بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمحاربة التدخين يومه 31 ماي المنصرم لابد من التذكير أن التدخين يقتل 6 ملايين شخص في العالم سنويا. أما في المغرب، فهناك حوالي 7 ملايين مدخن، بما فيهم 500 ألف مدخن قاصر. وهم يدخنون حوالي 15 مليار سيجارة في السنة ! ما يجعل 41 في المائة من مجموع المغاربة يعيشون حالة التدخين السلبي !هذه الأرقام القاتلة تجعلنا من أكثر المستهلكين للدخان على المستوى المتوسطي. توجد طرق كثيرة لتقييم تكاليف التدخين على الرغم من صعوبة الإحاطة بها جميعا. إلا أن الاقتصاديين حددوا نماذج (MODELES) تمكن من تقييم وتحديد تكاليف هذا المخدر على المجتمع والمالية العمومية. وهم يميزون عامة بين التكاليف المباشرة كتلك اللازمة لمعالجة مرضى التدخين، والتكاليف الغير المباشرة كأيام العمل التي يتم فقدانها جراء الأمراض ذات الصلة بالتدخين وتعويضاتها. وعلى العكس من الاعتقاد السائد، فالتدخين لا يساهم في الاقتصاد بقدر ما يخربه. وإذا كانت الأرقام غير متوفرة بالنسبة للمغرب نظرا للتكتم الشديد الذي يضربه لوبي التبغ على هذا الموضوع، فإن بلدا كفرنسا تبلغ فيه الخسائر المباشرة وغير المباشرة للتدخين 47.7 مليار أورو حسب وزير الصحة الفرنسي، في حين أن المداخيل الضريبية لهذا القطاع لا تتجاوز 12 مليار أورو، ما يعني خسارة تقدر ب35.7 مليار أورو ! وعلى الرغم من ضعف المناهج المعتمدة في تقييم الآثار السلبية للتدخين، خاصة تلك المباشرة منها، فإن العالم يتفق اليوم على كون هذا المخدر يشكل خطرا جسيما على المجتمع ولياقته، وعلى صحة الأفراد وأموالهم، ومن تم ضرورة الحد، بكل الوسائل القانونية المتاحة، من انتشاره واستهلاكه. ويندرج في هذا الإطار تقديم مقترح تشريعي من طرف وزيرة الصحة الفرنسية السابقة ميشيل دولاني ومجموعة من النواب الفرنسيين يقضي بتحديد ثمن السجائر بما يمكن من تسديد التكلفة المالية والاجتماعية للتبغ، بعد خصم عائداته الضريبية ! في سنة 2016، ستبلغ واردات السجائر 2.5 مليار درهم، بمعدل 42 بالمائة من حصة السوق المغربية. هذه الحصة التي عرفت ارتفاعا متواليا منذ سنة 2011، والتي كانت السجائر المستوردة لا تتعدى فيها نسبة 2.7 بالمائة من حصة السوق الداخلي ! إننا نعيش منذ هذه السنة انقلابا متسارعا في حصص السوق لصالح السجائر المستوردة، والتي بلغت في منحى تصاعدي 25.27 بالمائة سنة 2015. الخاسر الأكبر في هذا التراجع هو الاقتصاد الوطني الذي تراجعت فيه حصة الماركات المحلية من 97.3 بالمائة سنة 2011 إلى 58 بالمائة سنة 2016 ! حيث تسللت ماركات خارجية إلى السوق من مثل نيكست، وروتمان ومونتي كارلو والتي أغرقت الماركات المحلية كمركيز وكازا وأولمبيك بلو. ما السبب في كل هذا ؟ الجواب بسيط، وهو ارتفاع أثمان المنتوج المحلي كثيرا مقارنة مع المنتوج الخارجي. فالبورلي، المكون الأساسي للتبغ المحلي يبلغ ثمنه في السوق الدولية 17.50 درهم، مقابل 52.50 درهم في السوق المحلية ! النتيجة هي تراجع الماركات المحلية، وأكثر من ذلك تخلي الشركة المغربية للتبغ، التي أصبحت تابعة للشركة الدولية امبريال توباكو، عن شراء المنتوج المحلي لفائدة المنتوج المستورد، الذي يعود أقل كلفة بفارق كبير. هذا القرار سيكون ذا آثار اجتماعية ومعيشية كبيرة لحوالي 3500 مزارع لنبتة السيجارة المحلية بمنطقة الحاجب ووزان والغرب... ماذا يجب فعله إذن أمام هذه الوضعية ؟ الجواب واضح. لنجعل من تراجع المنتوج الداخلي، بل واحتمال اندثاره في المستقبل الغير البعيد فرصة لدفع المغاربة للتراجع أكثر عن التدخين. فأرقام التدخين تبقى مرتفعة بشكل مهول في المغرب، وتضعنا في مراتب متقدمة متوسطيا ودوليا. إنه لا بديل عن العمل على الحد ما أمكن من عدد المدخنين، بالاستمرار في سياسة رفع الرسوم على السجائر وتشديد الخناق على التدخين كسلوك غير اجتماعي وغير صحي. فالدخان عدو الصحة والمال، ومقارنة بسيطة بين تكلفته الصحية والمالية وأدواره الإنتاجية والاقتصادية تظهر عدم توازن كبير لصالح كفة أضراره وأثاره الوخيمة. ولا بد أيضا من حماية الاقتصاد الوطني أمام أي تطور سيساهم في تعميق عجز ميزان الأدءات. خاصة بالنظر إلى كون قطاع التدخين ببلادنا تسيطر عليه شركات أجنبية، وذلك بعد خوصصته بداية من سنة 2001. فالسوق المغربية اليوم تتقاسمها ثلاث شركات دولية هي أمبيريال طوباكو، تحت إسمها المحلي الشركة المغربية للتبغ، وجابن طوباكو وبريتيش أميريكن طوباكو. حيث نفهم في هذا السياق تراجع حصة المنتوج المحلي في السوق المغربية للتبغ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك بانخفاض حصته من 97.3 سنة 2011 إلى 58 في المائة سنة 2015-2016. وهو ما يكلف ميزان الأداءات الخارجي ما يزيد عن 2.5 مليار درهم سنوي، دون أن ننسى التذكير بكون 90 في المائة من وفيات سرطان الرئة أصلها التدخين ! إنها كلها تكاليف وأسباب يجب أن تدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي تجعل النصوص التطبيقية لقانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ لم تخرج إلى الوجود منذ صدور هذا القانون سنة 1995 .. تأخر دفع وزير الصحة بنفسه إلى التنديد بوقوف لوبيات قوية وراء عدم صدور هذه النصوص التطبيقية ! والحال أن كل العوامل تدفعنا جميعا في اتجاه المحاربة بلا هوادة لهذا المخدر الخطير، الذي يفتك بالمال والعباد، فهل من مجيب ! *أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق