"" انتظرنا من حكومة انبثقت أصلا من صناديق شبه فارغة من كل شيء، إلا أن هذا ما حدث. فما يدور ويجري بهذا البلد السعيد، ظاهريا أو وراء الكواليس، ينم عن شيء واحد هو الاستهتار بالشعب، أو الأفدح: احتقاره. إن الطريقة التي تم بها استوزار العديد من الأسماء، أو الطريقة التي اعتُمدت في إقحامهم ضمن أحزاب، لم يسبق لهم حتى اللقاء برؤسائها، فبالأحرى مناضليها، لا يُمكن أن نعتبره إلا نوعا من الاحتلال للفضاء الحزبي من طرف المخزن، غير أن هذا الصمت الرهيب الذي قابل به مؤثثو الفضاء المذكور، ونعني بهم جحافل مناضلي تلك الأحزاب، في مختلف أجهزتها، المركزية والجهوية والموازية، يستدعي طرح أكثر من علامة استفهام، فهل يُمكن أن نقول بأن هذا الصمت يعتبر علامة على الرضا، وبالتالي إشارة إلى أن المخزن أصبح بإمكانه أن يبتلع كل شيء، دون أن يخشى مغصا أو عسرا في الهضم؟ هكذا عشنا حتى رأينا أن الحصول على منصب وزير أو وزيرة، ليس بالأمر الصعب، كما كان الأمر راسخا في أذهان بسطاء الشعب، ولن نجازف إذا ما قلنا إن طرق الوصول إلى المنصب الحكومي " الرفيع "، لم تعد سوى مسألة قطع بضع خطوات، هي بالتحديد تلك التي تفصل بين مكتب " معالي " الوزير والشارع العمومي، ومن الغريب حقا أن يقع كل هذا الاستسهال في عمليات " الاستوزار " في وقت نعيش فيه أزمة التشغيل التي طالت كوادر عليا لا تقل عن حاملي الدكتوراه في شتى الاختصاصات، هذا بينما تسقط المناصب العليا للدولة، ومن بينها الوزارات، بين يدي سياسيين من الدرجات المتدنية، فهل انتظرنا عشرات السنين لنطبق نهجا في الاستوزار، كان قد صَرَّح به الحسن الثاني لصحافي فرنسي: " لن أجد أبدا مشكلة مع منصب الوزير الأول إذ يمكنني أن أعين سائقي الخاص في هذا المنصب". يبدو أنه أصبح كافيا الآن، أن تجعل ساقيك تسابقان الريح، وتقطع أربعمائة متر "حواجز" في إحدى التظاهرات الرياضية الدولية وتؤخذ لك صور رفقة الملك لتصبح وزيرا. كما أنه يكفيك الصعود فوق خشبة المسرح وتزغرد، أو تظهر في إحدى الوصلات الاشهارية التحسيسية، وتصرخ "واعتقوا الروح" حتى " تُعتَق" بمنصب وزاري، يكفيك ذلك لتتسلم واحدة من الوزارات، التي ولا بأس قبل ذلك، من أن " تحج " إلى " الكعبة الرحمانية " خلال إحدى المناسبات الانتخابية، تُعدّ في بعض الدول الديمقراطية واحدة من أهم وأخطر الوزارات على الإطلاق "لأن مكانة الشعوب تقاس بثقافتها"، كما قال نَعوم تشومسكي الباحث الأمريكي، وليس بصراخها كما يقول المخزن عندنا. كما يكفيك أن تكون صديقا للملك أو للأمير أو أي مستشار ملكي، وتحضر المآدب والحفلات وتتبادل معهم التهنئات خلال المناسبات الخاصة والأعياد كي تصبح وزيرا في أي قطاع تريد. ولا تخش من أن تفشل "خطتك" لقطع الأربعمائة متر نحو المنصب الوزاري، بل كن من المتأكدين بأنه لا يصح في المغرب إلا ما يريده "مخزن بلادنا"، وما يريده هذا الأخير يتعارض جملة وتفصيلا مع ما يريده أغلب المغاربة. قال المغاربة يوم سابع شتنبر 2007، لا للانتخابات، واحتل حزبهم الرافض المرتبة الأولى، ولو كنا نحترم اختيارات الشعب لكانت الحكاية جدية كل الجد، وليست عبثية على النحو الذي عايناه ونعاينه. أليس من العبث، بربكم، أن يتولى أمورنا ( ولو ظاهريا ) أناس لم يخترهم الناخبون، فضلا عن عدم توفرهم على ألوان سياسية - أي بدون انتماء سياسي – بل قد نجد من بينهم مَن لم يذهب حتى إلى صناديق الاقتراع - وهذا حق شخصي من صميم المواطنة بطبيعة الحال – يجب بالمقابل أن يتم احترام عقولنا بعدم محاولة إقناعنا أننا أمام حكومة سياسية لمجرد أنه على رأسها وزير أول، لا حول ولا قوة له، هو أمين عام أحد الأحزاب. الأفدح من ذلك أنه يوجد من ضمن المستوزرين، مَن اُلبس "طاقية إخفاء" حزبية لتنظيم سياسي كان إلى حدود الأمس القريب، يبغضه من موقع التنابز والتنافس على الطريقة المغربية أو منافسا له، وهذه واحدة من أغرب طرائف هذا البلد النادرة على المستوى العالمي. وبما أننا في مجال وبلد الطرائف، التي يصدق عليها المثل الشائع "وشر البلية ما يُضحك"، فإن أطرف ما حدث في خضم عملية الاستوزار أن الوزيرتين، ثريا جبران ونوال المتوكل، علمتا بالخبر السعيد، أي الظفر بمنصب "معالي الوزير" قبل أن تعرفا اليافطة الحزبية التي اُلبست لهما. فهل هناك عبث في الدنيا يتفوق على هذا؟ إن كل هذا العبث الذي سبق ورافق وتلا تشكيل ثاني حكومة في عهد الملك محمد السادس، يحيلنا على سؤال سبق وأن طرحناه أكثر من مرة: ما الجدوى من الانتخابات إذا كان القصر هو الذي يختار الوزراء، وهو الذي يفرض البرنامج الحكومي و... و...؟ ثم إن هذا هو الأهم، ما الجدوى من وجود الأحزاب إذا كان المخزن هو الذي يفرض استوزار أشخاص بعينهم، ويلبس كل واحد منهم جبة حزبية بالمقاس الذي يريده؟ ألا يعد هذا العبث قمة الاستهتار والاستخفاف بعقول أزيد من ثلاثين مليون نسمة؟ وذروة إهدار المال العام وتضييع زمن آخر ثمين، على هذا البلد في ان يصلح حاله بالعمل الجيد؟ مجرد سؤال. ينبغي أن نسجل أننا أمام فصل مسرحي آخر قوامه مشهد واحد ووحيد، يتمثل في حكومة جديدة، تسلمت سلطتها من حكومة انتهت ولايتها، على إيقاع تبادل التهاني وبضع كلمات المجاملة التي تُقال بالمناسبة، أي أننا أمام لعبة تبادل للجلوس على كراسي بين أشخاص كُثر ذاهبون، وآخرون قليلون قادمون، أما التساؤل عن أشكال ومضامين العمل الحكومي وهويته، أو ما يصطلح عليه في الأدبيات السياسية بالبرنامج الحكومي، فيبدو أن لسان حال كبير الوزراء، الوزير الأول عباس الفاسي، يقول في تكرار ممل، محاكيا أحد أكبر رجال التصوف في تاريخنا الإسلامي: " ليس في الجبة إلا الملك" وتصبحون على حكومة جد لا عبث".