"من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه، فذلك المؤمن حقاً". حديث نبوي شريف. عين مديرا تنفيذيا ل "جمعية فاس 1200" بقرار ملكي، في رسالة موقعة وموجهة من المستشار الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه إلى الوزير الأول بتاريخ 28 سبتمبر 2007، وتلقى دعما قويا من مستشاري الملك، محمد معتصم وعباس الجراري وأندري أزولاي، ووزير الخارجية السابق محمد بن عيسى وادريس الضحاك والحاج حميد بناني، صهر الملك، والحاجب الملكي ابراهيم فرج، وثريا جبران، وزير الثقافة السابقة، وشخصيات فكرية وسياسية وأكاديمية وطنية ودولية، وصدرت أوامر ملكية للوزير الأول لتقديم كل الدعم المالي لإنجاح احتفالات "جمعية ذكرى مرور 1200 على تأسيس مدينة فاس"، عاصمة دولة المملكة المغربية، إلا أن سعد الكتاني، المفوض السامي ورئيس هذه الجمعية، أنهى فجأة مهام المهندس احمد بن الصديق، مدير حامة مولاي يعقوب السابق، صاحب مشروع "فاس 1200" الأصلي، في تحد صارخ وغير مسبوق لقرار ملكي، وعين مكانه محمد شهيد السلاوي ونادية الفاسي الفهري، مديرة للتواصل، جيئ بهما من مجموعة "أونا"، الهولدينج الملكي. إن أخطر أمر على مستقبل أي دولة وأولى مؤشرات اضطرابها ثم زوالها أن تفقد قرارات رئيس الدولة هيبتها وسلطتها واحترامها، وهو ما حصل في هذه القضية، حيث سال لعاب بعض الشخصيات المسؤولة على الميزانية التي خصصت لهذا الحدث التاريخي (350 مليون درهما)، ففضلت التضحية بسمعة دولة ومصداقية قرارات ملكها على الصعيد الوطني والدولي، قضية لازالت، حتى كتابة هذه السطور، لم يقل فيها الملك كلمته الأخيرة، منذ قرابة خمس سنوات، ليرفع الظلم الذي لحق بصاحب المشروع والفكرة والمبادرة، بشهادة كل من تعامل معه، مغاربة وأجانب، شخصيات ومؤسسات، بل لم يكن لينال المهندس بن الصديق ثقة وإعجاب الملك وتعيينه مديرا تنفيذيا لولا أصالة فكرته وقوة مقاربته ووجاهة مشروعه، الذي كان يرمي إلى وضع المغرب، دولة ومجتمعا، تاريخا وحاضرا، في قلب عالم الأمم العريقة في تاريخ الحضارة. لقد تلقى رسائل دعم وترحيب بالمشروع من أوطو دوهابسبورغ، ابن آخر ملوك هنغاريا، العضو المشارك بأكاديمية المغرب ورئيس اتحاد عموم أوروبا الدولي بألمانيا، والبروفسور سليم الحسني، رئيس مؤسسة "من أجل العلم والتكنولوجية والحضارة" بمدينة مانشيستر ببريطانيا، وباسكال بونيفاس، رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس، والفيلالي عثمان من معهد الدراسات السياسية بمدينة ليون الفرنسية، والروائي الطاهر بن جلون، وميشيل دويتش، ممثلة "جمعية ذكرى مرور 1200 على تأسيس فاس" لدى فرنسا وأوروبا، والتي بعثت برسالة شديدة اللهجة لسعد الكتاني، بتاريخ 26 دجنبر 2007، تذكره بأن انقلابه على صاحب المشروع، احمد بن الصديق، وسوء إدارته لهذه التظاهرة العالمية، "لا يليقان بالثقة والعناية التي وضعها العاهل المغربي فيه كمندوب سامي". وأضافت دويتش أنها تلقت رسالة من يوسف عيماني، الوزير المستشار بسفارتنا بباريس بتاريخ 21 نونبر 2007، يدعوها إلى التواصل والتنسيق مع اللجنة الوطنية المكلفة بتنظيم ومتابعة هذه الاحتفالات ويؤكد دورها في التعريف بهذه التظاهرة الثقافية والحضارية على الصعيد الفرنسي والأوروبي. كما ذكرت، في رسالة موجهة للمفوض السامي سعد الكتاني بتاريخ 26 دجنبر 2008، بأنه كان سيتم تعيين رشيدة داتي رسميا، وزيرة العدل الفرنسية آنئذ، من قبل الملك محمد السادس سفيرة ل "جمعية فاس 1200"، مشيرة إلى أن "فرنسا وداتي يعتبران موقف الكتاني صفعة دبلوماسية، في وقت كان المغرب على أبواب توقيع اتفاقية الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي". لقد انسحبت دويتش من فعاليات هذه التظاهرة احتجاجا على موقف الكتاني الذي وصفته ب"اللامسؤول"، كما عبرت عن استغرابها لما سمته "الضغينة" التي تصرف بها الكتاني تجاه مواطنه، صاحب المشروع، المهندس بن الصديق، فأزاحه وفريق عمله عن مناصبهم. من أين لسعد الكتاني بهذه السلطة حتى يتحدى قرارا ملكيا ويقوض كل الجهود التي أنجزها المهندس بن الصديق بالتعاون والتنسيق مع العديد من الشخصيات والمؤسسات الوطنية والأوروبية والدولية لإحياء هذا الحدث الوطني التاريخي، وذلك قبل أن يعين الكتاني نفسه لمنصب المفوض السامي؟ لقد طاف المهندس بن الصديق، خلال هذه المحنة الشخصية والوطنية، وهي محنة كل مواطن صادق مع ذاته ومخلص لدينه ووطنه، في وجه الظلم والجشع والرداءة المهنية، طاف المغرب وطرق أبواب المستشارين الذين استقبلوه في بداية مشوار الإعلان عن فكرته ومشروعه ورحبوا به وقدموه للملك، ولم يجد إلا صمت أهل القبور، وخاطب الملك بشأن الظلم الذي وقع عليه وانتحال مشروعه من قبل الكتاني وجهات نافذة، إلا أن رجال العهد الجديد وحجاب القصر العامر لا يتركون تظلمات الناس تصل إلى مسامع الملك أو يقدمونها له محرفة، فيحولون المظلوم ظالما والظالم ناصحا أمينا، فتنطبق عليهم مقولة ابن خلدون "فاز المتملقون". لقد رفع ابن الصديق صوته عاليا ليسمعه الملك، صاحب قرار التعيين والتكليف، بدون جدوى، ليس ليستعيد المنصب الذي عينه فيه الملك وألغاه المفوض السامي سعد الكتاني، ولكن ليستعيد كرامته واعتباره، وليعلم الملك أن هناك من يقرر ويتحدث ويظلم ويطغى باسمه، وأن مصالح الوطن والدولة المغربية وصورة الملكية في وعي المواطن وفي وعي شخصيات ومؤسسات دولية، يَتلاعب بها أمثال رجل الأعمال الكتاني، الذين يعتبرون الوطن عبارة عن فرصة استثمارية مستدامة ومؤسسات الدولة مزارع خاصة لتحقيق مصالحهم الأنانية والعائلية، وليذهب الوطن والدولة، بل ولتذهب الملكية إلى الجحيم. لم يترك المهندس بن الصديق مسؤولا في مؤسسات الدولة، اعتقد أنه هو الأقرب إلى أذان أو قلب الملك، إلا وراسله وعرض عليه "مظلوميته الكتانية" والتحدي السافر للقرار الملكي والتلاعب بالمال العام ومصالح الوطن، راسل الوزير الأول ومستشاري الملك والاستخبارات والبرلمان ووزارات معنية بهذه التظاهرة العالمية، ولكن كما يقول الشاعر العربي عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي، "لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي". تحيلنا قضية المهندس بن الصديق إلى العفو الملكي لفائدة الإخوة الذين اعتقلوا ظلما على خلفية قضية "بلعيرج" ومعتقلي "السلفية الجهادية"، على خلفية أحداث 16 ماي المحزنة، وإلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، ونتساءل: من يحاسب ويحاكم الذين دبروا وخططوا لمثل هذه الاعتقالات الجائرة والأحداث الإرهابية، ومن يحاكم ناهبي المال العام؟ من يتابع قضائيا جميع مسؤولي الشركات والمؤسسات العمومية التي وردت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات؟ إن عدم محاكمتهم على جرائمهم في حق الشعب المغربي والدولة المغربية، هي مشاركة في الجريمة والفساد. إننا نتجرع بمرارة استمرار هؤلاء القوم في مناصبهم ونهبهم للمال العام، عرق المغاربة الكادحين وضرائبهم، في الوقت الذي يتم تهميش الشرفاء أصحاب الأيادي النظيفة والكفاءات العالية والحس الوطني والمروءة والخلق الديني والضمير المهني. إن الاستنتاج المباشر والوحيد بعد هذه التقارير والمحطات السياسية هو أن مؤسسات وثروات الدولة المغربية ليست في أيادي أمينة. لقد أشار المهندس احمد بن الصديق في رسالة التظلم التي رفعها إلى الملك، بتاريخ 5 يوليو 2010، يناشده فيها بالخروج عن صمته وإنصافه، إلى أن الحاجب الملكي ابراهيم فرج أكد له بأن تعيين سعد الكتاني مندوبا ساميا ل "جمعية فاس 12 قرنا"، " كان مكافأة معنوية ومواساة له بعد صفقة بيعه بنك الوفاء للمجموعة المالية "أونا" التابعة للهولدينج الملكي". إن مثل هذا القول لا يمكن أن يبقي الصمت الملكي إلى الأبد دون أن ينصف الضحايا الجدد لرصاص سنوات العهد الجديد. *دبلوماسي سابق [email protected]