قبل ثلاث سنوات؛ وتحديدا يوم 30 يونيو عام 2013؛ شهدت مصر لحظة فارقة في تاريخها الحديث؛ عندما تجمع نحو 40 مليون مصري في ميادين عديدة من أسوان الى الاسكندرية مطالبين بالاصلاح والاستقرار؛ وحماية مقدرات الوطن التي تعرضت لمخاطر كبيرة في ظل حكم جماعة الاخوان. عكس تجمع تلك الملايين ارادة شعبية حقيقية تتطلع الى تصحيح المسار الذي خاضته مصر بعد ثورة 25 يناير؛ وصولا الى إعادة وجه مصر الحضاري ووسطيتها التاريخية؛ وحماية أمنها وسلامتها ومصالحها الحيوية في مواجهة تحديات فرضها عدم الاستقرار السياسي والامني الذي عانت منه البلاد لسنوات؛ بدعم وتخطيط قوى خارجية وداخلية. أثبتت تلك الثورة أن الشعوب قادرة على تغيير معادلات القوة وسيناريوهاتها المعقدة؛ لصالح خيارتها الوطنية؛ مهما كانت العوائق والتحديات والتضحيات أيضا؛ والدليل أن مصر بعد ثلاث سنوات على الثورة؛ نجحت في تجاوز محنتها؛ والانتقال الى حقبة جديدة من الاستقرار والتنمية؛ عززت ثقة المواطن في قدرة وطنه على صياغة مشروعه الوطني بالاستناد على قدراته الذاتية؛ كبلد صاحب تاريخ وحضارة ويمتلك مقدرات راسخة وتعددية سياسية ومؤسسات دستورية وقضائية عريقة وصناعة اعلامية متطورة واقتصاد متنوع. مؤشرات هذه القراءة الاولية تتضح على أكثر من مستوى سياسيا وأمنيا وإقتصاديا؛ فعلى المستوى السياسي، تمكنت مصر من تنفيذ إنتقال ديمقراطي هادئ؛ من خلال خارطة المستقبل التي توافقت عليها القوى السياسية والمجتمعية، بعد ثورة 30 يونيو؛ وتم في إطارها إصدار دستور جديد؛ وانتخاب رئيس للجمهورية؛ ثم انتخاب برلمان جديد به تمثيلا غير مسبوق للمرأة والشباب والاخوة المسيحيين. وعلى مستوى السياسة الخارجية، نجحت في إستعادة دورها على مختلف دوائر السياسة الدولية؛ دعما للاستقرار والسلام؛ ولخطط التنمية الطموحة فيها؛ من خلال 31 زيارة خارجية قام بها الرئيس، بجانب مشاركته في 6 لقاءات دولية، شملت ثلاثة قمم أفريقية، والدورة 67 للجمعية العامة للامم المتحدة، ومنتدى دافوس الاقتصادي بالاردن، وقمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية بالرياض، وقمة الهند وافريقيا، وتوجت تلك الجهود بعودة مصر لعضوية الاتحاد الافريقي؛ وانتخابها عضوا غير دائم في مجلس الامن؛ بأغلبية اعضاء الجمعية العامة للامم المتحدة؛ وتطور علاقاتها مع معظم دول العالم. وعلى المستوى الامني، شهدت البلاد إستقرارا متزايدا؛ وعادت معدلات الجريمة الجنائية الى معدلاتها الطبيعية؛ وإستقرت أوضاع الشارع المصري؛ وتعزز الشعور بالامان والثقة لدى المواطنيين والزائرين، وإنتصرت البلاد في معركتها الصعبة ضد قوى الارهاب التي استغلت اجواء الانفلات الامني بعد ثورة 25 يناير؛ في تدعيم مواردها ونقاط تمركزها؛ ولم يبق الا جيوب إرهابية صغيرة تتحصن بالمدنيين؛ يتم التعامل معها بحرص في حدود القانون وحماية حياة المدنيين. وفي الجانب الاقتصادي؛ تضاعفت معدلات النمو الاقتصادي من 2% خلال السنوات الاربعة السابقة؛ الى 4.5% عام 2015؛ وإنخفضت معدلات البطالة من 13.4% الى نحو 12%؛ وتحسن ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمي الذي يصدره "المنتدى الاقتصادي العالمي"، للمرة الاولى منذ خمس سنوات؛ وهو إعتراف دولي بتحسن مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية بالبلاد. وتعمل مصر في هذا الجانب على تنفيذ إستراتيجية إقتصادية شاملة لتجاوز الازمة الاقتصادية المتفاقمة التي نشأت بسبب حالة الفوضى التي شهدتها البلاد بعد ثورة 25 يناير؛ بما يمكن الوطن من الاستغلال الأمثل لمقوماته، وتحقيق نقلة نوعية في مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية خلال الخمس عشرة عاما القادمة، من خلال إقامة نظام اقتصادي تنافسي ومتوازن يعتمد على الابتكار والمعرفة. وتهدف تلك الاستراتيجية الى رفع معدلات النمو الاقتصادي تدريجيا؛ من 4.5% حاليا؛ الى نحو 10%، خلال السنوات الخمسة القادمة؛ وخفض نسبة الفقراء تحت خط الفقر الى صفر في المائة، ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي من 60% إلى 75%؛ وتنفيذ 200 مشروع قومي، من بينها المشاريع القومية التي بدأ العمل فيها بالفعل كمشروع تنمية محور قناة السويس، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، واستصلاح 1.5 مليون فدان، وتنمية الساحل الشمالي الغربي، وبناء مليون وحدة سكنية. وفي الجانب الاجتماعي الذي لم يغب عن إهتمامات الحكومة في خطة الاصلاح الاقتصادي الصعبة؛ قامت الحكومة بتنفيذ منظومة شاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال محاور عديدة منها: إطلاق مشروع الاسكان الاجتماعي الذي يتضمن بناء نصف مليون وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود؛ واصلاح منظومة توزيع الخبر والسلع التموينية الاساسية؛ وتنفيذ برنامج يعد تجربة عالمية لمساعدة الفئات الاقل دخلاً وهو برنامج "تكافل وكرامة" لتحقيق الضمان الاجتماعي للفقراء ومن لا دخل لهم. وفي الوقت نفسه حرصت الحكومة على تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية بإستثمارات هائلة؛ من مؤشراتها نجاح الحكومة في إنهاء أزمة انقطاع الكهرباء التي عانت منها البلاد لسنوات؛ وأصبح هناك فائض في إنتاج الكهرباء يقدر بنحو 2900 ميجاوات لاول مرة؛ وذلك بإستثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار؛ ويجري الان بناء محطة الطاقة النووية في الضبعة، التي ستدخل مصر عصر الطاقة النووية؛ الى جانب تنمية حقول "شروق" التي تمثل أكبر كشف للغاز الطبيعي لضمان أمن الطاقة للأجيال القادمة. وفي هذا الجانب أيضا تنفذ الحكومة مشروعا طموحا لتطوير الشبكة الوطنية للطرق؛ أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ وساهم في اضافة 3 الاف كم من الطرق الى الشبكة الوطنية للطرق؛ ويجري تطوير شامل للطرق القائمة وتنفيذ خطة لتطوير السكك الحديدية، بإستثمارات تقدر بنحو 300 مليون دولار؛ بجانب مشروعات كبيرة لتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمة والثقافية...الخ *رئيس المكتب الاعلامي المصري بالرباط