شهد الأسبوع الماضي العالم برمته مقطع شريط فيديو بالصوت والصورة، يؤرخ للموقف الحرج الذي تعرض له أحد وزراء حكومة عباس الفاسي بالخارج بمدينة ميلانو الإيطالية تحديدا على يد الجالية المغربية. الشريط الذي يحكي قصة محاولة وزير من حزب القوات الشعبية ركوب منصة الجماهير الشعبية المغربية بإيطاليا واستغلال الظرف لتمرير المزيد من الخطابات الخشبية والديماغوجية، فما كان من هذا الجمهور المغربي "المخيخ" من حر الغربة ومن نار الأزمة الاقتصادية ومن حكرة الحكومة المغربية إلا "التحياح مزيان" على هذا الوزير الاتحادي المزغوب بشعارات خرجت عن كل التوقعات، بدءا بالصفير حتى سير بحالك، مرورا طبعا بالوزير العيان رجع للمغرب، سير بحالك، لا لا لا ، خد هاذ الشوهة، الله ينعل ....، ديكاج، سير ضحك على ....، يسحابونا غير عروبية، وغيرها من الشعارات وهذا طبعا دون الحديث عن الكلام النابي والساقط المسجل في الفيديو. فلم تهدأ روعة هذا الجمهور المغربي الثائر وهو يؤنب الوزير محمد عامر الذي تحول من كثرة سفرياته لكل قارات العالم من وزير الجالية إلى وزير "الجولة والتسركيح والتفطاح"، حتى دخل وزير آخر محترم ومن صنف ثان أنقذ موقف الحكومة المغربية في قلب الاتحاد الأوربي، حيث الطلعة البهية للسيد عبد العزيز الستاتي الفنان الشعبي المحترم والمرحب به بالتصفيقات و بحرارة لا تقل عن صور الترحيب بأكبر الشخصيات السياسية مثل صورة أوباما العظيم وهو يلج المنصة في عز حملته الانتخابية. السؤال بعد هذا الشريط الفضيحة، سواء بالنسبة للوزير الاشتراكي يا حسرة السيد عامر أو بالنسبة لكافة أعضاء حكومة الفاسي برمتها هو، لماذا تكرهكم الجالية المغربية إن لم نقل الشعب المغربي بكامله؟. الجواب على هذا السؤال والذي لن يطرحه الوزراء على أنفسهم طبعا، سيكون سرياليا كالعادة، حيث سيعتبرون الحدث عاد جدا أو أنه مؤامرة من الخصوم وقد يكون وراءه إرهابيون أو اليمين الأوروبي المتطرف وغيرها من الأسباب الواهية دون امتلاك الشجاعة لمساءلة الذات حول هذا السؤال المحوري في حياة المغاربة. إن حقد كل مغربي اليوم على المسؤولين الحكوميين ليس وليد اللحظة التاريخية أو بسبب موجة ربيع الثورات العربية الراهنة، بل نتيجة موضوعية لتراكمات تاريخية من قهر تسلسلي خطير تمارسه مختلف المصالح الخارجية والداخلية للإدارات العمومية وللوزارات التي يشرف عليها هؤلاء دون أن يحركوا أدنى ساكن في وجه كل الصرخات بالظلم والحكرة وغيرها من الخروقات والتعسفات. فجاليتنا المغربية مثلا والتي لا تعلم حكومة عباس بما تعانيه من صعوبات دفعتها إلى القطيعة المطلقة مع العديد من مرافق وزارة الخارجية المغربية التي تمعن في احتقارهم كل يوم، لا يمكن أن يستمر مسلسل تحويلها إلى عملة صعبة ومجرد رقم اقتصادي يرتفع وينخفض حسب الأحوال. إن الجالية المغربية وبالخصوص في أوربا عانت ولازالت الويلات جراء الأزمة الاقتصادية الأخيرة، فقد فرضت على البعض النوم رفقة أسرته وأطفاله في السيارات وفي الغابات وتحت بالوعات الواد الحار بالعواصم الأوربية بعدما عجزوا عن أداء إيجار البيت، بل منهم من وضع أبناءه في الخيريات واختار هو النوم في الشارع العام وغيرها من المعاناة دون أن يظهر للحكومة المغربية أثر في هذه الأزمة. المعاملة داخل السفارات والقنصليات المغربية المشتتة والبعيدة أصلا مهينة ومليئة بالتعقيدات وبالرشوة والفساد طلبا لأبسط الوثائق كتجديد البطاقة الوطنية، والكثير من الأسر المغربية بالمهجر تتعرض للنصب والاحتيال من طرف العديد من المؤسسات العمومية المغربية وبالخصوص في مجالات العقار حيث الماكيط المزوق في المعارض والواقع البئيس على الأرض. الجالية المغربية تتعرض لتصرفات مهينة بالعديد من الموانئ المغرية لحظة عبورها بسبب عمليات الاستفزاز العلني لرجال الشرطة والجمارك، وبالخصوص في حق الأسر التي تختار السيارات العائلية الكبيرة والتي يتعمدون إلى ركنهم رفقة أطفالهم في الخلف تحت نار الشمس الحارة في العطلة لساعات تفوق عشر ساعات يوميا حتى يهديهم الله ويدهنوا السير، وإلا عملية تفتيش وتشتيت مهينة لحاجياتهم. أما بعد العبور فتحدث عن النصب والاحتيال وعن السطو على الأموال والعقارات والمنقولات، وتكلم عن التعقيدات في المساطر وعن حكرة القضاء وعن ابتزاز الإدارات العمومية وعن وعن، وفي الأخير نقول لماذا عومل أحد وزراء حكومة عباس الفاسي بهذا الشكل المهين، حمدوا الله ليما ريشوه ورماوه برا بالفقايس. *صحافي بالشروق