تدرك المجتمعات المتقدمة أو التي تسعى بوعي نحو التقدم والمدنية ,جوهر العلاقة الوثيقة بين تنمية الإنسان حضاريا وبين انتمائه فكريا وعقائديا,كما تعي هذه المجتمعات أن الدعامة الأساسية في تحقيق نهظتها ومواصلة تقدمها يجب أن يقوم على تأصيل ثقافتها وتعزيز قيمها بما يجعل سلوك الفرد فيها متوافقا مع الإطار الفكري الذي يحكم حركتها ويحدد أهدافها ,وعادة ما يقع العبء الأكبر في هذا الصدد على عاتق المؤسسات التربوية والتعليمية التي تضطلع بتدريس مناهج محددة في مراحل التعليم العام والتي يكون لها أكبر الأثر في البناء الحضاري لمجتمعا تهم . ويتضح هنا أن فلسفة التعليم العام التي تأخذ بها مجتمعات العالم المتقدم تتلخص في اعتباره أهم أداة لتأصيل الهوية الثقافية وتجديدها. وتخضع العملية التعليمية حتى في أكثر الدول تقدما للفحص والمراجعة بصورة مستمرة بغرض الكشف عن مواطن الضعف للتخلص منه والوقوف على المستوى الحقيقي لكفاية الأداء والقدرة على بلوغ الأهداف مع الحفاظ على الجمع بين تحديث الثقافة الذاتية وتأصيلها في نفوس النشء. وإذا ما أردنا أن نستفيد من تجارب المجتمعات المتقدمة في اعتبار التعليم العام أداة لتأكيد الهوية الثقافية وتجديدها ,يكون علينا أن نعول على ثقافتنا الإسلامية وليس على ثقافة الغير. ولا يتسع المجال هنا لعرض كل ما يتعلق بغايات التربية الإسلامية وأهدافها في تنشئة الشخصية الإسلامية المتكاملة التي تفهم معنى عبادة الله ,بأنها أوسع واشمل من مجردة إقامة الشعائر وتنطلق في تفكيرها وأعمالها من مسلمة التوحيد الإسلامي الذي يعمق في الإنسان معنى الربانية كأساس لكل خصائص التصور الإسلامي في تحقيق المنهج الإلهي على الأرض ولكن يجب إيضاح أن التربية الإسلامية والتعليم هما من مهمة النبوة التي كلف بأدائها سيد المرسلين . والحقيقة أن تدريس مواد التربية الإسلامية اليوم يواجه صعوبات متعددة ومعوقات تمنع إيصالها بالشكل المطلوب والذي يضمن المحافظة على الشخصية الإسلامية ,بل إن عملية التربية في شكلها العام تواجه أيضا صعوبات بسبب المناخ العام للحياة ,وتتصاعد هذه المعوقات أمام التربية الإسلامية في وقت نحتاج فيه إلى ترسيخ العقيدة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى حيت التحديات الداخلية والخارجية تزداد ضراوة. لذلك أردنا الكشف عن تلك المعوقات التي تحول دون تدريس التربية الإسلامية وإيصال مفاهيمها ومنا فعها بالطريقة الصحيحة الواضحة باعتبار ذلك أول الخطوات لتصحيح المسار وإيجاد الحلول ,والحقيقة أن المعوقات والأسباب التي حالت دون تحقيق الثمرات المامولة لا تتعلق بجانب معين يمكن تحديده ولكنها أسباب متعددة ومتعلقة بعدة عناصر تعليمية من أبرزها (المدرس والمتعلم والمنهج وأساليب التقويم وطريقة التدريس وغيرها) وهو ما سنحاول التطرق إليه بالتفصيل في هذا المقال. 1-المدرس: • ضخامة العبء الملفى على كاهل المدرس • انخفاض دافعية المدرسين للتعلم وضعف كفاياتهم • ضعف إعداد المدرسين قبل الخدمة وضعف المواكبة والتكوين المستمر • ضعف مشاركة المدرسين في عملية اتخاذ القرار التربوي • ضعف مواكبة المدرسين للتقدم العلمي والتكنولوجي • سوء الوضع المادي للمدرسين وتدني النظرة الاجتماعية لممتهني التدريس عموما • قلة الدورات التدريبية والتأهيلية لمدرسي التربية الإسلامية • طول المنهاج الدراسي • كثرة الفصول للأستاذ الواحد بشكل غير عقلاني أو مفهوم ولا يمث لأبجديات التربية بأية صلة. • ظاهرة الإكتظاظ,ضعف انظباط المتعلمين ,العنف ............. 2-المتعلمين : • عزوف كثير من المتعلمين عن دراسة التربية الإسلامية(ضعف المعامل ,النظرة السلبية للعلوم الدينية في مقابل العلوم المادية ......) • ضعف الإنظباط وضعف الدافعية العلمية للمتعلمين • إهمال الأسرة وتخليها عن دورها • تأتير التيارات والفكر الغربي.................... 3 المنهج: من أهم الإشكالات الموجودة في بناء المنهاج الدراسي للتربية الإسلامية نجد: • تركيز مناهج التربية الإسلامية على النواحي المعرفية وإهمال النواحي التطبيقية والخبرات الحياتية والعلمية. • صعوبة تطبيق الأهداف والكفايات • كثرة تفريع مواد التربية الإسلامية وعدم مناسبتها لحاجيات المتعلمين • طول مقرر مناهج التربية الإسلامية • عدم عرض المادة العلمية بطريقة جذابة ومشوقة • كثرة المفاهيم والمصطلحات المجردة • قصور منا هج التربية الاسلامية في إثارة وتوجيه ميول المتعلم نحو دراسة مواد التربية الإسلامية 4- الكتاب المدرسي: يأتي كتاب التربية الإسلامية في مقدمة الموضوعات التعليمية إذ يترك أثارا بالغة الأهمية في تكوين القيم والأخلاق وتكوين الإنسان ذي العقيدة الراسخة والسلوك القويم ضمن أهداف التربية الإسلامية . وأسباب الضعف والقصور في مناهج التربية الإسلامية يعيقها عن تحقيق أهدافها سببين هما: - كثرة تفريعات مادة التربية الإسلامية ,الأمر الذي أضاع وحدة المعرفة الدينية وتكاملها ,وفوت عليها تحقيق وظيفتها . - اختيار موضوعات منهج التربية الإسلامية على أساس طبيعة المادة وليس وفقا لطبيعة المتعلمين وحاجاتهم ,الأمر الذي فوت على هذا المنهج أن يكون أكثر قبولا ونفعا. -عدم مناسبة بعض مواضيع التربية الإسلامية في الكتاب المدرسي مع الزمن المخصص لها. 5-أساليب التقويم : ويلاحظ أنها تعتمد على أساليب الاختبارات التقليدية والمتمثلة في الاختبارات المقالية أو الموضوعية أو الشفوية على أساس استدعاء المعلومات من أذهان المتعلمين ولا شك أنها أساليب لا تتناسب مع مبادئ التربية الإسلامية وخصائص مناهجها التي ترتكز على ضرورة تقويم الأداء المهاري أو السلوكي للمتعلم جنبا إلى جنب مع رصد أو قياس النمو المعرفي والثقافي لديه . 5-طرق التدريس : وتتجلى في : • عدم إلمام المدرس بطرائق التدريس الحديثة التي يمكن استخدامها بفعالية في تدريس مواد التربية الإسلامية • اعتماد تدريس التربية الإسلامية على الطرق التقليدية المعتمدة أساسا على الإلقاء والتلقين • عدم توفر الإمكانات التي تسمح باستخدام الطرق الحديثة • عدم مناسبة الوقت المتاح وضعف الحيز الزمني لإستخدام الطرق والوسائل الحديثة في التدريس • عدم توفر الوسائل التعليمية لتدريس التربية الإسلامية............. 7-عوائق في مجال الكفايات: وتتجلى في : بعض كفايات التربية الإسلامية تفوق المستوى العقلي للمتعلمين عدم مراعاة كفايات التربية الإسلامية لإحتياجات المتعلمين قلة اهتمام كفايات التربية الإسلامية بالنمو الإنفعالي والجسمي ضعف الإرتباط بين كفايات التربية الإسلامية والمواد الأخرى. و هكذا يتضح لنا مما سبق وجود جملة عوائق ينبغي تعميق النقاش فيها إذا أردنا الخروج برؤية واضحة تمكن من حل مشاكل تعليم التربية الإسلامية بشكل فعلي ,في سياق التحولات الإقليمية والكونية والتكنولوجية التي باتت أكثر من أي وقت مضى تستلزم بناء مدرسة جديدة تكون في مستوى متطلبات القرن الواحد والعشرين ,بما يحمله من تحديات اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية .