خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، شهدت الدارالبيضاء فراغا واضحا في وثائق التعمير، رغم بعض المحاولات المتواضعة التي لم تخرج الى حيز الوجود، وفي غياب الاهتمام والتتبع الجاد و المسؤول لشأن التعمير توسعت المدينة بشكل عشوائي، خاصة مع استمرار اعتماد مخطط "ايكوشار" المتجاوز. لكنه بعد انفجار أحداث 1981 الدموية ستعرف مدينة الدارالبيضاء عدة تحولات هامة، لذلك تم استدعاء المهندس المعماري الفرنسي "ميشيل بانسو"، ليضع مخططه الجديد للمدينة سنة 1984، مدعيا بذلك، خلق ظروف عيش ملائمة للساكنة البيضاوية، تمحورت ابرزها فيمايلي: توفير سكن لائق لساكنة الدارالبيضاء، و ضمان سهولة المواصلات، و تحسين جودة المجالات العمومية و البنايات.. و قد ترجمت أهداف المخطط هاته، فيمايلي: اعطاء المدينة شكلا طوليا بتوجيه توسعها نحو مدينة المحمدية، و توزيع وظائف المركز عبر المجال الحضري، و التخفيف من التفرقة بين الانشطة و السكن، و ضمان فعالية النقل العمومي، ثم الربط بين مينائي الدارالبيضاء و المحمدية. لكن على مستوى الواقع العملي، لم يتحقق من هذه الاهداف الا النذر القليل، وبالتالي فإنه يبرهن على محدوديته. و يمكن تفسير هذه الوضعية بالخلفيات السياسية التي تتحكم في انجاز هذا المخطط، و بذلك "فالتخطيط الحضري ليس له دلالات اجتماعية واضحة". فتصاميم التعمير، حسب مانييل كاستلز (Manuel castells)، هي قبل كل شيء "نصوص ايديولوجية"، و ليست لها أية فعالية اجتماعية. و بذلك انحصرت اهداف المخطط التوجيهي لسنة 1984 فقط في هيكلة المجال و تهيئته، بالنظر الى السياق الذي تحكم في انتاجه. و لهذا عملت الدولة على تأمين تدبير النزاعات الاجتماعية منذ 1981،عبر تدخل متعدد الابعاد في الحقل الحضري، فاهتمت بالتخطيط الحضري،وسياسة المدينة، و السكن الاجتماعي. و عملت كذلك على تسريع وتيرة السكن الاجتماعي، و التقليص من "المركزية"، بالعمل على خلق العديد من المقاطعات الادارية، و مقرات الامن في مجموع تراب المدينة و هوامشها، بل إن اختيارات المخطط كرست استمرار النموذج الكولونيالي في عملية التخطيط الحضري، و هذا يتضح جليا، من خلال استمرار الحاق السكان بالاحياء الشمالية الشرقية، لاجل تقليص المسافات بين مقرات الشغل و مقرات السكنى. الشيء الذي يبرهن فعلا على استمرار التمايز الاجتماعي و الهوة بين المركز و الهامش. و من زاوية اخرى، فإن مشروع تهيئة مركز الدارالبيضاء يعتبر من ضمن اكبر المشاريع العمرانية، الذي استهدف عملية التجديد الحضري، و التخفيف من حدة الكثافة السكانية بالمدينة العتيقة، منذ انطلاق مشروع مسجد الحسن الثاني. فإذ كان الهدف من بناء المسجد، هو اضافة و ظيفة سياحية الى العاصمة الاقتصادية.فإن هناك ثلاثة مشاريع مهيكلة لمدينة الدارالبيضاء، تتمحور حوله(المسجد) و هي:مشروع المحج الملكي، الذي ينطلق من الواجهة الجنوبية للمسجد في اتجاه ساحة الاممالمتحدة، مخترقا بذلك جزءا هاما من احياء المدينة القديمة خارج الاسوار، و تهيئة فضاء الكورنيش الجديد للدار البيضاء، الممتد على مساحة 13,5 هكتار. و مشروع "مارينا" المركب السياحي الضخم مساحته 22 هكتار،الذي يمتد على طول الشريط الساحلي الملامس لشارع الموحدين، بين الواجهة الشرقية للمسجد و ميناء الدارالبيضاء. و لإنجاح مشروع إعادة هيكلة المحج الملكي، وتحقيق تهيئة النسيج الحضري المدينة القديمة، كان من الاجدر، القيام بعدة دراسات و ابحاث مختلفة عقارية و سوسيواقتصادية للتعرف على الطبيعة القانونية للعقارات، و الوضعية القانونية لذوي الحقوق، بالاضافة الى الوضعية السوسيو اقتصادية للساكنة كنمط العيش و طبيعة النشاط و مستوى المداخيل ….و قد انتهت هذه الدراسات، بإنتاج مجموعة من الوثائق الخرائطية و الطبوغرافية… اعتبرت من اللبنات الاولى للدراسة التهيئية، او للتصور الاولي للمشروع الحضري المزمع تفعيله بالمحج الملكي، واعتبرت كذلك بمثابة القاعدة الاساس لتدخل الوكالة الحضرية. و على مستوى اخر، سيتم ترحيل ساكنة هذه الاوساط الفقيرة الى الهوامش بحي النسيم، حيث سيصطدمون بشروط و أوضاع معيشية صعبة. ان مشروع من حجم المحج الملكي او النسيم، يفرض تدخل و اشراك كل الفاعليين المحليين، و جميع المؤسسات و المصالح و الادارات العمومية..، بالاضافة الى الفئات المعنية بالاستفادة من عملية اعادة الاسكان وسط حي النسيم، المتواجد بهامش المدينة. من هنا، يحق لنا ان نتساءل هل تعدد الفاعليين و الشركاء كان فعلا مصدر قوة أم عامل من عوامل تعثر و انزلاق المشروع؟ اثبت التجارب السابقة، على ان تعدد المتدخلين في مشاريع التهيئة و التعمير و اعادة الاسكان، و عدم الاخذ بعين الاعتبار لخصوصيات و اقتراحات الفئة المستهدفة، يؤدي حتما الى انزلاقات واضحة في هذه الانواع من المشاريع، و السير بها في افق غامض او مسدود، و هذا ما حصل فعلا بالنسبة لساكنة المدينة القديمة، التي خطط لها الإبعاد عن مكان نشأتها و تغيير اطار حياتها، ذا الموقع الاسترتيجي القريب من الميناء الذي يشغل فئة مهمة من الساكنة و يحتل مكانة مرموقة بالنسبة اليهم، نظرا لقربه من جميع ضروريات الحياة-على الرغم مما كانت تعانيه في المساكن المتدهورة او الايلة للسقوط - الى حي النسيم المعزول و المفتقر الى كل اساسيات العيش. لذا، يمكن القول أن هذه الساكنة رحلت-قسرا- من "كيتو" المدينة القديمة الى "كيتو" الحي الجديد النسيم، الشيء الذي سيؤثر،لا محالة، في زعزعة استقرارها و في نمط حياتها،لاسيما، و أن البعض منها يعتبر نفسه الابن البيضاوي الحقيقي الاصيل و المتحضر أكثر من غيره. و تجدر الاشارة، إلى أن الفئات الاكثر استجابة و انخراطا في المشروع، هي الشرائح الاكثر تضررا و معاناة، كمنكوبي فيضانات حي بوجدور و فئة المكترين، التي تمثل مايقارب %80 . و للتأكيد، فإنه منذ سنة 1999 الى اليوم، قامت شركة التهيئة الجماعية (Sonadac) ، بإعادة إسكان ما يعادل 4900 أسرة، من ما مجموعه 17000 اسرة (اي ما يناهز %29). إن حي النسيم المتميز بانغلاق موقعه و عدم ملاءمة موضعه، كان هو المكان الذي خصص لعملية إعادة إسكان قاطني المدينة القديمة و المتضررين من فيضانات حي بوجدور.إذ استقبل ساكنة ذات اوضاع سوسيو اقتصادية مزرية في معظمها. فإذا كان الهدف المعلن من طرف الدولة هو تحسين اوضاع هذه الفئات على مستوى السكن، فإن الواقع المعاش يؤكد مجموعة من التحديات التي تواجه هؤلاء إن على مستوى الدخل إو صعوبة تسديد الاقساط البنكية او عدم الانخراط في الحياة الاجتماعية و السياسية .. و هذا سيؤدي الى تكريس ما يسمى بالتمايزات السوسيو مجالية. [email protected]