يمكن اعتماد الاختبارات والروائز والاستمارات...) ومن خلال المقابلة مع أسرته، كلما أمكن ذلك.
- هل هناك تقنيات ووسائل يمكن أن يعتمد عليها المدرس في هذا المجال؟ هناك ما يسمى الدعم التربوي، الذي ينقسم إلى ثلاثة أنواع، أولها الدعم البيداغوجي، الذي يعني «تدخلا بيداغوجيا يستند إلى وسائل وتقنيات وإجراءات يمكن اتباعها داخل القسم أو خارجه، لسد الثغرات ومعالجة الصعوبات (دليل الدعم) ويسمى كذلك المعالجة البيداغوجية (La remédiation) وقد يعني مراجعة بعض المفاهيم لمساعدة المتعلم على استيعابها، ولكن في غالب الأحيان، المطلوب هو القيام بشيء مغاير ونهج إستراتيجيات وتقنيات أخرى. وفي هذا الصدد، يجب اعتماد مبدأ البيداغوجية الفارقية، فهي مصاحبة بيداغوجية تختلف عن وضعية التدريس الجماعي، إذ إنها تأخذ بعين الاعتبار إيقاعات التعلم والأساليب المعرفية للمتعلمين داخل الفصل الدراسي، حيث يتم تشكيل المجموعات حسب اختيار التلاميذ أو انطلاقا من حاجيات كل مجموعة أو على شكل ثنائيات وحتى على شكل فردي.
- ما هي مزايا البيداغوجية الفارقية؟ إدخال الحياة إلى القسم، جعل التعلم أكثر جاذبية، تجنب الملل الذي يكون غالبا هو سبب التشويش ونقص الاهتمام...
-ما هو النوع الثاني من الدعم؟ هناك ما يمكن تسميته «الدعم المنهجي» وهو يهدف إلى مساعدة التلاميذ على اكتساب طرق وتقنيات التعلم: الاستذكار، إنجاز التمارين وتحضير العروض... وهو يهدف كذلك إلى تدريبهم على كيفية التركيز في العمل، تنظيم الوقت، فهم التعليمات وإعادة قراءة الإنجازات الشخصية بنظرة نقدية... فمثلا، لمساعدة التلميذ على الاستذكار، يُطلَب منه إعادة صياغة محتوى الدرس، وسيتمكن هكذا من تحديد النقط المهمة (نقط الارتكاز) وهذا سيجعل ذاكرت الدرس تستوعبه بسهولة. من جهة أخرى، ينبغي أثناء الحصص الدراسية، تخصيص فترات زمنية قصيرة من أجل التفكير والاستيعاب «pauses structurantes» (في وسط الحصة أو في ختامها) يكون الهدف منها هو حث التلاميذ على التركيز والتأمل وتلخيص ما سبق (فرديا وجماعيا).
-ما هو النوع الثالث من الدعم؟ هو الدعم النفسي والوجداني، والذي له أهمية بالغة في مساعدة المتعلمين على تجاوز تعثراتهم الدراسية التي يبدو أنها ذات طابع معرفي ولكن سببها قد يكون وجدانيا، ذلك أن الجانب المعرفي والجانب الوجداني توجد بينهما علاقة جدلية في الدماغ البشري «إننا لا نتعلم شيئا بشكل جيد إلا إذا أحببناه»...
- ما هي الصفات الذي يجب أن يتسلح بها المدرس لضمان نجاح هذا الدعم؟ التعاطف (L'empathie) وهو قدرة الفرد على أن يضع نفسه مكان الآخرين، ليتفهم صعوباتهم ويحس بمشاكلهم وأحاسيسهم. هناك بعض المدرسين للمواد العلمية على الخصوص «لا يفهمون أن تلاميذهم لا يفهمون» (حسب كاستون باشلار)، والإنصات إلى الآخر، لكي يسترد الثقة في نفسه ولكي يعبر بكل حرية عن آرائه ويبوح بأحاسيسه، وتثمين عمل المتعلم بالتركيز على نجاحاته، ثم تحسيسه بالأمان، لكي لا يشعر بالخوف والقلق، والتحفيز الذي يعتبر أحد ركائز التعلم الفعال، والذي هو مرتبط بمتعة التعلم، فهو يعطي معنى للتعلم ولنشاط الفرد.
- بماذا نصح مفتش وأستاذ باحث مثلك المدرس الناجح؟ ينبغي على المدرس أن يبني تعليمه ليس فقط انطلاقا من المناهج والكتب المدرسية، بل لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار الصعوبات الدراسية للتلاميذ وحاجياتهم الخاصة. وأهم ما يجب أن يتميز به المدرّس هو أن يكون فنانا ومبدعا وأن يضع عمله في إطار مشروع (مشروع القسم، مشروع المِؤسسة) فالاعتماد على المشروع هو إعطاء حياة للقسم وللممارسات البيداغوجية.