لا جدال في أن مصطلح الحوار تحيط به التباسات عديدة، خصوصا حين تتداخل معه بعض الكلمات المجاورة له من حيث الدلالة والأداء. ليس الحوار هو الحديث أو المحادثة لسبب رئيس هو أن المحادثة، باعتبارها كفاية تواصلية، لا تخضع لنفس القواعد التي يستلزمها الحوار. فهي أسلوب من التواصل عفوي وحرّ، يسمح بالخلط بين الأنواع، والأصوات، وبالاحتمالات غير المتوقعة أثناء تبادل الحديث. فالمحادثة لا استراتيجية لها، لأنها تسمح للمتحدثين بالتعرف على بعضهم البعض، وبخلق نوع من "الاستمتاع الاجتماعي". غير أن الأمر لا يمنع المحادثة من احترام اشتراطات الأعراف الاجتماعية، لأن أنماط تدبيرها قد تختزن بعض الإكراهات التي يستدعيها هذا الوسط الاجتماعي أو ذاك. إذا كان الأمر كذلك في حالة المحادثة، أو الحديث الحرّ، فإن الحوار، من منطلق إرادة الإنصات التي يفترضها، والجهد الإقناعي الذي يبذله المشارك فيه، يتجاوز الأعراف المعتادة، والأساليب الرتيبة، لأنه يعمل على فتح آفاق جديدة. قد يهم الحوار شخصان أو مجموعة أشخاص، لكنه يتطلب التزام المشارك بأخلاقيات الإنصات اليقظ، وإلا سيتحول إلى محادثة وتنتفي مقتضيات الحوار والهدف من ورائه. الحوار، من جهة أخرى، ليس هو التفاوض. قد يشتركان في كون الأشخاص المنخرطين في الحوار أو التفاوض يقبلون مبدأ اللقاء، وتبادل الآراء، وإجراء مباحثات قصد الوصول إلى نوع ما من أنواع التفاهم، متفقين، مبدئيا، على التخلي عن العنف المادي لمواجهة أو معالجة القضايا التي تهمّ نزاعاتهم أو خلافاتهم، بطرق موضوعية وعقلانية. غير أن التفاوض والحوار يفترقان في مجموعة من الأمور، منها أن التفاوض يجري في إطار موازين القوى، ومصالح متضاربة. لذلك قد يتضمن التفاوض عنفا لفظيا، أو إرادة للتمويه، أو المزايدة، وأحيانا التهديد. والمفاوض لا يتردد في إخفاء مقاصده، والتركيز على نقط ضعف الخصم، في حين أن الحوار، ولا سيما في إطار الحوار المدني، يتقدم بوصفه مواجهة بين أشخاص لا ينظر إلى بعضهم البعض كأنهم خصوم وإنما شركاء. فالمفاوض غالبا ما يكون له موقع رسمي، يدافع عن مصالح معسكر أو مجموعة، أو منظمة ما. ينسى آراءه الشخصية لأنه يتدخل باسم الآخرين، وباسم من يمثلهم، ومن هو ملزم بتقديم الحساب لهم. في حين أن المشارك في الحوار، على العكس من ذلك، يتقدم اعتبارا لمسؤوليته الشخصية. ليست له صفة رسمية، أو مخوّل للتحدث باسم الآخرين، بدون أن يعني ذلك انسلاخه التام عن انتمائه الثقافي، أو الديني، أو الاجتماعي. تبرز لغة المساومة في الفعل التفاوضي في بحثه عن التفاهم، كما هو الشأن بالنسبة لنقابة تتطلع إلى توقيع اتفاق يهمّ المأجورين، أو في حالة التفاوض على انتشار الأسلحة الفتاكة. يبحث المفاوض عن أفضل حلّ يكون لصالحه ولصالح من يمثلهم، ولأجل ذلك يعمل، بكل ما يملك من دهاء وحنكة، على دفع الطرف الآخر لتقديم تنازلات. في حين أن المنخرط في الحوار، على العكس من ذلك، لا تحرّكه مصالح مباشرة، بالضرورة، لأنه يبحث عن الحقيقة، أو عن حقائق يريد كشفها، كما قد يقوده الحوار إلى البحث عن العدالة، أو الاعتراف، فضلا عن أنه لا يسعى إلى إضعاف الآخر. يتحرك المفاوض بهدف الوصول إلى اتفاق محدد، أو إلى صفقة تجمع مصالح متضاربة للتحكم في مسار نزاع، أو إيجاد حلّ له. في حين أن الحوار لا حدود له، لأنه يبقى مفتوحا لتحصيل الفهم أو الإفهام، وتقاسم القناعات الفكرية، وبناء المعنى مع الآخرين. لذلك يفترض الانخراط والمشاركة وليس تقديم تنازلات لإبرام صفقات. هكذا يتبدى أن التفاوض والحوار ينتميان لمرجعيتين مختلفتين في التواصل، غير أن الممارسة تنتج وضعيات أكثر تعقيدا لأنه يمكن الانتقال، أحيانا وبدون سابق قرار، من منطق الحوار إلى استعمال آليات التفاوض، أو أن يبدأ التفاوض وينتهي إلى محادثات وحوار، سيما أن مجرى التبادل يجعل التعارف بين الناس أسهل، وقد يتولّد عنه تعاطفا، أو إعجابا متبادلا ليتحوّل إلى نوع من "الحوار بين الأشخاص"، الأمر الذي يسهل الوصول، أحيانا، إلى اتفاقات بين الفرقاء.