أنتَ مسلمٌ يشتهرُ باعتناقك للإسلام إذن أنت مواطن... أنتَ تدّعي الإسلام في الظاهرِ إذن مقبولٌ أنت في المجتمع. أنتَ تحملُ اسما ذا خلفية إسلامية لا يهمّ إن كنتَ تؤدّي واجبات المسلم الحق أو كنتَ ترتدي قميصاً لا يتعدى مقاسه الركبة أو ثنورة فوقَ الفخذ بقليل. المهمُ أن تكونَ مسلماً لتكونَ مواطناً في نظر المجتمع. هذا واقع لا ينكرهُ أحدٌ. كما لا يمكننا نكرانُ وجودَ فئاتٍ تعيشُ في الظلّ لا تتدينُ بديننا و ينبذها المجتمعُ بذريعة الطّابو أو " حشومة ''. ما معنى أن تكونَ مختلفاً ؟ وهل يرسّخُ مجتمعنا لمبادئ الاختلاف و قبول الآخر؟. ماذا لو اعترفَ المجتمعُ بالمختلفِ في الرّأي و الدين؟. هل اعترفَ النبيُ محمدّ عليه الصلاةُ و السلامُ بغيرِ المسلم كمواطن و فرد في المجتمع ؟. كيف يمكننا أن نبني مجتمعاً مفكراً مثقفاً بثقافة الرأي و الرأي الآخر؟. أسئلةٌ و غيرها يطرحها الواقعُ الذي نعيشه في ظل نفاق اجتماعي. يعرفُ المجتمعُ بوجود خلل ثمّ ينكره لسبب من الأسباب أمهما الطابو. إنّ في الحبشة ملكٌ لا يظلمُ عندهُ أحدٌ، هكذا أرشدَ سيدنا محمّدٌ صلّى الله عليه و سلّم أتباعهُ نحوَ بلدٍ آخر بعدما اضطهدوا في مجتمعهم. لقدَ عرَفَ النجاشي أنّ رصانة المجتمع تكمنُ أساساً في إيمانه بمبادئ احترام الآخر و الاعتراف بخصوصياته و حقّه في اعتناق الأفكارِ و الدين. لأنّ المجتمع المختلف أكثرُ رصانةَ من المجتمع الذي ينبذُ الأقليات ويحتقرُ خصوصيّتها. الحقُ في الدّينِ يتكفّلُ به الدينُ نفسهُ بحيثُ يؤمنُ دينُ الإسلامُ في نصوصِ السيرة و القرآن بضرورة معاملة الآخر بالمعروف و أنه لا حقّ و لا فرقَ بينَ عربي و عجمي. ولا فضلَ لأبيضَ على أسود و لا لأحمرَ على أصفر إلا بالتقوى. التقوى بمنطق الأخلاق و المعاملة و احترام الآخر و معاملة أفراد المجتمع بالعدل و المساواة. أن تكونَ مسلماً حقّاً يعني أن تتبع الرسول صلّى الله عليه و سلّم الذي ماتَ و ذرعهُ مرهونة عند يهودي. الذي أمّن غيرَ المسلم على دينه و ماله وحرّم عرضهُ على غيره. ونجدُ في السيرة دلائل كثيرة و في القرآن سوراً تعترفُ بغير المسلم فرداً يستحق العيش في سلام. قال سبحانه وتعالى : '' إنا خلقناكمُ شعوباً و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم''. ولنتحدّث بمنطق الحداثة و العولمة، فقد صارت المجتمعاتُ مختلطة و صار الاختلاف ضرورة حتمية بل ظاهرة صحيّة. إنّ قبول اللآخر لو يعد خياراً بل ضرورياً لضمان الحياة و حقوق جميع فئات المجتمع. فهل يمكننا أن نرى في المستقبل مجتمعاً يعترفُ بالاختلاف في الرأي و الدين و الفكرة ؟. مجتمعنا الآن في الواقع ما زال قاصراُ في هذا الجانب و لم يبلغ الرشد من الناحية الثقافية و القانونية. إذ تسيطرُ فكرةُ الحكم على الناس على أساس واحد : هذا مؤمن و هذا كافر. هذا تصنيفٌ لا يليقُ بمجتمع يرومُ بناء دولة الحقّ والقانون التي بناها النجاشي منذ قرون عديدة. نحنُ بعيدونَ كلّ البعد عن المجتمع المثالي الذي كانَ فيما قبلُ يصنّفُ على أساس العرق و اللسان أو اللون. مند فترة كان المجتمعُ يرفضُ أن يعترفَ أنّ ثمةَ أناسٌ مختلفون في اللسان ولا يتكلمون العربية ثمّ رفضهم الدستور و لم يعترف بهم حتّى جاء الملكُ محمدّ السادس الذي يبني مجتمعاً حضارياً يسعى للسمو نحوَ مملكة لا يظلمُ فيها أحدٌ. الاعترافُ بالأمازيغ كقومٍ ذوي حقوق و لغة كان عند الدّولة بمثابة خلقٍ جديد جاءَ حديثاً. غيرَ أنهم كانوا في الأصلِ قوما ساهموا في بناء المغرب منذ سلالات المُلك القديمة. لم يعرف أحدٌ قيمة وطنيّتهم حتى جاءَ ملكنا حفظه الله بإرادة سياسية لا تصنفُ الفردَ و القبيلة بمنطق هذا مؤمن و هذا كافر. بل بمنطقِ هذا مواطنٌ إذن لهُ حقّ وعليه واجب و لا فرقَ بينه و بين المسلم العربي إلا بالوطنية الحقة. الوطنيّةُ التي أبانَ عنها اليهودُ المغاربةُ وهم يقدّمون البيعة و الولاء كتقليد أصيل تجدّر عبر تاريخ مملكتنا النموذجية. في الواقع مجتمعنا يسبقُ المجتمعات الإسلامية الأخرى بسنوات من التطور و الانفتاح على الآخر. لكنّهُ مازال يموجُ في عمقه بأفكار تفرّقُ بين المواطنين على أساس الدين و الفكر. صحيحٌ أنّ الأفكار التي تضربُ مصالحَ الوطن لا يمكنُ قبولها أبداً و يجبُ التصدي لها كالتطرف في الدين و الأفكار. مثلما نرى من أشخاص يأخذون الإسلام بالشدة و يبرعونَ في تحريف قيمه بنشرِ التطرف و الدعوة لهُ بالتحريض على القتل و سفك الدماء. بينما لا يحقّ للمسلم أن يقتل و لا يسفك دم أحدٍ مهما دنى أو علت مرتبته الاجتماعية. إنّ الإسلام دينُ مُثٌلٍ و قيم و مثلهُ الحقيقةُ لا تمثلها الجماعاتُ التي تصارعُ الآن في السرّ والعلن من أجل وثبة سياسية أو منصبٍ أو حقلَ بترول أو أكثر من ذلك تتآمر على الدوّلة وولي الأمر دون مبرر يشرعهُ الإسلام في الكتاب و السنّة. إنّ الإسلامَ يأمرُ باحترام الأنبياء بل و يجعلهم بنفس القداسة و السمو، كسيدنا عيسى و يعترفُ بدينه. مثالنا على ذلك قدومُ سيدنا عمرُ بعد فتحِ بيت المقدس و تأمينه المسيحيين على دينهم و عرضهم و مالهم و كنائسهم. من منّا يجهلُ مكانة عمر و غيرته على الإسلام ؟، لكنّهُ العدلُ والإيمان بأن لا حقّ لأحد أن يجبر آخر على دين أو فكرة. لكمُ دينكم ولي دين. صديقي المسيحي متى يخرجُ من بيته آمناً يعرفُ الجميعُ دينهُ ثمّ يسلّمُ عليه و يحترمهُ يناقشهُ و ويحاوره و تسقطُ لعنةُ الدين عن جبينه. و جَارُكَ الملحدُ الذي يتبنى أفكاراً تؤمنُ بنظريّة التطور و الفيزياء التي يتعلم مبادئها المسلمون منذُ الصغر. أليسَ هذا نفاقاً اجتماعيا واضحاً ؟. فمنذُ القسم التحضيري حتى الجامعة يعلموننا مبادئ نظرية داروين التي تتناقضُ تماماً مع مبادئ الخلق و النشأة في الإسلام. و عندما يأتيك رجلٌ ترسّخت في قلبه فكرةُ الإلحاد أو اللادين واعتنق رأيه وصارَ مشهوراً باعتناقه فكرة معينة يصرخ المجتمعُ في وجهه وينبذه أو يقتله حتّى. تماماً كما يفعلُ المجتمعُ مع بائعة الهوى الذي يأتيها الفردُ تلو الفرد زبوناً دائماً و لا ينظرُ لها على أنها طابو أو "حشومة '' بل لذة و شراباً. لكنّهُ كلما وقعت واقعةُ هلّل لها بالفضيحة الأخلاقية و رفض وجود بائعة الهوى في المجتمع و هو عارفٌ يقيناً بوجودها وأنها تتمتعُ بكامل حقوق المواطنة بل و تعتنقُ الإسلام و غير الإسلام. بل سيأتيها غداً زائراً كلّما اشتدّت غريزته و ألح هرمونه. صديقي المسيحي وجاركَ الملحدُ و غيرهم من الأقليات مواطنون مع وقف التنفيذ حتّى تزول الغيمةُ و ينظر الجميع في مرآة الحق يرى الوطن بمعناه المتجرد و المجتمع بقيمه العميقة. آنذاك يحقّ للمجتمع أن يكونَ مجتمعاً لا ينخرهُ الصراعُ و لا تسري فيه ديدانُ الطائفة و القبيلة و الجماعة و كافة مظاهر العنصرية. آنذاك يرى المجتمع بعين واحدة تبصرُ الشمسَ و الأمل و يستشعرُ الأمنَ دون الخوف من الخروج و التعرض للإهانة أو الضرب. آنذاك يرى الجميعُ المستقبل ماءً صافياً و روضة يسقى من رحيقها حرّية و أملاً تحتَ راية الوطن و رعاية عرشِ المملكة وملكها الذي لا يظلمُ عندهُ أحد. إنّ المغرب دولةٌ إسلامية أمازيغية عربية إمارةٌ للمؤمنين يتكفّلُ بجانبها الديني ملكٌ بصيرٌ. يحكمها دستور مدني و لها مؤسسات و غيرةٌ على الإسلام عبر التاريخ. هذه خصوصية لا يمكنُ أن يستغني عنها المغربُ أبداً و لا يمكنُ للمملكة أن تتنازل عن دورها في نشر الإسلام و قيم التسامح و الدين السمحة السامية. و في عمقِ مجتمعها يهودٌ مغاربة أمازيغٌ و عربٌ و مسيحيٌ عربي و أمازيغي و لا ديني أمازيغي و عربي كذلك... مواطنونٌ مستعدون للدفاع عن المملكة بكل ما أوتوا من قوة، هذا هو المنطق الصحيح. أن تكونَ مواطناً تحبُ الله تحتَ مظلة دين أو فكر أو رأي و تقرّ بواجب الوطن و عشقه حتى الموت. تحترمُ الدستور و تؤدي الواجب قبل المطالبة بالحق. تحترمُ و تقدّسُ الملك كما يليقُ بجلال مكانته كضامن لاستقرار الوطن و ولي للأمر المواطنين تحت شعار المملكة الأصيل. هذا هو المواطنُ الحق الذي يعيشُ جنباُ إلى جنبٍ لا يحكمُ حكما مسبقاً على خلفيةُ جاره و لا على رأيَ صديقه بل يحبّه لوطنيته و غيرته على أمن البلاد و رايته ووحدة أرضه و حدوده. ويمقته لذلك و لوجه الوطن و مصالحه. مجتمعٌ يقّر بالاختلاف و يرى الآخر بعين الإنسان. لهُ حقّ و عليه واجبٌ. إنّ الوطنٌ بيتٌ يتسعُ سقفهُ لجميع أبناءه يقوى إذا تقوّت أواصرهم و يضعف بضعف الصلات بينهم. الوطنُ جدارٌ من لبنات مختلفة الطول و اللون و الحجارة والقوة بعضها يشد بعض. كلّما هانت قاعدته أو ضعفت إحدى لبناته شدّ البعضُ بعضاً حتى يرتفع الجدارُ المتين. و العكسُ بالعكس؛ كلما تنافر الفردُ عن الآخر ضعف البنيانُ وسقط الجدارُ وصار عرضة للمترصد الغاشم لقمة صائغة و عجينة في يد العدو يلويها كيف يشاء.