تأثير الطرق التعليمية والتربوية على تنشئة السلوك الديني عند الطفل إن الطرق الدراسية والتي يمكن القول أنها تعكس بقدر كبير شخصية المدارس العلمية والوجدانية، فجل المدرسين مازالوا أوفياء للطرق التقليدية العتيقة حيث يطغى أسلوب التلقين على التوجيه والحوار، كما أن المبادرات الشخصية تبقى محتشمة، بحيث لا يعمل على تكييف المناهج وتبسيطها وتطبيق المناسب منها لصالح المتعلمين. إن مواضيع الدين تقدم على شكل مقولات جاهزة، يقوم جل المدرسين بشرحها ومطالبة المتعلمين بحفظها، ومن المدرسين من يطالب المتعلمين باستظهارها كتابيا أثناء حصص التقويم، ومن هنا يجد المتعلم في المدرسة امتدادا للطرائق التربوية غير اللائقة والتي قد يتلقاها في بيته، من إيثار المراقبة الاجتماعية التي تعتمد الثواب والعقاب على تعليمه التمييز بين الحق والباطل بالحجة والمشاهدة الحية، هذه السلوكات اللاتربوية من شأنها أن تفقد الثقة بنفسية المتعلم وأن تحد من نضجه العقلي والوجداني. إن الطرق التعليمية والتربوية بوصفها استراتيجيات متفتحة، من شأنها أن تولد في المتعلمين مشاعر الإقبال على المادة، إن عملت على تقريبهم من حياتهم الواقعية، وإن استجابت لحاجياتهم وتساؤلاتهم، وأثارت فيهم حب الاستطلاع والمناقشة، واستخدام العقل والمنطق بدل الزجر والإلزام. وخلاصة القول، أن الطريقة تحتل مكانة هامة في العملية التعليمية، فالطريقة السليمة كفيلة بمعالجة الكثير من العيوب التي يتسم بها هذا البرنامج أو التأخر عند المتعلم، وكما يختلف المدرسون من حيث شخصية كل منهم، ودرجة تمكنهم من المادة التي هم مطالبون بتدريسها، ومن الثقافة التي تخدم الجانب المعرفي في مهنتهم، فإنهم يختلفون كذلك في الطرق التربوية التي يستخدمونها والتي تؤثر إلى حد كبير على تفوقهم أو ضعفهم في التدريس. وجود تأثير بين المادة الدراسية وتنشئة السلوك الديني لدى المتعلم: لقد أكدت نتائج البحث الميداني عن عدم تجاوب أغلبية المواضيع الدينية مع المستوى المعرفي للمتعلمين... بل إن جلها يقحم المتعلمين في تفاصيل مملة. وهذا ما يجعل قدرة الاستيعاب ضعيفة (فالمتعلم لا يمكن أن يستوعب إلا ما يستطيع تمثله تمثلا ذهنيا أي معرفيا حسب مستوى نشاطه المعرفي) (6). كما أن الدروس المرتبطة بالأخلاق والمشار إليها في المقررات الدراسية بالآداب الإسلامية، فيمكن القول أن مواضيعها لا تتناول حياة المتعلمين الاجتماعية، فمضامينها تقحم المتعلمين في نماذج مثالية بعيدة وغريبة عن عالمهم المليء بالحركة وحب الاستطلاع والسؤال، بيد أن هناك مواضيع تليق بمستوى المتعلمين العقلي والانفعالي والعمري ومرتبطة بحياتهم اليومية يتم تغيبها. أما عن علاقة المتعلمين بمادة التربية الدينية، فمن خلال استجوابنا للمتعلمين تبين لنا أن هذه العلاقة متأصلة في حياتهم اليومية من خلال معايشتهم للدين في أسرهم ومجتمعهم أي من خلال الشعائر المختلفة ومن خلال القيم التي تأطر بعض علاقاتهم، وهذا ما يجعل هذه المادة غير غريبة عن واقعهم، وأكثر مواضيعها مألوفة لديهم. إلا أن الغريب في الأمر، ومن خلال محاورتنا للمتعلمين في بعض جوانب الدين، لاحظنا غياب التمثل الذهني والسلوكي لهذه المادة، إلا من بعض الاستثناءات المسجلة في بعض الفصول والتي تعود إلى شروط تربوية سليمة. وخلاصة القول، إن تنشئة السلوك الديني لدى الطفل لا يمكن أن تتم بمعزل عن المادة الدراسية في احترامها لخصوصيات الطفل وتفتح مواضيعها على عالمه، وربطها بتساؤلاته وحاجياته، وجعله يعيش وفق مبادئها وقيمها... وهنا يلعب المدرس دورا مهما في تقريب المادة للمتعلمين وتحبيبها إليهم وعكس مضامينها على سلوكاتهم واتجاهاتهم وذلك بما يجب أن يتحلى به من إمكانيات ثقافية وبيداغوجية وعلاقات سليمة مع المتعلمين. المدرسة تعمل على إعادة إنتاج نفس التمثلات والقيم الدينية السائدة: لقد أظهرت معطيات البحث الميداني، كون المواضيع المدرجة في المقررات المدرسية تعمل على ترسيخ نموذج ديني سائد، يعكس العلاقة التي يجب أن تربط المجتمع بمحيطه الثقافي والروحي، وهي نظرة تعكس الدين في جانبه السكوني، أي عبارة عن طقوس وشعائر وخبرات غير مرتبطة بواقع الطفل وقدراته الذهنية، وبالتالي إقصاء الجانب التفاعلي للدين في الحياة، بحيث يتم جرده من أهم خصوصياته المجتمعية، تفاعله مع الواقع، أي إنتاج علاقات جديدة وفق التطورات والتحولات المجتمعية، وفي هذا الصدد ....دانييل هوفي (إن النقل الديني لا يعني ضمان انتقال محتوى العقائد من جيل إلى جيل فحسب، ولكنه الحركية التي منها يشكل الدين كما هو مع مرور الزمن، فهو التأسيس المستمر للمؤسسة الدينية نفسها) (7). إن المدرسة المغربية في وضعها الحالي وإن كانت لا تنحو بالطفل منحا شذوذيا، إذ غالبا ما يعاقب الطفل على الحفظ وليس على تمثله السلوكي للشعائر الدينية، كما أنها لا ترتبط به بخرافات وأوهام على غرار ما يجري في الأسر الفقيرة، فإنها تبقى تعمل على إعادة إنتاج القيم السائدة في سكونها ومثالياتها وعدم مسايرتها للواقع الاجتماعي للطفل والمدركات الذهنية لديه، هذه التمثلات تباركها الطرق البيداغوجية السائدة والتي تجعل من هذه الخبرات الدينية والسلوكات المرتبطة بها نماذج جاهزة لا تحتاج إلى مساءلة ولا ترتبط بأي إدراك آخر وهكذا يستمر أغلب الأطفال وخصوصا المنتمين للأسر الفقيرة في تمثل الدين من وجهته الاجتماعية الشعبية الممزوجة بالخرافة والأساطير، أو أن الممارسة تبقى وليدة العادة أكثر منها عبادة كما هو معروف عندنا في الأهمية التي نوليها للعيد الأضحى أو صوم رمضان. إن الوضع الحالي يحتم على المدرسة أن تعمل على إعداد الشروط اللازمة لتجاوز التباينات الإدراكية والمعرفية للمتعلمين. وكذا إعادة النظر في مقررات التربية الدينية، وذلك بإقرار تعليم منفتح من حيث مضمونه ومناهجه البيداغوجية. خلاصة عامة واقتراحات: لقد سعينا من خلال هذه الدراسة إلى الكشف عن جانب من الواقع التربوي والتعليمي الذي تعيشه مدارسنا المغربية، هذا الواقع الذي أصبح مظهرا مرضيا من مظاهر الأزمة التي يعيشها النظام التعليمي الحالي. وإننا في سعينا للكشف عن إحدى جوانب هذا الواقع، لا ندعي أننا في إمكاننا القيام بالإصلاح المباشر له أو معالجته، بقدر نعمل على تجلي بعض سلبياته. وقد تكون هذه الدراسة الجد متواضعة منطلقا للقيام ببحوث أخرى تتناول جوانب أخرى من و اقع الأزمة التي يعيشها هذا النظام التعليمي، للإحاطة الشاملة والكافية بالعوامل المسؤولة عنه، بغية إصلاحه ومعالجته. وخلاصة القول أن دور المدرسة في تنشئة السلوك الديني لدى الطفل، لا يخرج عن دورها التربوي بصفة عامة هذا الدور الذي يبقى محدودا في مدرستنا المغربية نظرا لعدة اعتبارات بعضها موضوعي، مرتبط بالوضعية الحالية للنظام التعليمي والذي لا يعد سوى مظهرا من مظاهر الأزمة الاجتماعية والتي يتوقف إصلاحه بإصلاح البنية الاجتماعية نفسها، إضافة للأوضاع الاجتماعية لكل من المدرس المتعلم على السواء والتي تعد شروطا موضوعية لهذه التنشئة كذلك، أو البعض الآخر ذاتي مرتبط بالعوامل التربوية والبيداغوجية. ولعل النقطة الهامة التي تم استخلاصها من هذا البحث تتجلى في المكانة التي مازال يحتلها المدرس في أوساط المتمدرسين، حيث أن شخصية المدرس تعد متغيرا مستقلا في العملية التعليمية التربوية. فبقدر نضجه الفكري والتربوي، وبقدر ما يحمل من أخلاق ومن خبرة ميدانية والتزام بالأهداف الاجتماعية والتربوية، ومن قدرة أيضا على الاستمرار في التكوين والتثقيف يكون أثره على تلامذته إيجابيا. فرغم المشاكل التي تعترض العملية التعليمية التربوية من ضعف المنهاج والوسائل والظروف الاجتماعية التي يعيشها تلامذته، فغالبا ما يكون معوضا لهذه المثبطات، ومتحديا لها، وهذا ما لمسناه من خلال هذا البعث من أن هناك فئة من المدرسين على قلتهم لها من الدراية والأمانة ما يجعل المتعلمين يمثلون لشخصياتهم معرفيا ووجدانيا وسلوكيا، وهذا ما استشفناه من خلال الاتجاهات التي يحملها هؤلاء التلاميذ... وفي مقابل هؤلاء تجد أعدادا كبيرة لا تساير التطور ولا ترتبط بأصول هذه المهنة نفسيا وتربويا وأخلاقيا، الشيء الذي يأثر سلبا على مردودية المتعلمين التحصيلية وعلى السلوكات والاتجاهات والكفايات المتوخاة من العملية التعليمية التربوية. وأخيرا إذا كان من الصعب على الفرد صياغة اقتراحات كفيلة بتجاوز المشكلات التي يعاني منها نظامها التعليمي والتربوي وخصوصا في مجال التنشئة الاجتماعية في جانبها القيمي الديني نظرا لتعقيداتها، فإن بعض الاقتراحات قد تبدو ضرورية، ومن أهمها: العمل على تطوير كفاءات وخبرات المدرسين من خلال التشجيع والتحفيز. إعداد برامج للتكوين المستمر وإعادة التكوين لفائدة المدرسين لمواكبة المستجدات ومتطلبات الحقل التربوي والثقافي. على البرامج الدينية أن لا تتجاهل الأحداث المتصلة بواقع المتعلمين، اهتماماتهم، حاجياتهم وكذا قدراتهم المعرفية ومرحلتهم النهائية. اجتناب المواضيع الدينية التي تقحم المتعلم في جزئيات فقهية مملة. توظيف البعد الديني والأخلاقي في المواد الدراسية المقررة كالقراءة والتعبير والنشاط العلمي والتفتح التكنولوجي وكذا الأنشطة التربوية الموازية. إخراج الدروس الدينية من السكونية والثبات بإعطائها بعدا ديناميا يتجاوب مع واقع الطفل وحاجياته وتساؤلاته. اجتناب أسلوب التلقين والحفظ الآلي وإعطاء الأهمية للطرق النشطة القائمة على فاعلية المتعلم ومشاركته في عملية التعليم. ربط الجسور بين مؤسسة الأسرة ومؤسسة المدرسة لتكامل الأدوار والوظائف وتفادي وضعية القطيعة بينهما. إعادة النظر في التقييم التربوي الحالي الذي يعمل على إنجاح أكبر عدد من التلاميذ لإخلاء المقاعد لأفواج لاحقة. إنشاء مرافق لمزاولة الشعائر الدينية في المدرسة. تلكم هي أهم الخلاصات والاقتراحات التي استقيناها من خلال هذا البحث والتي نأمل أن تعمل أبحاث ودراسات أخرى على إجلاء ما قد يكون تم إغفاله. ادريس بن العربي