أبرز مقترحات تعديل مدونة الأسرة بالمغرب .. الميراث وتعدد الزوجات والطلاق    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    تنزيلا للتعليمات الملكية.. هيئة مراجعة مدونة الأسرة تكشف عن التعديلات المعتمدة وهذه أهمها    "على سلامتكم".. وهبي: لا يحق للزوج التعدد إلا في حال عقم الزوجة وتحديد سن الزواج في 18 سنة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    النصيري يرفض الانتقال إلى النصر السعودي على سبيل الاعارة    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    مبعوث الأمم المتحدة: الصراع الجديد في شمال شرق سوريا ينذر بعواقب وخيمة    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    مدونة الأسرة.. علماء المغرب وافقوا على 7 تعديلات منها "اقتسام الأموال المكتسبة" و"الحضانة للمطلقة"    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب                مدونة الأسرة ترفع سن للزواج إلى 17 سنة و"تمنع" تعدد الزوجات            الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    دعوات برلمانية إلى تحديد السن القانوني الرقمي ب16 عاما    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    التامك يحث على مواجهة الإكراهات    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    الفتح يقسو على "الكوديم" بخماسية    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    أخبار الساحة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



براو يُشرّح أعطاب البناء الرقابي في المغرب
نشر في هسبريس يوم 08 - 05 - 2011


محمد براو باحث جامعي وخبير في الرقابة والمحاسبة :
المحكمة الوحيدة في المغرب التي لا تنشر أحكامها هي المجلس الأعلى للحسابات
اعتبر محمد براو، باحث وخبير متخصص في الرقابة والمساءلة، أن هناك عنوانان أساسيان للإصلاح في المغرب وهما: أولا تكريس قيم ومنظومة الرقابة والمساءلة. ثانيا إعادة النظر في بنية السلطة من خلال الإصلاح الدستوري.
وعلى ضوء صدور التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 في أبريل المنصرم والمناقشات التي تلته، عمد براو إلى تشريح أعطاب البناء الرقابي في المغرب، مؤكدا على أن الرقابة والمساءلة عملية نسقية، وبالتالي لا يمكن للمجلس الأعلى للحسابات أن يتحرك بفعالية إذا لم يتحرك النسق الكلي بفعالية.
ومن خلال مقاربته لعمل المجلس، شدد براو على أن على المجلس الأعلى للحسابات لا يضطلع بكل الأدوار الموكولة إليه كدور تقييم السياسات العمومية، كما عليه أن يرتفع من مجرد مؤسسة تقوم عمليا بالتفتيش وجزئيا بالتدقيق، إلى مؤسسة تضطلع بعملية تقييم البرامج والسياسات العمومية. ويجب على المجلس يجب أن يحاسب المخالفين ولا يكتفي فقط بإحالة ما جاء في التقرير على القضاء الجنائي، وهذا نص الحوار نعيد نشره تعميما للفائدة(نشر بالتجديد يوم2 ماي2011):
صدر أخيرا تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة ,2009 كيف تقرؤون توقيت الصدور لا سيما في ظل ما قيل حول التأخر الحاصل في تعميم التقرير ستة أشهر؟
أولا يجب التذكير بأن توقيت النشر يدخل ضمن المعايير المهنية المتعارف عليها عالميا والمنصوص عليها ضمن المعايير العامة المتعلقة بالاستقلال والفعالية وضمن المعايير الفرعية لمنهجية المراقبة والتدقيق ذات الصلة بمبدإ التواصل الكتابي، فيما يتعلق بسير الهيئات العليا للمراقبة والمحاسبة. يعني أن الأمر يشكل معيارا من المعايير الراسخة لضمان استقلالية وفعالية تلك الهيئات من جهة ولضمان مهنيتها من جهة أخرى. ثانيا إن عدم نشر التقرير في الوقت المناسب هو إجراء ضار من وجهين: الوجه الأول معنوي مؤسساتي، إذ أن الجهاز الأعلى للرقابة الذي لا يتحكم في توقيت نشر تقريره فإن سؤالا عريضا يطرح على مدى استقلاليته، مما يؤثر في مصداقية عمله من حيث الانطباع.
الوجه الثاني من حيث الضرر يكمن في أن تأخير توقيت نشر التقرير يؤدي إلى تقادم الملاحظات والتوصيات التي تهم عددا من المرافق العمومية، كما يؤدي إلى تراخي إجراءات التصحيح وتدابير الإصلاح، وإلى تأخر متابعة التوصيات والملاحظات. وبالتالي فمسلسل التأخير يفقد العملية الرقابية كثيرا من جديتها وأهميتها، كما يفقد التقرير وهجه.
فمن يتحكم في توقيت النشر إذن، مع العلم أن المجلس الأعلى للحسابات مؤسسة دستورية؟
نص قانون المحاكم المالية جد واضح. السؤال هو لماذا لا يطبق هذا النص الخاص بتوقيت نشر التقرير؟ هل الأمر يتعلق بإشكال داخل المجلس الأعلى للحسابات، أم أن مصدر التأخير خارجي عن المجلس؟ هنا يجب أن يطرح السؤال. لكن النص واضح وصريح. فالنص يقول بأن على المجلس أن ينشر تقريره قبل نهاية السنة التي تلي سنة إنجاز المراقبة. فعلامة استفهام تطرح على تأخير إصدار التقارير، وأعتقد أن المجلس هو المعني الأول بأن يجيب على هذا السؤال. مشكلة المغرب أن هناك دائما نص القانون وتأويل النص وتطبيق النص. الإشكالية مطروحة في العديد من النصوص القانونية في المغرب وللأسف. وهو مرتبط بإشكالية النفاذ إلى المعلومة.
في قراءة للتقرير يمكن بداية التساؤل عن منهجية إعداد تقرير 2009 كخبير في الرقابة والمحاسبة كيف تقيم منهجية بناء نص التقرير؟
هذا الموضوع يدخل في تخصصي البحثي، وكخبير دولي في تقييم الأجهزة العليا للرقابة أشير بأنه فيما يتعلق بإعداد التقارير السنوية هناك معايير تشترك فيها الأجهزة الرقابية سواء كانت تنتمي إلى المدرسة الأنكلوساكسونية أم إلى المدرسة الفرنكفونية. أهم شيء في التقرير هو أنه يجب أن يخضع لقواعد شكلية وموضوعية ومنهجية. مادام المغرب ينتمي إلى المدرسة اللاتينية التي تجعل من المجلس الأعلى للحسابات يرتدي رداءا قضائيا، فبالإضافة إلى الأسس التي يشترك فيها مع تقارير أجهزة الرقابة الأنكلوساكسونية، فهناك خصوصيات تتعلق بأجهزة الرقابة ذات الطابع القضائي، وذلك يجب أن يمس أيضا التقرير.
التقرير يجب أن يخضع مثله مثل القرار القضائي إلى شروط شكلية. فالتقرير في المدرسة الفرنكفونية لايعد تقريرا إداريا فقط بل يعد قضائيا كذالك بحكم صدوره عن جهاز رقابي قضائي. وبالتالي يجب أن يقول لنا التقرير من أعده؟ ومن صادق عليه؟ قبل أن ندخل في صلب التقرير. وهذا يحيل على بند من مدونة المحاكم المالية، ويتعلق الأمر بغرفة المشورة. هنا يجب أن يتضمن التقرير الإشارة إلى شكليات مصادقة الغرفة على التقرير، وذلك لكي يتخذ التقرير الصبغة القضائية ويتمتع بمزيد من المصداقية والهيبة التي تكتسيها الأحكام القضائية. فباستثناء الأوامر الرئاسية فإن جمبع أعمال المحاكم المالية هي أعمال جماعية بما فيها التقارير الإدارية التي تخضع لقيود شكلية بعضها جوهري، بل ومن النظام العام كتشكيلة الهيئات التي صدرت عنها تلك التقارير، وبطبيعة الحال على رأسها التقرير السنوي وهيئة غرفة المشورة.
مثلا التقرير السنوي يجب أن يشار ضمنه إلى أن هناك هيئة صادقت على مضمون التقرير. فالتقرير تعده لجنة إعداد التقارير، وتصادق عليه غرفة المشورة، ويجب أن يشار إلى تاريخ مناقشته وتاريخ المصادقة عليه، وأسماء أعضاء الهيئة وإمضاءاتهم. هذه المعطيات كان يجب أن يتضمنها تصدير التقرير. هذه بعض الجوانب المتعلقة بالشكل، وهو ماكان سيعطي لمضمون التقرير قوته ويعزز منحاه القضائي. هذا من الناحية الأولى، من جهة ثانية كان على التقرير أن ينقسم إلى محاور أساسية، تبدأ حسب الترتيب الوارد في الدستور بالاختصاصات القضائية وليس مراقبة التسيير التي هي اختصاص إداري فالمحور الأول يجب أن يخصص لتدقيق الحسابات، مع نماذج من الأحكام القضائية المتميزة.
المحور الثاني يتعلق باختصاص التأديب المالي. في تقرير 2009 تمة إشارات عابرة لهذا الموضوع، بالرغم من أن التأديب المالي هو الاختصاص القضائي الصريح و الأساسي للمجلس، التأديب المالي الذي يسائل ويحاسب المخالفين لقواعد الانضباط المالي داخل الأجهزة العمومية. ذلك أنه من المفروض أن تعطى للتأديب المالي مساحة مهمة من التقرير السنوي، من خلال تسجيل مختلف القضايا الرائجة داخل المجلس التي بت فيها والأشخاص والمسئولين الذين صدرت في مواجهتهم أحكام، وحجم المبالغ المالية وبتفصيل. والأهم من ذلك أن يشار في التقرير إلى بعض الأحكام المتميزة فيما يخص التأديب المالي، مع الإشارة إلى أن المجلس يجب أن يحاسب المخالفين ولا يكتفي فقط بإحالة ماجاء في التقرير على القضاء الجنائي، فهناك قضاء داخل المجلس الأعلى للحسابات، وهو القضاء التأديبي المالي، ويجب أن لا يغيب عن البال على أن التأديب المالي أيضا اختصاص زجري هام، تصوروا معي لو أنه تم تغريم المخالفين مع العمل على إرجاع الأموال المطابقة للخسارة التي تتكبدها الأجهزة العمومية. وبالتالي فسنكون أمام عقوبتين. عقوبة أولى متعلقة بالتأديب المالي الناتج عن خرق القانون. ثم العقوبة الثانية أنه في حالة أدت تلك المخالفة إلى هدر المال العام، فإنه يتم الحكم بإرجاع تلك المبالغ.
وهناك نص واضح بهذا الخصوص في مدونة المحاكم المالية، لكن لا في تقرير المجلس الأعلى للحسابات الحالي ولا في التقارير التي سبق نشرها، لا نجد أي حديث عن تمسك المجلس بمطالبة من هدروا المال العام بإرجاع تلك الأموال. وهذه عقوبة زجرية، لو دأب المجلس على تنزيلها في قراراته، قد تغنينا عن إحالة عدد من الملفات على القضاء الجنائي. علما أن ''التأديب المالي هو الضامن الطبيعي للصالح العام في الميدان المالي'' على قول الفقيهين الفرنسيين ''لاكومب'' و''فاندندريش''.
المحور الثالث يتعلق بمراقبة تدبير الأجهزة العمومية، وهو الشق الذي يثير ضجة من خلال نشر أجزاء متصرف فيها من تفاصيل المراقبة. فتقارير مراقبة التدبير يجب أيضا أن تخضع لمجموعة من المعايير. منها ضرورة التركيز على الملاحظات المتعلقة بنوعية التدبير. بدل التركيز على الملاحظات المتعلقة بمدى مطابقة التدبير للقانون. فأغلب الملاحظات المشار إليها في التقارير، هي فقط تخص جانب مدى مطابقة التسيير للقانون، دون التعمق في عملية التدقيق و الافتحاص التي يجب أن يقوم بها جهاز الرقابة العصري، وهو مدى مطابقة التدبير للمعايير العصرية لحسن التدبير، من حسن تنظيم واقتصاد وفعالية ونجاعة التدبير بل ونتائج وآثار التدبير العمومي والبرامج العمومية.
أي تقييم السياسات العمومية؟
تماما، وهو ما يتعلق بفعالية ونجاعة العمل العمومي. ففعالية ونتائج الأجهزة لا يمكن أن يكشفها فقط عمل تدقيقي قانوني يهتم بالمدخلات على حساب المخرجات، وإنما يجب أن يقوم بها عمل التقييم. وهذا هو الغائب الأساسي في عمل المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب، وهو الدور المطلوب منه أن يلعبه حاليا في سياق مغرب ما بعد 9 مارس. فلا يجب أن يكتفي فقط بتدقيق وملاحظة مدى مطابقة التسيير للقانون وأن نحول التقارير السنوية إلى تقارير تفتيشية، وهذا منحى انحداري وانتكاسة. فالتفتيش ليس هو التدقيق وليس هو الافتحاص. المطلوب أن ننتقل من تدقيق مطابقة التدبير للقوانين إلى تدقيق عمل الأجهزة، ومدى مطابقتها لجسن التدبير وهنا يأتي دور التوصيات. وفي مرحلة متقدمة نرتقي إلى النظر في فعالية النتائج أي المخرجات. المجلس الآن يقوم بتدقيق المدخلات خ موارد ووسائل التدبير الداخلية- هذا شيئ مهم، ولكنه غير كاف في منهجية الافتحاص والتدقيق، وإلا فإنه سنتحول إلى تفتيش. و من المؤشرات الدالة على ذلك الخلط الاقتراح الذي أعلن عنه الاقتصادي المغربي المرموق إدريس بنعلي مؤخرا لجريدة اقتصادية ومفاده تزويد المجلس الأعلى للحسابات بأطر المفتشية العامة للمالية؟
المطلوب الانتقال إلى تقييم مدى فعالية النتائج، والتساؤل عن النتائج وتقدير الآثار على التنمية من خلال تقديم الاقتراحات والقيام بعمليات تشخيص للفوارق بين التوقعات والإنجازات، و تدوين اقتراحات من أجل تطوير النتائج والمخرجات. وهذا هو الكفيل بأن يساهم في النهوض بالموارد الاقتصادية والاجتماعية، وبمساهمة المجلس الأعلى للحسابات في مجال الحكامة الشاملة.
نقطة مهمة أخرى، وتتعلق بصحة وصدق الحساب الختامي للدولة، وهذا الأمر لا يقوم به المجلس. لماذا لأن إحالة مشروع قانون تصفية الميزانية على البرلمان تكون متأخرة وتفقد مضمونها، وبالتالي لا يتمكن المجلس من القيام بعمل أساسي ومهم.
وكخلاصة يمكن القول أن المجلس لا يقوم بدور أساسي في ترشيد التوازنات المالية الكبرى في المغرب، وهو ما يتعلق بالمصادقة على صحة وصدق الحساب الختامي للدولة، وبالتالي ليست هناك عملية متابعة في توقيت مناسب لصحة المالية العامة للدولة وللوضع المالي العام في وقتنا الحاضر من قبل المجلس والبرلمان. و هذا الوضع يجب أن يتغير بالموازاة مع تغيير القانون التنظيمي للمالية.
وهذا يتضح ربما حين تكشف المعطيات أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 والذي صدر في أبريل 2011 يتطرق إلى ميزانية ،2007 بمعنى أول ميزانية لحكومة عباس الفاسي والتي تشرف على استكمال ولايتها؟
أي نعم. والحال أنه كان على تقرير المجلس لسنة 2009 والذي كان يجب أن يصدر في توقيت قبل ذلك، أن يساهم في مناقشة مشروع قانون المالي لسنة 2010 أو على أبعد تقدير.2011 فالفارق الزمنى ما زال عمليا يتراوح بين 3 و4 سنوات رغم المجهودات التي تتحدث عنها وزارة المالية، بيد أن المعيار الدولي لا يقل عن 6 أشهر. فكيف سيساهم التقرير حول تنفيذ القانون المالي الذي يعده حاليا المجلس بطريقة حسابية سطحية و الذي صاحب مشروع قانون التصفية المفترض فيه أن يبساهم في تنشيط مناقشة البرلمان للقانون المالي ؟
هناك أمور أخرى تتعلق بالشكل مهمة جدا، وهي أن التقرير لا يتضمن تقريرا تركيبيا لمضمونه، وهذا يعقد من عملية الاطلاع عليه. فالمختصون أيضا يجدون صعوبة بالإلمام ببعض الجوانب من التقرير. فكيف يكون الأمر بالنسبة للمواطن خاصة أن التقرير يتجاوز 500 صفحة. فهذا غير معقول. لذلك فمن اللازم الاختصار في عدد صفحات التقرير أولا. والاهتمام بالكيف وليس بالكم. ثانيا يجب، وهو معايير كتابة التقرير عالميا، أن يتضمن في المقدمة ملخصا تركيبيا أو تنفيذيا. تصفح أي تقرير في التجارب العالمية للتدقيق أو التقييم أو حتى للتفتيش فستجد في مقدمة التقرير ملخص تركيبي، حتى يسهل من مقروؤيته للعموم. مهمة المجلس الأعلى للحسابات لا تكمن في التخاطب مع النخبة، التي تجد صعوبة في فهمه بل وظيفته إشعار الرأي العام بكل ما يتعلق بطرق تدبير المال العام. في إطار التدريب على الحكامة الرشيدة بما فيها مبدأ الإشراك والإدماج.
هل دور الملخص التركيبي في التجارب المقارنة هو إعطاء خلاصات عن طبيعة تدبير المال العام والاختلالات التي يطرحها التنفيذ؟
من خصوصية الملخص التركيبي أن يكتب بلغة سهلة يمكن للمواطن العادي أن يتلمس تفاصيلها. يجب أن تكون اللغة متمايزة عن لغة التقرير ذاته في اتجاه التبسيط.
هل يمكن القول في ضوء المحاور السابقة أن المجلس الأعلى للحسابات في المغرب يقتصر دوره على مجال التفتيش ويماثل دورالمفتشية العامة لوزارة المالية مثلا؟
إذا سار المجلس في مقاربته الحالية فسوف يتحول إلى مجرد مفتشية ممتازة. لماذا؟ لأنه إضافة إلى غياب المساهمة في المساءبة البرلمانية التي تحدثنا عن موجباتها وواقعها ليس هناك أن شيء مهم يذكر عن القضاء المالي والمسائلات الداخلية. فهناك أرقام قليلة واردة حول الأحكام، لكن ليس هناك إشعار للعموم بالحقائق العملية للمسائلات التأديبية المالية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ليس هناك نشر للأحكام القضائية. والقانون ينص على جواز نشرها. وهناك هيئة مختصة في المصادقة على الأحكام التي ستنشر وهي هيئة الغرف المجتمعة داخل المجلس. وبالتالي نتساءل: أين يتجلى عمل هذه الهيئة؟ وماهي الأحكام التي صادقت على نشرها منذ سنة دخول المدونة حيز التنفيذ سنة 2003؟ ولماذا لا تنشر الأحكام؟ وهل هناك جهاز قضائي لا ينشر أحكامه؟ فتقريرنا السنوي يعطي الانطباع أنه صادر عن جهاز تفتيش وليس عن محكمة ؟ وهو ما يغذي الخلط الذي يقع فيه الجميع من صحافة ونخب و مواطنين.
و بالمناسبة أقول أن مبلغ علمي أن المحكمة الوحيدة في المغرب التي لا تنشر أحكامها هي المجلس الأعلى للحسابات. هذا في الوقت الذي ينتظر الجميع جواب المجلس عن سؤال المساءلة والمحاسبة. والحال أن المجلس الأعلى للحسابات له من الناحية القانونية حق المساءلة التأديبية المالية، ومقتضيات قانونية تسمح بنشر أحكامه، وله هيئة تصادق على نشرها، لكن الواقع والتقرير السنوي لا يتضمن ذلك. و بالمناسبة أنا أدرس مادة القضاء المالي للطلبة حتى الآن بدون اجتهاد قضائي مالي صادر عن المحاكم المالية، هل هذا معقول؟
يسجل أيضا من خلال قراءة التقرير طبيعة التوصيات التي يصدرها المجلس. ففي الوقت الذي يسجل فيه قارئ التقرير فضاعة بعض الاختلالات نجد أن التوصيات تأخذ في الغالب منحى توصي بحسن التدبير أو إعادة النظر في بعض التدابير. هل تسجل كخبير هذا التفاوت بين التشخيص والتوصيات؟
أعود وأؤكد أن المشكل في الصياغة الفنية للملاحظات وفي طريفة اختيارها التي بجب أن تتغير. و دعني أوصي المجلس بما يلي:
إذا كانت الملاحظات التي ترد في تقارير أجهزة الرقابة العليا تستند على معايير، فإن المعايير تنطبق أيضا على جانب التوصيات. مثلا فالملاحظات يجب أن تكون نافعة وفعالة وموثقة وأن تحرر بطريقة موضوعية وواضحة ومعتدلة، وأن يتم التمييز في الملاحظات وهذا هم المهم بين الملاحظات ذات العلاقة بالمطابقة مع القوانين والتي يجب إزاحة أغلبها عن التقرير وتلك الملاحظات المتعلقة بنوعية التدبير أي بالافتحاص التي ينبغي التركيز عليها. أما التوصيات، وهذا هو المهم، فيجب أن تكون واضحة بناءة وواقعية. بمعنى أن التقرير لا يجب أن يتضمن توصيات مستحيلة التطبيق. ثانيا ينبغي أن تكون التوصيات متجهة نحو المستقبل وأن لا تبقى أسيرة الماضي. و من الأمور التي تدخل في نطاق ''الهواية'' في التقرير وتجيب على سؤالك أن توصي بتطبيق القانون الفلاني والفصل الفلاني إلخ. فهذه مكانها المساءلة وليس التوصية. ثالثا أن يتم تحرير تلك التوصيات المتعلقة بحسن التدبير تبعا للأهمية وليس تبعا لنوع الملاحظات.بمعنى أن التوصيات يجب أن ترتب ترتيبا تسلسليا، من الأهم إلى المهم إلى الأقل أهمية. وأخيرا يجب أن يشار إلى مدى متابعة تنفيذ توصيات التقارير السابقة، مع توضيح كيف تم تحريك المسؤوليات داخل المجلس وخارجه. وبالنسبة لتحريك المسؤوليات خارج المجلس الأعلى للحسابات، فإن المادة 111 تعطي للمجلس الحق الضمني في أن يطلب من وزير العدل تقديم جواب عن تحركاته اتجاه الملفات المحالة عليه. و عموما حال التقرير لا يعكس حجم وواقع المخالفات المكتشفة بالنظر إلى منهجية صياغته.
في قراءة تقرير المجلس ل 2009 يتضح أن أغلب المؤسسات التي شهدت عمليات المراقبة قد تغير مدرائها بين زمن التدقيق وزمن نشر التقرير، ألا يؤثر هذا على مصداقية وقوة التوصيات؟
الأمر مرتبط بوجود فاصل زمني بين عمليات التدقيق وزمن نشر التقارير. قد يحصل تغيير لمدراء المؤسسات زمن التدقيق، بالإضافة إلى أن النطاق الزمني للتدقيق يتضمن كمبدأ عام هي خمس سنوات سابقة على زمن نزول بعثة التدقيق. لكن التأخر الحاصل في نشر التقرير يضاعف المشكل. من جهة أخرى أرى ضرورة نشر التقارير الخاصة، بمعنى التقارير التي أنجزت في الوقت نفسه والتي تهم جهاز عمومي ما. وهذا يحيلنا على نقطة مهمة وترتبط أيضا بمعايير النشر. ذلك أن التقرير لا يجب أن يستكمل كل حلقاته بمجرد نشره. وهنا أتساءل: لماذا لا يتم نشر التقارير الخاصة في حينها؟ مع العلم أن التجارب الرقابية الدولية تعتمد على نشر التقارير الخاصة بعد شهرين أو ثلاث أشهر بعد استكمال مهمة التدقيق في جهاز عمومي ما. وهذا من شأنه لو كان يتم في التجربة المغربية أن يؤدي إلى تضييق الفارق الزمني المتعلق بوقت عمل مدراء المؤسسات وزمن نشر التقرير.
هل الخلل المرتبط بالرقابة والمساءلة في المغرب مرتبط بطبيعة النص المؤسس وصلاحيات المجلس الأعلى للحسابات، أم الأمر يتعلق ببيئة اشتغال أجهزة الرقابة والمساءلة؟
الأمر يحيلنا إلى منظومة الرقابة والمساءلة في المغرب. فعلة وجود المجلس وهو ذو طابع قضائي هي الرقابة والمساءلة. ولكن الرقابة والمساءلة منظومة وليست اختصاص مرتبط بمؤسسة معينة. أكيد أن المجلس يشكل قطب الرحى فيما يتعلق بالمال العام، وهناك عدة أمور تعرقل عمله داخليا وخارجيا، ولكن الرقابة والمساءلة عملية نسقية. ولا يشكل المجلس سوى نسق فرعي، وبالتالي لا يمكن للمجلس أن يتحرك بفعالية إذا لم يتحرك النسق الكلي بفعالية.
في المعايير الدولية، منظومة الرقابة والمساءلة على المال العام داخل الدولة تتجسد على شكل مثلث: تتشكل من البرلمان كمؤسسة أساسية في الرقابة والمحاسبة، والبرلمان يشترك مع المجلس الأعلى للحسابات في ذلك الاختصاص. لكن عملية الرقابة و المحاسبة التي ينبغي أن يضطلع بها البرلمان أهم. لكون عمله ذا طابع سياسي، كما أن وظيفة البرلمان التشريعية (إضافة إلى وظيفته الرقابية) تمنحه إمكانات التدخل في أنظمة الرقابة والمحاسبة بشكل يحسن من فعاليتها. ثم هناك المجلس الأعلى للحسابات على يسار المثلث، وعلى يمينه تتواجد الحكومة. أما قلب المثلث فيحتله الرأي العام من خلال الإعلام والمجتمع المدني. وبالتالي فالحكومة ضمن هذا النسق تعمل والبرلمان يراقبها مستعينا بتقارير ومساءلات المجلس الأعلى للحسابات. و أخبرا هناك مؤسسات المساعدة للحكامة الديموقراطية، وهي مؤسسة حقوق الإنسان والوسيط ومقاومة الرشوة وهيئات الضبط والاستشارة كمجالس الاقتصاد والمنافسة والاتصال.
وأين يكمن دور الرأي العام؟
الرأي العام يتابع ويؤثر في الجميع وقوته من قوة المجتمع المدني الحي والحيوي. ألا ترى معي بأنه يؤثر في الحركية الحالية بالمغرب، وفي المبادرات والإشارات الصادرة مؤخرا، فمنظومة الرقابة والمساءلة تحقق نتائجها انطلاقا من مبدأ تكامل الأدوار. فالحكومة لا يمكنها أن تراقب وتحاسب إذا لم يشتغل البرلمان بفعالية. والبرلمان لا يمكن أن يشتغل إذا لم يساعده المجلس الأعلى للحسابات من خلال تقاريره ومسائلاته. كما لا يمكن لتقارير المجلس أن تكون فعالة إذا لم تكن مراقبة فعالة من قبل البرلمان والقضاء ومتابعة وتغطية ومناقشة من جمعيات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تعمل في مجال حماية المال العام ومحاربة الفساد والرشوة. دون إغفال رقابة وسائل الإعلام.
من جانب آخر، أشير إلى أن المجلس الأعلى للحسابات لا يضطلع بكل الأدوار الموكولة إليه. ومن بين الاختصاصات التي لا يقوم بها أشير إلى مسألة التقييم) ولا أقصد التدقيق الخاص بعدد من المشاريع كمشروع الكهربة القروية الذي أنجزه المجلس وسماه تجاوزا تقييما بل يجب أن يرتفع من تدقيق المشاريع إلى تقييم المشاريع والبرامج و السياسات العمومية.
كل السياسات العمومية؟
نعم كل السياسات العمومية بالتنسيق والتعاون مع البرلمان. مثلا في مجال التشغيل المطلوب من المجلس أن يقيم برامج عمومية تهم التشغيل، التي قامت بها الوزارة المختصة وباقي القطاعات المتدخلة في ملف التشغيل. ومن تم يخلص إلى اقتراحات وتوصيات ستساعد الدولة والمجتمع على رسم سياسات مستقبلية لإصلاح أعطاب ملف التشغيل والبطالة. على المجلس أن يرتفع من مجرد مؤسسة تقوم عمليا بتفتيش وجزئيا بتدقيق، إلى مؤسسة تضطلع بعملية تقييم البرامج والسياسات العمومية فضلا عن تدعيم المساءلة البرلمانية في هذا الاتجاه.
في هذا السياق، وفيما يتعلق بدور البرلمان، أسجل بارتياح تضمن عدد من مذكرات الأحزاب السياسية الخاصة بالإصلاحات الدستورية توصيات تخص تفعيل الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية. وذلك من خلال إحداث لجنة دائمة للرقابة والتقييم. وهنا أقول بأن اللجنة البرلمانية حتى وإن تشكلت فلن تتمكن في وقت قصير من القيام بأدوارها كاملة، إذا لم يتم تزويدها بخبراء وتستفيد من تراكمات المجلس الأعلى للحسابات، الذي يجب أن يؤهل لذلك. المطلوب أن يتم التنسيق بين عمل المجلس الأعلى للحسابات والبرلمان، فالنظام الحالي الذي يجعل من المجلس غير تابع عضويا للبرلمان جيد، لكن من الضرورة والحاجة الملحة توثيق العلاقات الوظيفية بين الهيئتين. إذ يمكن للبرلمان أن يستشير المجلس في الأمور المتعلقة بالرقابة المالية، كما يمكنه استدعاء رئيس المجلس أو خبراء منه، لتنوير نواب الأمة في بعض القضايا. وأذكر بأن القانون لا يمنع هذا التعاون. بل إن من المعايير الدولية للرقابة على المال العام التي أقرتها مثلا المنظمة الدولية للرقابة والمحاسبة، التشديد على وجوب توثيق الصلة بين الجهاز الأعلى للرقابة والمؤسسة التشريعية. المجلس الأعلى للحسابات لا يمكنه أن يتحول إلى ''دونكشوت'' يحارب طواحين الهواء في غفلة عن تفاعل منظومة الرقابة ككل. كما لا يمكن إغفال دور العامل الثقافي وأخلاقيات النزاهة والشفافية والمساءلة التي يجب أن تسود داخل مؤسسات الدولة. و على رأسها مؤسستا الرقابة والمحاسبة أعني البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات اللذين عليهما أن يعطيا القدوة والمثال، وذلك من باب أولى وأحرى.
أثير كلام كثير حول العلاقة المفترض أن تجمع بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للحسابات. كيف ترى ذلك السجال، وماهي طبيعة العلاقة التي ينبغي ترسيمها؟
من موقعي كخبير في الرقابة والمحاسبة ومتتبع لتقارير المجلس الأعلى للحسابات، أشير أن تلك السجالات التي تعقب صدور التقرير السنوي ترجع إلى غياب فرصة دائمة بنيوية سنوية أمام البرلمان لتنشيط عمله ومناقشاته ومراقبة الحكومة حول تنفيذ الميزانية وعلى المصادقة على قانون التصفية. في ظل غياب أواصر التعاون والتفاعل المؤسساتي بين المجلس والبرلملن. ومن تم يتم التعويض عن تلك الفرصة البنيوية لمناقشة القانون المالي وقانون التصفية وعبر تنويرات تقارير المجلس الدورية إلى البرلمان، باقتناص فرصة نشر التقرير السنوي من أجل إثارة ضجة في مواجهة الحكومة، لا تخلو في جزء منها من توظيف ديماغوجي.
وماذا عن العلاقة الملتبسة بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للحسابات؟
هناك مسؤولية مشتركة. و لكن قيل الجواب أود تصحيح خطأ شائع وورد في تقرير سابق للمجلس وهي أن العلاقة المقصودة مع وزير العدل بصفته رئيس النيابة العامة، وليس مع وزارة العدل الخاضعة حساباتها وتدبيرها لرقابة المجلس الأعلى للحسابات بما فيها الإدارة القضائية للمحاكم. و المطلوب حاليا إراحة وزير العدل والحكومة من صداع الرأس هذا من خلال تخويل قانون المحاكم المالية في اتجاه إحالة القضايا الجنائية مباشرة من نيابات المحاكم المالية إلى نيابات المحاكم العدلية، عودة إلى السؤال لا يجب التعامل مع التقرير السنوي للمجلس كلعبة كرة النار يتقاذفها اللاعبون دون أن يتحمل أحدهم المسؤولية.
بالمناسبة فالتقرير السنوي ماكان أن يتضمن في نظري ( ودعني لا أمل من التذكير بذلك) المخالفات المتعلقة بالتأديب المالي والجرائم الموصوفة. لماذا؟ لأن المخالفات المتعلقة بالتأديب المالي كان يجب أن تحال على الجهاز القضائي المختص داخل المجلس الأعلى للحسابات، وهو قضاء التأديب المالي، بدل تضمينها في التقرير. كما ينبغي أن تزاح من التقرير الخاص والتقرير السنوي الجرائم الموصوفة وتحال على القضاء العدلي. ومن تم يكتفي التقرير السنوي بإيراد الملاحظات والتوصيات المتعلقة بحسن التدبير وتقييم السياسات العمومية، باعتباره تقرير تدقيق و افتحاص وليس تفتيشا أو تحقيقا بوليسيا همه افتراض وجود مخالفات والذهاب من أجل الكشف عنها ثم إفراغ اليد منها بإحالتها على الجهات المختصة من أجل المتابعة.
على المجلس أن يلعب دورا استشرافيا، من خلال التقييم وتزويد الفاعلين بالاقتراحات والتوصيات من أجل إعادة النظر في بعض السياسات الكلية واستنبات آليات المراقبة الداخلية داخل الأجهزة العمومية ''كفى بنفسك عليك رقيبا''. مع الاقتصار في التقرير سواء الخاص أو السنوي فيما يخص الحروقات بذكر عدد الملفات المحالة على التأديب المالي وتلك المحالة على القضاء العدلي، بدل الاتجاه الحالي الذي يثير من خلاله التقرير لحظة صدوره سخط الرأي العام للحظة، لكن دون التقدم الفعلي في معالجة عديد من الاختلالات.
وربما تحميل الآخرين مسؤولية مضامين التقرير؟
إن إثارة مخالفة المسؤولين والإشارة إليهم بأصابع الاتهام غير جائز قانونا لأنه يؤدي إلى المساس بمبدأ المحاكمة العادلة في حالة ما تمت متابعتهم قضائيا بناء على ما جاء في التقرير. ونقرأ في الاجتهاد القضائي المالي المقارن الذي أقره مجلس الدولة الفرنسي سنة ,2001 أنه لا يمكن محاكمة مسؤول مرتين أولا من خلال الإشارة إليه في التقرير ثم من خلال محاكمته لاحقا. والحال أن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات يشير بطريقة التلميح أوضح من التصريح بأصابع الاتهام إلى بعض المسؤولين، الذين تنشر صورهم الصحف وبالتالي فهي نوع من المحاكمة، وفي تلك الحالة فلا يجوز محاكمتهم ثانية، سواء من قبل محكمة التأديب المالي داخل المحاكم المالية أو من خلال إحالة ملفاتهم إلى القضاء العدلي.وبالتالي المطلوب التعامل مع التقرير بمهنية واحترافية ونوع من الذكاء.
هل تعني أن ذلك النقاش الذي دار عن علاقة وزارة العدل بتقارير المجلس جدل عقيم؟
كلا، هو جدل صحي. ولكنه ينبئ عن وجود خلط وتخليط بسبب أولا اختلال طريقة صياغة التقرير السنوي. وثانيا عدم شفافية المجلس وثالثا وبالنتيجة غياب الدقة في فهم اختصاصاته وطبيعة علاقاته بمحيطه المؤسساتي.
تتحدثون عن منظومة الحكامة الديمقراطية الرشيدة. ماهي أبرز عناوين هاته المنظومة التي ينبغي تأسيسها في سياق الإصلاح الدستوري؟
أولا اسمحوا لي أن أعبر عن ابتهاجي بأن بعض الأفكار التي أدليت بها أثناء مداخلتي بالمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية في غضون شهر مارس 2001 والمتعلقة بالجواب المغربي على التطورات العربية و الداخلبة، وأعادت نشره جريدتكم وبعض المواقع الإلكترونية قد تضمنها الحطاب الملكي التاريخي ل 9 مارس ولا سيما الإجراءات المصاحبة الهامة التي تلت الخطاب والمتمثلة في تفعيل وتدعيم وتنمية قدرات مؤسسات الحكامة الديموقراطية الرشيدة. والتي همت حتى الآن الوسيط وهيئة مقاومة الرشوة ومجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. و يبدو لي أنه حان وقت ضخ دماء جديدة في هذه المؤسسات و أمثالها.
هناك عنوانان أساسيان للإصلاح في المغرب. أولا تكريس قيم ومنظومة الرقابة والمساءلة. ثانيا إعادة النظر في بنية السلطة من خلال الإصلاح الدستوري. وقد تمت الإشارة إلى العنوانين ضمن التوجهات الأساسية في الخطاب الملكي ل 9 مارس. المطلوب أن يشار إلى الرقابة والمساءلة كمبدأ من المبادئ التأسيسية للمجتمع والدولة، وأن يتم دسترة هذا المبدأ في ديباجة الدستور المقبل. وأقترح أن يتضمن الدستور المقبل فقرتين: الأولى هي التأكيد على أن للمجتمع الحق في أن يطلب من كل من يتسلم سلطة أومهمة عمومية أن يقدم الحساب. بحيث يرتبط أي تعيين لمسؤول أو أي إحداث لمؤسسة عمومية بمعادلة بسيطة: السلطة=المسؤولية، والنقطة الثانية الإشارة إلى أن المال العام مقدس ولا تنتهك حرمته. مع إقرار ضمانة دستورية لحق المواطن في حماية المال العام فديباجة الدستور الكويتي الخالي تتضمن هذا المقتضى. كذلك ينبغي دسترة مبدأ استقلالية المجلس الأعلى للرقابة مع توفير ضمانات دستورية وآليات عملية لضمان ذلك. مع تحديد توقيت نشر التقرير السنوي، ونشر أحكام المجلس القضائية، ومتابعة طرق تنفيذ تلك الأحكام. وإعادة تدقيق طريقة تعيين وإعفاء ومدة انتداب رئيس المجلس في اتجاه تكريس استقلاليته. مع تدعيم شفافية عمل المجلس، حتى يعطي القدوة في تعزيز آليات المساءلة والرقابة في المجتمع. والعمل على استنبات آليات الرقابة والمحاسبة في كل المؤسسات، وضمان حق الولوج إلى المعلومة. و أخيرا أن تقترن دسترة هذه المبادئ بدسترة مبدأين لا معنى للرقابة والمحاسبة بدونهما، وهما الشفافية في الولوج إلى المعلومة وحكم القانون أي المساواة أمام القاعدة القانونية.كما ينبغي أن يخضع المجلس الأعلى للحسابات أيضا للرقابة حتى يطمئن الجميع إلى نتائجه. وهنا يطرح سؤال: من يراقب المراقب؟ لقد أثير في السنوات الأخيرة سؤال مشروع حول المعايير المعتمدة في اختيار الجماعات المحلية التي تتجه إليها لجان المجلس. شفافية المجلس من حيث عمله ومعايير اشتغاله أساسية أيضا كي يبتعد عن شبهة الانحياز لبعض الجهات.
فيما يتعلق بالمحيط المؤسساتي للرقابة والمحاسبة، فيجب دسترة إحداث لجنة للرقابة وتقييم السياسات العمومية في البرلمان، مع التنصيص على منح رئاسة اللجنة للمعارضة. كما يجب أن يخضع البرلمان أيضا للرقابة والمحاسبة وتصحيح عدد من الاختلالات التي تعاني منها الإدارة البرلمانية. فيما يتعلق بالحكومة يجب تضمين الدستور بأن تعمد الحكومة إلى مساعدة البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات في كل ما يتعلق بالرقابة. مثلا على الحكومة إحالة الملفات المتعلقة بتنفيذ القانون المالي في الوقت المناسب إلى المجلس. غياب هذه المساعدة يؤدي إلى تأخير المعلومات الخاصة بقانون النصفية. مع التنصيص على تعاون القضاء والمجلس الأعلى للحسابات بشكل متبادل. فالقضاء مثلا يجب أن يحيل الملفات التي تتعلق بالتأديب المالي المتراكمة في المحاكم على المجلس الأعلى. فغياب قرائن الدعوى الجنائية يجب أن لا يمنع من تحويل الملفات إلى قضاء التأديب المالي داخل المجلس للنظر في المخالفات المالية. مع تدعيم العلاقة بين المجلس وهيئة مقاومة الرشوة. وكذلك أقترح أن تمنح لهيئات حماية المال العام ومحاربة الرشوة إمكانيات الإحالة الرسمية للقضايا التي تتضمن المخالفات المالية. مع العمل على تفعيل مؤسسات المساعدة الحكامة الديمقراطية كمؤسسة الوسيط والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة والهدف بناء منظومة للرقابة والمساءلة تتمتع بالفعالية والمصداقية.
وأنا شخصيا من المؤمنين بأن شيئا أساسيا ووضعا أساسيا استجدا بعد خطاب 9 مارس التاريخي ولذلك تجدني متمسكا بالحق والواجب قي الانخراط والتفاعل النقدي البناء وهو ما أدعو إليه جميع الشباب المتردد والقوى الحية من أجل اقتناص '' هذه اللحظة التاريخية'' !
*صحفي بجريدة التجديد
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.