إن من أشهر هذه القيم الإسلامية، قيم الحوار والتسامح واللين واللاعنف.. وهناك العشرات من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة تزكي هذا السبيل منها قوله تعالى: « (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين...) وقوله تعالى :(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين..) وقوله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم). فرسالة الإسلام تدعو إلى التعايش الإيجابي بين الشعوب والبشر جميعا بصرف النظر عن ألوانهم ومعتقداتهم وأوطانهم، فالجميع ينحدرون من نفس واحدة، كلكم لآدم، وآدم من تراب، فالدين الإسلامي يعترف بوجود الاختلاف بين المجتمعات والأفراد والمعتقدات، كما يقر بشرعية ما للغير من وجهة نظر ذاتية قد تكون مخالفة للحق والصواب والمنطق والدين وذلك ما هو واضح في سورة الكافرون بقوله: (لكم دينكم ولي دين)، فمجتمعاتنا البشرية اليوم بحاجة إلى أن تتحاور، لأن الحوار في فلسفة الإسلام له أهمية فائقة، بل هو أول وآخر شيء في الدعوة إلى طريق الخير والفلاح والهداية، سيما إذا كان الهدف منه هو إيصال الحق إلى القلوب وتفكيك جيوب الخلاف والصراع والتقاتل والتنافر..، لذلك يبقى الحوار هو السلاح الوحيد الذي يمكن من خلاله أن نصل إلى شاطئ الأمان والسلام والاستقرار، ومن يدعي غير ذلك فهو كذاب أشر. يأتي الحوار الإسلامي المسيحي ليس كشأن لاهوتي أو سجال فكري أو ترف معرفي ونظري بل هو ضرورة وحاجة وواجب شرعي في عالم اليوم، يحتم على العقلاء من المسلمين والمسيحيين التفكير جديا في بلورة مشروع إنساني وتاريخي مشترك يعيش تحت كنفه جميع أبناء الله تعالى ومخلوقاته بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم وجنسياتهم، لأنه لم يعد مقبولا أبدا في خضم هذه الصراعات الاكتفاء بشكليات وبروتوكولات بين الدول والزعماء، أو بعلاقات الفاتيكان بمنظمة المؤتمر الإسلامي، بل يجب أن يرقى هذا الحوار إلى مستوى أفضل بكثير، لما للمسلمين والمسيحيين من تاريخ طويل وعريق امتد منذ أربعة عشر قرنا ونيف، التقوا مرارا في ساحات التاريخ ومفترقاته، لكنهم وللأسف لم يتعارفوا إلا قليلا ولم يتصافوا إلا نادرا وظلوا إخوة غرباء في بيت أبيهم آدم وجدهم إبراهيم عليه السلام، وكان اللقاء الأول والجميل عندما اشتدت الفتنة والبلاء على محمد (ص) وصحابته الكرام، فأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فوجدوا لدى النجاشي المسيحي موئلا وموطنا وحماية، ثم خمدت الفتنة وعادوا إلى مكة، وهذا الجميل لم ينسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبمجرد ما وصل نبأ وفاة النجاشي إلى مسامعه قام (ص) بصلاة الغائب عليه في البقيع معلنا الحداد الإسلامي الأول على نصراني أدركته المنية..ولقد لقي محمد (ص) من المسيحيين في مكة ثم في المدينة في بدء هجرته إخلاصا في الولاء وارتباطا بالعهد، فأحبهم حبا لا غش فيه وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشهد بهذا، ومات رسول الله (ص) وانتشرت دعوة الإسلام جهة الشمال ضاربة في البلدان السريانية المسيحية الخاضعة آنذاك لفارس وبيزنطة وكانت القبائل المسيحية تدخل في دين الإسلام أفواجا، نظرا لظلم قيصر الروم وكسرى فارس، فأصبح المسيحيون في طليعة الجيوش الإسلامية إلى بلاد العراق والشام..وهكذا ساءت أحوالهم مرة وتحسنت مرات.. إلى أن جاءت الحروب الصليبية فمزقت خيوط التفاهم والمحبة التي كانت تجمع المسلمين بالمسيحيين في الشرق، مخلفة وراءها أطنانا من التباغض والتنافر والتباعد لم تشف منه حتى يومنا هذا..فمعضلة البشرية اليوم كما يزعم بعضهم معضلة اقتصادية أو سياسية.. وإنما هي في الحقيقة معضلة أخلاقية ناتجة عن ضعف الإيمان بالله والبعد عن المعبود الحق، لهذا قد حان للمؤمنين بالله وبأنبيائه ورسله الكرام أن يتحاوروا ويلتقوا ويتعاونوا للحد من طغيان الشر ومن فتنة لاتبقي ولاتذر